Tuesday 21st January,2003 11072العدد الثلاثاء 18 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حقوق الإنسان وتهافت الفارغين! حقوق الإنسان وتهافت الفارغين!
د. حسن بن فهد الهويمل

كل يوم تطلع فيه الشمس يطلع معها مشروع فكري أو ديني أو سياسي أو اجتماعي، ويطلع معه خليون يتعهدونه بالاشاعة والتأييد والتنطع. والطاعم الكاسي يقعي بفؤاد هواء، يرقب ما يأتي، مما هو بحاجة إليه، ومما ليس بحاجة إليه، فالمستهلك الخاوي عروش الفكر والمعرفة يبحث عن ملء الفراغ، ولو بالفراغ، مثله كمثل الهرة الطوافة بحثاً عن خشاش الأرض. والاشكالية ان المقعين والمقوين يعدون أنفسهم من النخب: الفكرية والدينية والسياسية والأدبية، ممن هم صفوة الصفوة، ومعتصر المختصر. ومع أنني حفي بالمستجدات، حريص على توفر كامل الحريات والحقوق، ومع قطعي بأن المشاهد العربية بكل تنوعاتها بحاجة أمس إلى المؤسسات بكل أنواعها: - الدستورية والشورية والتشريعية والتنفيذية وغيرها فإنني أراهن على أن المجتمع العربي يجتر القيم والمبادئ الغربية كما «اللبان» ولا يبلع إلا ريقه، فحكم الفرد، وتسلط الطائفية والفئوية والحزبية واحتكار السلطة من أدواء المجتمعات النامية، وهي أحوج ما تكون إلى الأدوية الناجعة التي تتحول بها من الفردية إلى المؤسساتية، ومن الأثرة والاستئثار إلى الشورى والمداولات والإيثار، ولما لم أكن سكونياً ولا ماضوياً، ولا مأخوذاً بعقدة الأبوية ولا خائفاً من التجديد، فإنني أمقت الذواقين الفارغين الذين لا يستقرون على قرار، ولا يؤسسون لفكر، ولا ينهضون لتحرير قضاياهم والتأصيل لها، ولا يصبرون على ثوابتهم، ولا يعرفون ضوابط الحرية ولا مستوياتها، وكل فعلهم أن يتلقوا ركبان المستجدات، ليأخذوها بالأحضان، ثم لا يترددون في إراقة مياههم كلما تراءت لهم سرابيات القيعان، وإذا أبديت امتعاضك واستياءك وطلبت التريث والتثبت والأخذ بأحسن ما عند الآخر، قالوا لك:- إنك جمودي مقلد متخوف، لا تريد لهذه الحياة أن تسبح في آفاقها المتاحة. ولو أن أحدنا نظر إلى ما حوله من المذاهب والظواهر والتيارات الحاضر منها والباد، لهالته كثرتها، وراعه تناسخها، وأزعجته الجهود والأموال والأوقات المهدرة في سبيل استقبالها واستدبارها، دونما رشد أو تثبت في الحالين. ولكل أمة وجهة وهاد إليها، ولا تكون الأمة أمة، ولا تستكمل مقومات وجودها إلا إذا كان هداتها على بينة من الأمر، يعرفون الثابت والمتحول، ويردون الاختلاف إلى ما أمروا بالرد إليه، ومتى وجدوا الدليل القطعي الدلالة والثبوت استجابوا لله وللرسول دون أن تكون لهم الخيرة، ومع التسليم والرضى فليس هناك ما يمنع من استقبال فيوض الحضارات والأخذ بأحسنها ولكن بعد وعي عميق للذات وللآخر، وبمعرفة تامة بحاجات الأمة وطاقاتها، وبما يصلح لها من تلك الفيوض. ومرحلة الغثائية، لا تتحقق، ولا يتمكن الأكلة من التداعي عليها إلا إذا فقدت الأمة مقوماتها الحضارية، وسادها جهالها، واتبعت سنن من كان قبلها. والرسول صلى الله عليه وسلم الحريص على أمته حذرها من زمن «الغثائية» و«تداعي الأمم» على قصعة الحضارة و«اتباع سنن الآخرين» و«كثرة الهرج» و«التقاء المسلمين بسيفيهما»، ومن نظر بعين البصر والبصيرة في الفتن واشراط الساعة وعلاماتها التي أجملها الرسول صلى الله عليه وسلم أيقن أنها حاضرة، يديرها القوم فيما بينهم. ومما نعايشه الآن من مستجدات الغرب الضاحك علينا بمئل شدقيه «العولمة» و«الارهاب و«حقوق الانسان» ولما تزل مشاهدنا كمطارح الفتن، تتناثر في أرجائها أشلاء المذاهب والعقائد والأفكار، فيما تنحسر المعارف الانسانية والعلوم التجريبية والحقائق العلمية، لقد نشبت فيما بين الأخ وأخيه والجار وجاره حروب: باردة وساخنة، حول «الماركسية» و«القومية». وما أن أذعن لها المغلوبون على أمرهم: طوعاً أو كرهاً انشقوا على أنفسهم، وأعادوا التنازع جذعة حول المفاهيم والأولويات، حتى لقد وصف المنشقون سلفهم بالردة والتنكر لمبادئ الحزب، وقامت عشرات الثورات البيضاء والحمراء من أجل تلك المفاهيم التي لم تبلغ التراقي. وإذا كنا جميعاً لا ننكر ذلك، ولا يجهل أحد ما خسرته الأمة من رجال وأموال ومثمنات في سبيل هذا التطاحن لزم إعادة النظر فيما هو آت، وهل أحد منا يجهل التبذير المسرف للأموال والجهود والدماء والمقدرات من أجل تكريس مذهب طارئ أو عقيدة زائفة، وما على المتردد إلا أن يقرأ التاريخ الحديث للأمة العربية من ثورة «حسني الزعيم» إلى اليوم، ليعرف كم من كفاءات بشرية ومثمنات: حسية ومعنوية أريقت تحت أقدام المستجدات، فاضت المنافي وامتلأت السجون واكتظت المقابر، وما استقر أحد من هذا العالم النائم المتخلف على نحلة أو مذهب. والأمة التي زين لها سوء عملها لا تعيد قراءة التاريخ، ولا تقّوم الأحداث، ولا تتأمل أحداثها وحوادثها الجسام قبل الاستقبال أو الاستدبار، وحين لا يكون للأمة ذاكرة، ولا مركز معلومات، ولا حكيم يتولى أمر الصدور والورود تظل في حالة من النزيف الدموي الذي يدخل بها مرحلة الغيبوبة ثم الموت الزؤوم.
وإذا كنا فيما مضى لا ندخل في نحلة حتى نفرغ من سالفها، فإننا اليوم نشتغل في أكثر من نحلة، نضع أيماننا في عقيدة، وشمائلنا في أخرى، فيما نستشرف بعيوننا مذهباً مادياً قادماً من بعيد، ونلقي السمع لما عند غيرنا، مما يصلح، ومما لا يصلح، نجمع الأشتات، ونحفل بالنقائض، ونقبل تحقيل أنفسنا للتجارب. ومصدرو المذاهب والعقائد يجرون فينا تجاربهم، مثلما يجري العلماء تجاربهم في مختبراتهم على حيواناتهم الأليفة والمتوحشة. ومصائب الأمة تتضاعف، ومشاكلها تدلهم ومصاعبها تتفاقم، حين تقع الغفلة المعتقة بين نخبها وقادة الفكر فيها. ولو ضربنا المثال بدعوى «حقوق الانسان» وتهافت الأدباء والمفكرين والعلماء والإعلاميين والساسة عليها، لتبدت لنا السذاجة والبلاهة، وتهافتنا يوحي بأن الحديث جديد، وأن «حقوق الانسان» من لدن المشرق أو المغرب، وما كان نور الله الذي يهدي إليه من يشاء من شجرة شرقية ولا غربية، ولم يكن الغرب حفياً بنا، وبما نلاقيه من ظلم ذوي القربى، وكأننا لم نعرف هذا الحق إلا حين أشاعه الغرب في أوساطنا، وكأن إسلامنا خلو من ذلك. ولو كنا نعقل ونفكر ونتدبر لأوقفنا هذه الدعوى خارج مشاهدنا، واستفتينا إسلامنا عما عنده من قيم ومبادئ، تحفظ حقوق الخاصة والعامة: - سياسياً، واجتماعياً وفكرياً، وتحول دون الظلم،وتدعو إلى العدل والاحسان والمساواة، فإذا توفرت المبادئ واكتملت الاجراءات طرحنا مشروعنا وأخذنا بمقتضاياته، وكيف لا نجد في إسلامنا ما يشفي ويكفي، وهو قد حفظ للحيوان حقه، فمنع حبسه، وأدخل النار امرأة حبست هرة، وأدخل الجنة مومساً سقت كلباً، وجعل في كل كبد رطبة أجر، وأمر بإبلاغ المشرك المستجير مأمنه، وجعل إيذاء الذمي كإيذاء أكرم الخلق.
والغرب الذي يدوف لنا سراب الوعود بمعسول الكلام يلهينا بمصطلحات جذابة ك»الحرية» و «الديمقراطية» و«حقوق الانسان» ولو أن قائداً عربياً أخذ بشيء منها أخذ صدق وامتثال، كما هي شائعة عندهم، لحالوا بينه وبين ما يشتهي، ذلك أن ما يقولونه، ويتداولونه لمجرد الدعاية والاستهلاك، وكيف يودون لنا العلم والحرية والاكتفاء، وهم ينظرون إلينا بوصفنا غنيمة باردة، يشترون خيرات البلاد العربية والإسلامية بثمن بخس دراهم، ويعيدونها إليهم بعد تحويلها إلى مستعملات مستهلكة بأغلى الأثمان، يجربون في مشاهدنا وعلى حدودنا وبين فئاتنا سلاحهم وخططهم العسكرية ولعبهم الماكرة، ويخوفون بعضنا من بعض، يحيون فينا أسباب الفرقة، ويعمقون بؤر التوتر، ويجذرون الكراهية، ويساعدون بعضنا على بعض، حتى إذا غرسوا في نفوسنا الشك والخوف والارتياب والعداوة والبغضاء، تنحوا قريباً، وجلسوا جلسة الشامت، ينظرون إلى أثار تآمرهم فينا.
وحين نحفل بمبادئهم المفرغة من محتوياتها، ونقبل بها، فهل تكون احتفاليتنا مرتبطة بما في حضارتنا من قيم وآليات لتنفيذها؟ لهم دينهم ولنا ديننا، ولن يرضوا عنا إلا باتباع ملتهم.
الإسلام له رؤيته الثاقبة في كل شؤون الحياة:{مَّا فّرَّطًنّا فٌي الكٌتّابٌ مٌن شّيًءُ} وقد جاء كتاب الله {تٌبًيّانْا لٌَكٍلٌَ شّيًءُ}.
والحضارة الغربية لها رؤية تناسب حياة ذويها، وتسد حاجاتهم، وتستجيب لمطالبهم، حتى لقد تربوا عليها كحيوانات «السيرك» وما عندهم من حق وعدل ومساواة وعمل جاد وإعداد للقوة المعنوية والحسية يعد ضالتنا، فالأمة الإسلامية مطالبة بالأخذ بأسباب الحضارة المادية. وما لا تقوم الحياة السَّوية إلا به شأن المؤسسات الإسلامية من أنظمة وشروط، وهذا الافتراض مشروع، متى لم يلغ الخصوصية، ولا يحول دون الدخول في الدين كافة.
و«حقوق الإنسان» في الإسلام مكفولة مع «الجلد» و«الرجم» و «القطع» و «القتل» و«الصلب» و«النفي من الأرض» و«قضايا المرأة» و«الانجاب» و«الإسكان» وسائر الظواهر الاجتماعية، أما حقوقه في الحضارة الغربية فإنها تمنع قتل القاتل وقطع يد السارق وجزاء الحرابة ورجم المحصن الزاني وجلد ما سواه والطلاق والإرث. وإذا أخذنا بمفاهيم الغرب تمشياً مع رؤيته لحقوق الانسان خرجنا من ديننا، وإذا أخذنا بمفاهيم الإسلام عطلنا «حقوق الانسان» كما يفهمها الغرب. فكيف نحافظ على ثوابت الدين، ونحق الحق. والغرب الذي يتغنى بالحرية والعدل ماذا فعل بالإنسان العربي، وماذا فعل بالمسلم المستضعف في كل بقاع الأرض وعبر التاريخ الحديث، فأين هو من الإنسان الفلسطيني، والانسان العربي خاصة والانسان المسلم عامة وانسان العالم الثالث، وأين هو من «حقوق الانسان» كما هي عنده؟
أحسب أننا أحوج ما نكون إلى المواجهة الحضارية، مواجهة الحوار وتبادل المصالح، وإلى مساءلة الغرب المتغطرس ليحقق مقتضيات «حقوق الانسان» مع غيره، وعلينا أن نصوغ رؤيتنا لحقوق الانسان من خلال حضارتنا العربية والإسلامية، وأن نقدم مشروعنا، وأن نثبت للغرب أنه أول المتنكرين لحقوق الانسان.
هامش:
* قد نصل الحديث عن حقوق الانسان في الإسلام.
بعد إدكار المراجع.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved