* الجزيرة - الترجمة:
الصحفي البريطاني اللامع روبرت فيسك مراسل صحيفة «اندبندنت» البريطانية عاش في الشرق الاوسط فترة طويلة من الزمن لمتابعة اخبار الحروب على مدى ثلاثين عاما، من ايرلندا الشمالية إلى افغانستان. لقد عاش فيسك في لبنان خمسة وعشرين عاما، شهد خلالها الحرب الاهلية اللبنانية والغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982.
كان كتابه «رفقاً بالأمة» بمنزلة رصد لاحداث هذه السنوات من خلال تقاريره الصحفية عنها، كما قام فيسك بإجراء ثلاث مقابلات مع اسامة بن لادن، وكان الصحفي الغربي الوحيد الذي شهد سقوط قندهار، وكاد يفقد حياته - لدى عودته إلى باكستان في ديسمبر من عام 2001 م - عندما تعرض للضرب على ايدى مجموعة من اللاجئين الافغان الذين استولى عليهم الهلع بسبب «القصف الأمريكي» فقد كتب فيسك عن هذه التجربة يقول «لو كنت لاجئا افغانيا، لفعلت نفس الشيء».
قام فيسك مؤخرا بجولة في ست عشرة مدينة لالقاء محاضرات في امريكا الشمالية، قادته احداها إلى مدينة مونتريال الكندية، حيث تحدث أمام ندوة الكتاب القوميين التي نظمتها رابطة الصحفيين الكنديين، والقى محاضرة في كونكورديا، واحساسا منها ببراعة روبرت فيسك في معالجة اخبار الحروب اجرت صحيفة «مونتريال ميرور» الكندية الحوار الهاتفى التالي معه من منزله في بيروت:
* يكشف كتابك «رفقاً بالأمة» عن وجود تصور لديك يدور حول ضرورة مشاهدة المعركة حتى يتسنى الكتابة عنها.. فهل مازلت تعتقد انه من الممكن العمل بهذا الاسلوب؟ وهل مازلت تعتقد ان ذلك امر ضروري؟
- نعم، فعندما نقول اننا لا نستطيع الكتابة عن المعركة، فإن ذلك يعني نهايتنا، انني اعتقد انه يتعين علينا ان نذهب إلى ارض المعركة، ورغم ما ينطوي عليه ذلك من خطورة بالغة بالنسبة للصحفيين، إلا انه في ذا ت الوقت ضروري لهم، ان القدرة على السيطرة على المعركة تكون غالبا للمنتصر - الامر الذي يعني دائما «الامريكيين» - وقد وصلت إلى هذه النتيجة، بأنه لابد من وجود صحفيين يقولون «توقفوا للحظة، انه ليست بهذه الوسيلة تتم معالجة الامور، انني اعتقد ان وظيفة الصحفي ان يروي «ما يحدث الآن»، ولا تقولوا لي انكم لم تكونوا تعرفون. انني اعتقد ان زملاءنا في الميدان الصحفي هم متحدثون باسم الحكومات، وقد اجريت حوارا هذا العام (2002 ) مع عميره هاس..
الصحافة والقوة
* من صحيفة هاآرتس الاسرائيلية؟
- نعم، بالطبع، وسألتها عن وصفها لمهنة الصحافة، فقالت لي افضل وصف سمعته حتى الآن، هو «ان الصحافة مهنة مراقبة منابع القوة «وكنت اظن - كما تعلمون- انها تعني رواية الحقيقة، وان تكون الشاهد الاول على التاريخ، وهو الامر الصحيح، إلا ان مراقبة منابع القوة هو الشيء الذي يجب علينا القيام به، ومع ذلك فإن الصحافة الامريكية لا تفعل ذلك، ولسوء الحظ فإن الصحافة الكندية لا تفعله ايضا بشكل كبير، وكذلك الصحافة البريطانية.. مراقبة منابع القوة.
ياله من وصف! صوت وصورة
* لابد ان هناك بعض السمات والخواص المهنية التي اكتسبتها على مدى سنوات؟
- هناك فارق بين دخول مناطق القصف والخروج منها، ان مجال العمل في ارض المعركة يكسبك القدرة على التمييز بين صوت القذيفة - قنبلة أم صاروخ - ومدى بعدها، وهناك شيء تتعلمه من ذلك بسرعة، هو ان الصوت والصورة لا يحدثان في وقت متزامن بالشكل الذي نراه في الافلام السينمائية، لأن الصورة تسبق في الواقع العملي الصوت.
الرقابة الذاتية
* أود أن أسالك عن الرقابة الذاتية، والاغراءات العامة لها؟ انك تحصل على معلومات من شخصيات بارزة وهامة، وتعرف أمورا لا يريدون نشرها على الملأ.. هل لديك القدرة على مواجهة اعتراضاتهم على شيء من هذا القبيل بجسارة في كل مرة؟
- إذا ابلغني احد الاشخاص شيئاً ما، وربط ذلك باتفاق معي مثل «لا تقل ما يلي..» فانني انصاع لرأيه، ولا انشر المعلومات التي حصلت عليها منه، لقد واجهت الكثير من المخاطر في الشرق الاوسط، ففي ديسمبر من العام قبل الماضي (2001) كدت افقد حياتي على الحدود الباكستانية الافغانية، انني لا اقوم بكل ذلك، واخاطر بحياتي ، بلا هدف.
الحياد
* من السهل المحافظة على الحياد من خلال قمع كل شخص يقوم بعمل خاطئ، وهناك الكثير من الاعمال الخاطئة.
- لا.. لا.. لا.. انك مخطئ، انه من الاسهل كثيرا المحافظة على الحياد، حيث انه لكل شخص الحق في عرض رؤيته للحقيقة، ولكل شخص الحق في ابداء رأيه، إلا ان المشكلة تكمن فيما إذا كان صادقا ام كاذبا.
نذير شؤم
* من خلال عرض الاشياء السيئة التي يقوم بها كل شخص، تستطيع ان تحافظ بهذه الطريقة على حكمك المنصف على الامور، هل الحديث عن الاشياء الجيدة يعرض حيادك للخطر او للشبهة؟
- اطلاقا، ان ما يهمني هو الامان الشخصي لي، انني ارغب ان يقوم الناس بالاشياء الجيدة على نحو متزايد، لأنني اريد ان اعيش، إلا انه في ضوء الاوضاع السائدة حاليا في روسيا، الشيشان، بوش، العراق، اسرائيل، لبنان، سوريا، اشعر بالتشاؤم عندما استيقظ من النوم كل صباح، وانا من الرجال الذين يتعين عليهم الذهاب إلى ميادين الحروب.
انها ليست مشاهد حرب في هوليوود، بل هي الحروب الحقيقية، ان الحرب لا تدور حول الهزيمة والنصر، بل تدور حول الموت، لقد شاهدت آلافا من جثث القتلى، فهل تعتقد انني اريد ان اخوص مناقشة اكاديمية حول هذا الموضوع؟!
تجربة سبتمبر
* ماذا عن الصحافة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والاخفاق في الاجابة عن السؤال «لماذا»؟ وما الذي كنت تتوقع رؤيته في الايام القليلة الاولى- بعد هذه الهجمات -؟
وما الذي كنت تحب ان تراه؟
- عندما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كنت في طريقي بالطائرة إلى الولايات المتحدة، ثم تحولت الطائرة إلى الخلف عائدة إلى أوروبا، عندئذ سارعت باجراء مكالمة هاتفية مع مكتبي من تليفون الطائرة المتصل بالاقمار الصناعية، وقلت لهم «حسنا، لقد وقع المحظور، إلا انه يتعين علينا ان نسأل السؤال: لماذا؟» وقالوا لي: «كم من الوقت تحتاح للاجابة عن هذا السؤال؟ وقلت انني كتبت اول جملتين، والباقي سوف امليه عليكم من ذاكرتي.
السؤال.. لماذا؟
*هل توقعت مقابلة اشخاص آخرين يسألون هذا السؤال ويجيبون عنه؟
- لا، لم اتوقع ان يسأل احد هذا السؤال، ففي ليلة الحادي عشرمن سبتمبرعدت إلى أوروبا، وكنت اشارك في برنامج إذاعي، وظللت اقول: «لماذا؟ لماذا؟ لماذا»؟ وبدأ الضيف الآخر بالبرنامج الآن ديرشوفيتز يصفني بأنني رجل خطير للغاية، وقال ان كونك مناهضا للامريكان لا يختلف كثيرا عن كونك مناهضا للسامية، وقلت «انه امر مروع ومثير للفزع، انه امر ليس حقيقيا، لابد ان نسأل السؤال «لماذا»؟ لذا فإنني عندما القي محاضرات في هذا الشأن يكون الهدف منها هو محاولة فتح باب المناقشة حول هذا الموضوع.
الليلة والبارحة
* لقد نقلت رسالة في كتابك «رفقاً بالأمة» بعد سبعة ايام من الغزو الإسرائيلي للبنان، استخدمت فيها كلمات من قبيل «ورطة» و«اذلال» و«هزيمة» هل توقعت بحدوث نفس الشيء مع الغزو الأمريكي لافغانستان والمنطقة القبلية الباكستانية؟
- لقد كنت في منطقة الصحراء المحيطة بمدينة قندهار الافغانية في اغسطس، وذهبت إلى القرى التي اجتاحتها القوات الخاصة الامريكية خارج قندهار، وفي احدى القرى حاجي بارجيت لقي زعيم القرية البالغ من العمر ستة وثمانين عاما مصرعه، وعثرت على بعض اجزاء من جمجمته في المسجد.
وكانت طفلة 8 سنوات قد فرت مذعورة، وسقطت في بئر وغرقت عندما القيت القنابل على القرية، وايضا تم نقل الكثير من ابناء القرية إلى قندهار لاستجوابهم، وقالواانه كان يتم استجوابهم عرايا مجردين من ملابسهم، كما تم نقل جثة زعيم القرية الى قندهار، حيث كان الامريكيون يريدون التعرف على جثة القتيل.
وبعد اسبوع، تم اطلاق سراحهم جميعا، وعندما عادوا إلى القرية اكتشفوا نهب كل ممتلكاتهم، على ايدى سكان القرية المجاورة التي يبدو انها ابلغت الامريكيين ان سكان هذه القرية جميعا من اتباع تنظيم القاعدة، لذلك، كان هناك الف افغاني آخر يرغبون في قتل الامريكيين، ولك ان تعرف السبب في ذلك، لقد كانت قندهار تشهد كل ليلة تقريبا حوادث اطلاق نار ضد الامريكيين.
حكاية شاهي كوت
* هل هو في منطقة شاهي كوت؟
- نعم، انها منطقة شاهي كوت، انني اتذكر بالفعل دعوة جنرال سوفييتي لي لحضور مؤتمر صحفي في باجرام، وهو نفس المكان الذي تستخدمه القوات الجوية الامريكية مقرا لها، وقال لي الجنرال السوفييتي «لقد قضينا على الارهابيين، ولم يبق منهم إلا فلولهم» ثم حضرت بعد سنوات مؤتمرات صحفية امريكية مماثلة، وقال لي كولونيل امريكي «لقد قضينا على الارهابيين، ولم يبق منهم إلا فلولهم» عندئد جلست افكر في عمري ، هل انا اصغر بعشرين عاما، او انني اعيش عمري الحقيقي؟
|