عزيزي الفاضل الأستاذ عبدالله بن بخيت.. أسعده الله
سلام عليكم ورحمة من الله وبركاته..
قرأت مقالتك المنشورة يوم الاثنين 10/11/1423هـ بعنوان «الجمعيات الخيرية» التي انبثقت منها رماح التساؤلات عن كثرة الجمعيات الخيرية في بلادنا التي من المفترض ان يكون الدخل الفردي فيها مرتفعا؟! والاغرب ان معظم الاعانات تذهب الى الخارج؟! وتذكرت عند التساؤل الاول مثلا او مقولة يقول «كثرتها وقلة بركتها» وبعد التساؤل الثاني «النخلة العوجاء بطاطها في غير حوضها» وما انعكس عن هذا التفعيل المقلوب من تراكم معاناة الفقراء الذي لا يعرفون مواقع الجمعيات الخيرية التي تفتح ابوابها منتظرة ذوي المسألة للتقديم عليها والنظر في مسألتهم على ضوء شروط الجمعية، أي أن الجمعيات، او معظمها - كالظمآن - لا تذهب الى الفقراء في بيوتهم للتعرف على احوالهم، ودراسة اوضاعهم لتقديم الاعانات للأسر الفقيرة حقا من «الذين لا يسألون الناس الحافا».
وأعتقد ان افضل من يستطيع تناول معاناة الفقراء هو من عانى قسوة الفقر واصطلى بنار معاناته فتمكن من التعبير عنها بشفافية تحتاج اليها كثيرا في دراسة الاسباب والوسائل ومحاولة الوصول الى عمق المشكلة للتمكن من علاجها، وقد عانيت قبلك - يا أخي عبدالله - من تناول معاناة الجمعيات الخيرية، ومعاناة المجتمع من عدم جدواها في رفع معاناة الفقراء، ووجهت الانتقاد واللوم، ثم تناولت اخيرا معاناة الفقر المتمثل في تقصير «الضمان الاجتماعي» عن دوره الامثل في رعاية الفقراء والمحتاجين من الارامل والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، وتغطية نفقاتهم الضرورية، ولكن مقالتي المرسلة الى «جريدة الجزيرة» لم تنشر لانها لم تفسح ربما من الرقيب للصراحة والشفافية التي تلامس المعاناة وتيسر الوصول الى الهدف والتي تمثلت في الآتي:
1- المطالبة بعمل مسح ميداني شامل لحالات الفقراء والمحتاجين للتمكن من تقديم الاعانة لهم، ومحاولة اغنيائهم، ورفع المعاناة عنهم حسب درجات حاجتهم.
2- التنسيق بين الضمان الاجتماعي والصندوق العقاري في ايجاد صيغة مناسبة لاستفادة «الفقراء الذين لم يستفيدوا من الصندوق لبناء مساكن» وتغطية دور الضمان الاجتماعي في ايجاد او توفير هذا السكن بتوفير الارض الذي يشترط الصندوق توفرها لمنح القرض، فالفقراء هم الذين لا يستطيعون تملك «قطعة ارض» يقيمون سكنا عليها لذلك لم يستفيدوا من الصندوق العقاري.
3- التنسيق بين الضمان الاجتماعي ووزارة الاسكان لتوفير الاسكان المناسب لفئات الفقراء «مع ملاحظة توقف انشاءات الاسكان الشعبي منذ اكثر من خمسة عشر عاما» برغم حاجة هذه الفئات اليها.
4- إعادة النظر في الحد الادنى للمعاش التقاعدي، واعادة النظر في تقديم الضمان لمن لا يكفي معاشه.
5- ان لكل مواطن حقا في الضمان الاجتماعي بمثابة حقه في «بيت المال».
وذلك ماهو معمول به في عدد من دول الخليج العربي، والدول المتقدمة علما ان عمر الضمان الاجتماعي في بريطانيا اكثر من مئتي عام وفي امريكا اكثر من مئة عام وتستفيد منه شرائح كثيرة من المجتمع يحقق لهم الاكتفاء، ويؤكد الانتماء.
كما طالبت في تلك المقالة بأن يقوم «مجلس الشورى» بدراسة وضع الضمان الاجتماعي، واعادة النظر في وضعه الحالي، واشرت الى فشلي في العثور على «مراجع معتمدة عن الضمان الاجتماعي» بينما نجد في المكتبات مراجع اختصاصية شاملة عن الضمان توضح شروط الضمان ومبرراته ومن يمكن ان يستفيد منه، ولعلنا اذا التفتنا الى «مصلحة الزكاة والدخل» لابد ان ينبثق التساؤل عن مدى التنسيق بينها وبين «الضمان الاجتماعي.. بين المصادر والمصارف لضمان وصول هذه الاموال الى ذوي الحاجة الفعليين، ومدى عناية الضمان والرعاية الاجتماعية بتفعيل دورها في تغطية هذا الهم الذي يشغل هواجس المواطن الذي تؤرقه معاناة الفقراء والارامل والايتام والمعوقين وذوي الاحتياجات الاخرى من الحالات النفسية والاجتماعية التي لابد ان تشملها الدراسة والمسح والتفكير الجاد في استئصال المشكلة «المعاناة» من جذورها باغناء شرائح لافادة شرائح اخرى وهكذا.
وتساءلت ولا زلت اتساءل : اذا رخصنا للجمعيات الخيرية هل نتخلى عن دورنا «الواجب» تجاه هذه الفئات؟ ومن يستطيع ان يضبط ايقاع وعمل هذه الجمعيات نظرا للتفاوت في نتائج اعمالها - مثلا -.
هنالك جمعيات خيرية تعنى بوضع «قوائم للمستحقين» لصرف اعانات «سنوية محدودة» دون معالجة سبب المعاناة - مثلا من يستأجر سكنا لماذا لا يوفر له سكن وتحل مشكلته؟
وهنالك جمعيات تقوم بعمل مسح ميداني لشرائح من الفقراء والاسر لتغطية نفقاتهم «شهريا» بعد التأكد من حاجتهم الفعلية.
وهنالك جمعيات ليست في الرياض قامت وتقوم ببناء مساكن لذوي الحاجات ومن ليس لديهم من يقوم برعايتهم لاستقطابهم ورعايتهم.وهنالك جمعيات تتجاوز اعمالها المساعدات الخيرية «المادية والعينية، الى اقامة دورات تدريبية وتأهيلية وتعليمية وتربوية» مثل جمعية النهضة، وجميعة الوفاء، ومؤسسة الملك فيصل الخيرية.. ويمكن الاستفادة من تجربتها لتأهيل الفئات التي لا تستطيع تأهيل نفسها لتجاوز معاناتها وافادة المجتمع.
لذلك أؤيد اقتراحك الاثير - يا استاذ عبدالله - بتوحيد مظلة ادارة الجمعيات في المرجعية والمسؤولية لان «وزارة العمل والشؤون الاجتماعية» لديها من المشاغل والاعباء ما قد لا تتمكن بسببه من متابعة اعمال الجمعيات الخيرية بدقة ومرونة ممتزجين.
وأود ان أؤكد هنا ان هنالك واجبات تضطلع بها الدولة الاسلامية - أي دولة - تجاه افراد وشرائح من المجتمع لا يمكن ان يسند الى مؤسسات او جمعيات أخرى من أهمها:
أ - رعاية الأيتام.
ب - رعاية المعوقين وتأهيلهم واعادة تأهيل من تعرض لاعاقة.
ج - رعاية الارامل والمسنين الذين ليس لهم من يرعاهم.
د - رعاية المرضى النفسيين، والعجزة الذين ليس لهم من يرعاهم او لا يستطيع ان يرعاهم.
هـ - العاطلون، ومساعدتهم في ايجاد العمل لهم، وتأهيل من ليس لديه مؤهل.
الى آخر القائمة من المسؤوليات التي لا يمكن التخلي عنها حتى لو تم الترخيص لجمعيات خيرية يمكن ان تساند عمل الدولة في العمل الخيري، ولعل من اوليات الاهتمامات في الارتقاء بأعمال الخير هو التركيز على «الدراسات الاختصاصية الميدانية» للوصول الى الاهداف النبلى، والاستفادة من التجارب الناجحة للدول المتقدمة، والدول الحديثة في هذا المضمار.
وأقرب مثال يمكن الافادة منه «دولة الامارات العربية» التي وضعت نظاما ضمانيا مدروسا، وبدائل اخرى لمصلحة المواطن تصب في جداول الوطن، امنه واستقراره، وارتقائه.
اكرر شكري لك - ايها العزيز - سائلا الله ان يمنحك طاقات من التوفيق والابداع في تناول الهم الانساني بأسلوبك الواعي وشفافيتك النابضة، وعلمك المتمكن.ولك أزكى تحياتي..
عبدالله سالم الحميد
|