Monday 20th January,2003 11071العدد الأثنين 17 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

16-9-1389هـ، 25-11-1969م العدد 271 16-9-1389هـ، 25-11-1969م العدد 271
لمحات
يكتبها: عبدالله العلي الزامل

ليس يوهب المرء هبة الحياة لهوا ولعبا..
على كل امرىء في دنياه رسالة يجب ان يؤديها، وانما يتفاضل الناس بادراكهم لهذه الحكمة واتخاذها سر اجابة يهتدون.
ومن ثم كان منهم الحريص على أيامه. ليس يفلته يوم دون تقويم عوج أو اصلاح فاسد. أو اضاءة ظلام يراه في نفسه، أو في الجماعة وكان منهم الغافل المتواني. يذرو أيام دهره كما يذرو الهواء الهباء من خمود الى لهو، ومن لهو الى خمود.
فإذا واتاه النشاط حينا، ففيما يظنه نافعا لشخصه، وان كان فيه أذى كثير للناس.
وعندي أن ما يأتيه المرء من خير وشر. ونفع وضر. يرجع الى مقدار شعوره، بأن عليه في الحياة واجبا مفروضا، وجهته الخير والحكمة والجمال.
ومسألة المسائل التي لا ينبغي ان تطمئن النفس اليها. حتى تهتدي الى وجه الصواب فيها. هو نوع العمل الذي أقف عليه جهودي واجعله وسيلتي الى القيام بنصيبي من الجهد العام في سبيل السعادة الانسانية، والرقي المشترك، يجب ان يكون عملي في الحياة، قوامه النشاط والجد. وغايته ترقية ذات نفسي. وترقية من حولي وما حولي.
فإذا لزمت هذا السبيل ولم أفز بشيء. أو فزت بثمرة ضئيلة بعد ان بذلت ما في وسعي كله. فقد أبليت وأحسنت صنعاً. ذلك إنني مطالب بما استطيع من سعي حيث يدفعني اليه غرض شريف.
فالنجاح ومقداره، والنتيجة وعظمها، فلست بذلك مأخوذاً ولست به كفيلا.
وما الجندي المقدام الذي يهلك في المعركة دون ان يشهد النصر. بأقل بسالة من الجندي المنتصر. عاد يتألق على صدره أوسمة الفخار، ولا الزارع الذي أحسن القيام على زرعه حباً ونباتاً. حتى أدرك وكاد يؤتى ثمره، بملوم إذا عصفت بزرعه الرياح الهوج، فذهبت بنتيجة كدحه وآماله، بين عشية وضحاها.
يجود المقاتل بنفسه متهللا، ويخسر المزارع ثماركده متعزياً. لأن كليهما يحس بغبطة القيام بالواجب، وفيها عزاه، كلاهما اتجه في حياته الى أمر شريف فأحسنه، وان لم يواته التوفيق.
لكن النفس الحائرة بين أمواج الحدثان، تلك النفس التي ينقصها الشعور الهادي الى قصد السبيل. فهي تولي كل يوم قبلة جديدة.
أوليس لها قبلة ما. تلك هي النفس النيئة لم تنضجها حرارة الغيرة على مثال في الحياة نبيل.
وهي النفس الهينة ليس يفتقدها المجتمع إذا غابت، ولا يزداد بها خيراً إذا حضرت، لأنها لم تدرك حكمة وجودها، فحسبت الحياة، كل الحياة طعاما يؤكل، وشرابا يجرع، وثيابا تزدان بها الأبدان، وضروبا من اللذات يتمزق بسمومها الزمان.
وليت هذا اللاهي يظفر بالسعادة في عدوله عن الجادة الى كل مضلة ومنعرج. انه كثيرا ما يضحك وقلبه باك، وكثيرا ما يمرح وضميره شاك وكثيرا ما يقتل الساعات ونفسه ذاهبة عليها حسرات.
فمع كل دقيقة زفرة، ومع كل ساعة وخزة، ذلك بأن شيئا غامضا في طوايا الوجدان يعاتبه بصوت خافت محزون، يعالج تذكيره بأن مطالب الحياة أسمى وأخطر مما هو فيه.
وربما هم المعذب الحائر، بأن يغير من سلوكه، ويجدد من عزيمته، فيسائل نفسه، ماذا أصنع؟؟ أي مسلك استطيع أن أسلك؟
ليس بين ضروب العذاب شيء هو أشد على تلك النفس من هذا العذاب، ماض تستعيده بالذكرى، فتجده صحراء موحشة لا خير فيها، وفيها شرور ومستقبل تستبينه بالفكرة، فتجده مجاهل تيهاء دائمة الليل لا قمر فيها ولا نجوم.
تلك هي حال من يفني زهرة العمر على غير هدى ولا صراط قويم.
تلك هي حاله إذا ناجاه صوت الضمير بكلمات الحق، فبدا له أن يرعوي يومئذ يستيقظ كالذاهل، وقد انتقل من أحلام ساحرة باشرة الى حياة عبوس كاشرة. عبوس كاشرة فيما يرى، لأنه ما راض نفسه على جدها وانما ألف منها الهوادة، والرخاء، واللهو.
ثم هو بعد يقظته تلك بين أمرين.
فإما أن يثب الى ميدان الرجولة وثبة القوى المتين لا يتردد، ولا يتوجس ولا يثير شبح الماضي، ولا يخشى تجهم المستقبل، وإذن فلن يلبث حتى ينشق له طريق العمل، وينفسح له سبيل الجهاد، فتعود صحراؤه واديا خصبا. ويعود ليله نهارا شامسا جميلا. وعلى هذا النحو تصل به حياته الى ما رسم لنفسه بعد يقظته من مثال أعلى هو أن يعيش رسول خير وحكمة وجمال.
وإما ان يغلب عليه الوهن ويستسلم لأسهل الحالين مرة أخرى فإذا هو في كهولته ما قد كان في شبابه. وإذا هو في شيخوخته ما قد كان في كهولته. مفقودة العزم، لن تصل بها الحياة الى مثال أعلى ولا مثال أدنى، وإنما تصل بها الى القبر، لا أقل ولا أكثر.
ترى أي الرجلين، تكن.. يكن.. أكون..

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved