بعد أن خرجنا من مدينة الرياض عاصمة البلاد وجعلناها وراء ظهورنا اتجهنا نحو الشمال الغربي قاصدين به عشيرة التي هي احدى قرى وادي سدير، فأخذنا نقطع الفيافي والجبال، والمنحدرات والتلال والسيارة مسرعة بسيرها تريد الوصول الى المكان المطلوب قبل حلول الفطور.
أما أنا فأمست عندي شبه غيبوبة إذ تمر بي ذكريات الماضي - ذكريات الأجداد، واحدة تلو الأخرى، وكيف كانوا يقطعون هذه المسافات البعيدة المدى، وكيف ان الجد نزح منها ووصل الى شمال العراق، ثم مرت ذكريات البعض فتذكرت القائل:
يا ناق سيري عنقا فسيحاً الى سليمان فنستريحا
|
فبان لي ان هذا السائح إما يريد وصوله قبل ان يرخى الليل سدوله أو قبل ان يتغير عليه الفصل الذي هو فيه أو.. أو..
وبقيت أفكر.. وأفكر..
ثم مر بذاكرتي قول قيس لليلى العامرية:
ان يشركوني في ليلى فلا رجعت جبال نجد لهم ولا البيد
|
وها أنا بين هاتيك الجبال والبيد أسير.
إلا ان ويا للأسف قطعنا هذه المسافة النائية قرابة مئتي كيلو متر مسيرة ثلاث ساعات وزيادة بالسيارة ولم أر ولا شبرا واحداً مغروساً أو مزروعا عليها فيا للغرابة!!
ثم أخذت أضرب الأخماس أسداساً وانظر الى تربة الأرض التي نسير على أديمها فأراها تربة طيبة فقلت في نفسي ولمن كان معي، لو كانت هذه الأرض: صلبوخا أو رملا لما تصاعد النقع منها فعرف الكل منا أنها صالحة لكل غرس وكل زرع حتى نبات البطاطس.
ثم مررنا بعشيرة وإذا هي بستان نخل كبير وأهله فيه قاطنون في بيوت عديدة هنا وهناك مبنية على سفح هضبة على شكل هلالي ويعتمدون على الزراعة التقليدية.
وأهل هذه القرية يضرب بهم المثل:
أهل السيف والمنسف - كما قال حميدان الشويعر عنهم.
ومعناه أنك لا تستطيع حربهم لسيوفهم المرهفة سيوف تميم المعروفة في التاريخ يوم الحرب العوان فهم سلالة أولئك الأسود الأشاوس الذين دوخوا التاريخ في معركة اليرموك، وفي أيام القادسية يوم أغماس ويوم أرماث ويوم أغواث.
وقعقاعهم ينادي المجاهدين من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وسلم» اصبروا وثابروا فإن النصر حليف الصبر وشاعرهم يقول أيضا إذا والله نرميهم بحرب يشيب الطفل من قبل المشيب ولا تستطيع أيضا ان تضاهيهم بكرم لأن كرمهم غط السحاب.
والمنسف يشهد لهم في الماضي والحاضر،
ومعنى المنسف هو الاناء الفسيح يصنع من معدن النحاس ومن كثرة ما هو كبير وثقيل تثبت في جوانبه الأربع حلقات كبار يلزمه ساعة حمله ونقله.
ثم أرجع بك أيها القارئ الكريم الى العمار الى البناء الجديد الى الثروة وكيف توجد فأقول: لو أن متمولي البلاد يلتفتون اليها ويبذلون قصارى جهدهم فيها فيشجعون الفلاح ويمدونه بالمال فيربح ويربحون هم أزيد مما يربحه الفلاح ولدرت عليهم خيرات البلاد وأصبح الواحد بعشر ولصارت زراعتهم كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة.
أضف على ذلك ان طبيعة هذه الأرض تصلح لعمل الطابوق «اللبن المشوي» فلو فتح أصحاب المال معامل الطابوق فقدر قارىء كم من ملايين الريالات تدخل في جيوب العاملين.
إنني أنصح وأقول وأنادي بأعلى صوتي، يا أهل نجد لأن لي منكم بنو أعمام أقول عليكم بالزراعة والصناعة وبدونهما لن تنجحوا في حياتكم المعاشية والله.
|