يصبح الضمير أحياناً فرس رهان قوي يستطيع ان يتجاوز الحدود، ويقفز الحواجز، ويكسر المتاريس.. ولا سيما أن العمل الأدبي يستند إلى هذا «الضمير» بوصفه عالماً شعورياً فائق الغرابة، وشديد الغموض..
فلا تخلو أي تجربة من هذه التجارب الأدبية من تعلق واضح في هذه الارهاصات الذاتية، والتقلبات الفكرية التي تصوغ الفضاء العام لأن ينطلق صوت الضمير نحو عوالمه المفتوحة.. لنجده في كل نص يأخذ شكل الخفاء والتواري وعدم الوضوح رغبة منه في تأمل الحالة الإنسانية العامة، ومحاولة تسيير شؤونها دون أن تكون هناك جهورية في الصوت وصخب في الحضور.
صوت الضمير في العمل الأدبي وتحديداً في الجانب الإبداعي الروائي والقصصي والمسرحي نجده متلبساً - وبشكل دائم- بما سواه من رؤى.. إذ يساير الواقع ويذهب معه في كل اتجاه لكنه يفضل التواري والانزواء.
يعلو صوت الضمير عادة لحظة الأزمة.. يثور معه الشعور وتتحدد صور المواجهة عندما تصبح هذه الأزمة حالة من حالات الظلم والقهر، وضياع الهدى.. فإن كان الضمير حَيّاً يرزق فمن المؤكد أن ثورته ستكون صاخبة مدوية تعيد الاعتبار للإنسان، وتنصفه اما إن كان الضمير غافياً فربما يستيقظ بهدوء ويحاول التقاط أمر المعضلة، والمصيبة أقوى وأخطر إذا كان الضمير قد فارق الحياة. سنجد أن إعادته مستحيلة، فلا حاجة لنا أن نحاول او تجرِّب.. وربما تظل محاولة الكاتب المبدع هي الأقرب في لحظة توظيف الضمير توظيفاً فنياً يتوارى في الوقت الذي يسود فيه الوئام ويثور في الوقت الذي يستبد فيه بالإنسان نوازع الشر..
قد يتميز في هذا السياق ما لدى الكاتب والروائي الليبي إبراهيم الكوني من قدرات على توظيف صورة الضمير فنياً في العديد من أعماله الروائية.. لنجد أن «صوت الضمير» يتداخل في النصوص على هيئة خطاب إنساني مؤثر لا يخلو من الغرابة والطرافة لكنه يستيقظ وينهض من كبواته الكثيرة ولا سيما أن الصحراء تخبئ في تضاعيفها العديد من الأسرار، والألغاز التي نطالع فيها -إذا ما قرأنا- صورة الضمير تترى بين جملة وأخرى
|