Monday 20th January,2003 11071العدد الأثنين 17 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

على ضوء صراحة سمو الأمير نايف على ضوء صراحة سمو الأمير نايف
الأمن والإعلام.. مواجهة الحقائق وبداية البناء
د.محمد أبوبكر حميد

في الاجتماع المشترك لوزراء الداخلية والإعلام العرب لفت نظري في كلمة سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز وضعه النقاط على الحروف بصراحة وإيجاز فيما يخص العلاقة بين الأمن والإعلام في العالم العربي، ووقوفه بشجاعته المعهود أمام الواقع العربي وسبل إصلاحه حين قال: «إذا كنا نطلب اليوم دعم الإعلام للأمن فلابد ان نقدم دعم الأمن للإعلام أولاً لأن الإعلام لايعيش بدون حرية فهي الرئة التي يتنفس بها والحرية لا تعيش بدون أمن وقانون فالأمن يحميها والقانون يرعاها ويصونها».
كلمة موجزة معبرة وصادقة تمس كبد الحقيقة دون مداراة أو مواربة «دعم الأمن للإعلام أولاً لأن الإعلام لايعيش بدون حرية» وبهذه العبارة اختصر سمو الأمير نايف مشكلة الأمن والإعلام العلاقة بينهما في عالمنا العربي خلال العقود الماضية كلها.
وعدّد سمو الأمير نايف بروح نقدية مخلصة سلبيات هذه العلاقة بين الأمن والإعلام، وآثار غياب «الإعلام الأمني» من جهة و«الأمن الإعلامي» من جهة أخرى حين قال:
«إن لوسائل إعلامنا العربي دوراً في ابتعاد بعضنا عن بعض رغم ما تملكه دولنا وشعوبنا من عناصر القوة وأسباب التضامن وإمكانات التعاون.. كما ان لوسائل إعلامنا دوراً في غياب حضورنا على أكثر من ساحة وتغييب منجزاتنا عن أعين الآخرين وإدراكهم رغم تفاعلنا منذ القدم مع الحضارات الإنسانية والإسهام في بنائها كما ان لإعلامنا العربي دوراً أيضاً في ترك الساحة متاحة للقوى المعادية لأمتنا لكي تهيمن وتسيطر وتشوه صورتنا وتعمل على تبديل قناعات شعوبنا».
نقد بناء هادف دون فلسفة أو تفعيل أو تعقيد لو درسه الإعلاميون العرب دراسة من يريد العمل به لوجدوه لا يخرج عن نقاط ثلاث أساسية إذا استمرت يصيب فيها الإعلام عقل الأمة في مقتل -لاسمح الله- وهي حسب الترتيب الذي وردت به في كلمة سمو الأمير نايف:
أولها: دور الإعلام العربي في تمزيق الصف العربي وإشعال نار التباعد بين الشعوب أو الحكومات.
ثانيها: تقصير الإعلام العربي في تمثيل الأمة العربية تمثيلا حقيقياً وإيجابياً في الخارج وتغييب المنجزات عن أعين الآخرين.
ثالثها: عدم مواجهة الغزو الإعلامي الوافد وترك الساحة له يشوه الحقائق ويؤثر في العقول.
لهذا أتمنى ان يكون المؤتمر المشترك بين وزراء الداخلية والإعلام العرب بداية لحوار صادق بناء بين الإعلاميين والأمنيين يشترك فيه المفكرون والمثقفون لمناقشة العلاقة بين هذين القطبين المهمين «الأمن والإعلام» في هذه المرحلة الحرجة والخطرة التي تمر بها أمتنا.
أتمنى ان يكون المؤتمر بداية لا نهاية لوقفة طويلة أمام مسألتي أو مصطلحي «الإعلام الأمني» و«الأمن الإعلامي» بعد ان طال غيابهما عن الساحة العربية على مستوى التعامل مع العالم الخارجي والعلاقات الدولية وقنوات الاتصال بالآخر.
انشغل الإعلام العربي والأمن العربي خلال العقود الماضية بالتعامل مع القضايا الداخلية حتى تشكلت لدى المواطن العربي فكرة سلبية عنهما، فقد فيها الإعلام المصداقية أمام المواطن العربي الذي لم يعد يأبه بما يقال أو يكتب حتى شاع بين الناس مصطلح «كلام جرايد» و«كلام إذاعات» الذي يحمل معنى أنه كذب لايصدق، وفي الوقت نفسه الذي حدث فيه «الانفصام» بين المواطن العربي وأجهزة إعلامه حدثت «العداوة» بين المواطن العربي وأجهزة أمنه حين تحولت أجهزة الأمن في بعض البلاد العربية وفي مراحل معينة من تاريخها إلى أدوات للقمع والتسلط والايذاء بعيداً عن مجرى القانون والعدالة.
وكانت هزيمة 1967م الماحقة المحصلة الحقيقية لهذه العلاقة بين المواطن العربي والأمن والإعلام بعدما بلغت ذروتها.
والحقيقة ان هذه الهزيمة لم تكن لمصر وحدها وكانت للعرب جميعاً ولم تكن هزيمة عسكرية فحسب بل كانت هزيمة إعلامية وأمنية في المقام الأول تركت آثاراً نفسية لم يسهل محوها حتى بعد ان أزيلت آثار العدوان وعوضت الخسارة العسكرية وأعتقد ان آثار هذه الهزيمة النفسية على الأمن والإعلام لاتزال بحاجة إلى دراسة الدارسين.
فقد اتجه المواطن العربي بعد ذلك إلى الاتكاء على الإعلام الغربي، وأصبحت إذاعة لندن المرجع الأساسي وربما الوحيد في تلك المرحلة من مراحل التاريخ الحديث لتلقي الأخبار الصحيحة أو التي كان المواطن العربي يعتقد انها أصح وأصدق من وسائل إعلامه التي خدع فيها.
أما من الناحية الأمنية فقد استحكم العداء رجل الأمن والمواطن حتى رسخ في أذهان كثير من الناس ان رجل الأمن عدو للمواطن يترصده ويبحث عن أخطائه ابتداء من مخالفة المرور إلى المخالفة السياسية، وعجز الإعلام العربي عن رأب الصدع في هذه العلاقة على الرغم من شعار «الشرطة في خدمة الشعب» الذي كان يرفع في كثير من المرافق في البلاد العربية إلا ان المواطن العربي نظر إلى هذا الشعار نظرته لغيره من الشعارات التي ترفع مثل العدالة والحرية والقانون وغيرها دون ان يكون لها مفعول على مستوى التطبيقي العملي والممارسة الفعلية على أرض الواقع.
ولعل هذا الوقت العصيب الذي تمر به الأمة العربية والإسلامية معاً وهي تخترق من عدوها إعلامياً وتستهدف عسكرياً وأمنياً.
هذا الوقت هو الوقت المناسب لفتح ملف العلاقة بين الأمن والإعلام، ففي هذا العصر الذي لم يعد المواطن العربي يتلقى اخباره من «إذاعة لندن» وحدها بل انفتح على العالم كله الذي أصبح بالفعل قرية واحدة، ودخل العرب في عصر الفضائيات، وأصبحت المصداقية محك النجاح فإن لم تكن فالبدائل جائزة لأن مصادر التلقي الإعلامي تعد بالمئات، ولم يعد بالإمكان السيطرة على الإعلام لأن السيطرة عليه معناها عزله عن العالم وعزله عن جمهوره ومن ثم إخفاقه وهو في طريقه لمواجهة التحديات الكبرى التي تتعرض لها الأمة. لهذا قال سمو الأمير نايف - وهو رجل أمن وإعلام معاً- في اللقاء الصحفي الذي انعقد على هامش المؤتمر «ان الإعلام هو الفاعل الآن في كل العالم، وعلى الإعلام العربي ان يتحمل مسؤولياته في درء الخطر وتبيان الحقائق في الداخل والدفاع عن الأمة في الخارج واختراق الحصار المفروض على الصوت العربي حتى يصل إلى مسامع الجميع في كل العالم».
صدق...
ولو تحقق هذا لما استمر الإعلام الغربي في تشويه صورتنا أمام شعوبه ولما استمر الأمن الغربي يطارد أولادنا دون دليل من نظام أو قانون.
ان كلمة الأمير نايف لا تنطبق على الأوضاع في العالم العربي وحسب بل نجدها اليوم أكثر انطباقاً على أوضاع الأمن والإعلام في أمريكا وأوروبا إزاء مايتعرض له كثير من الأبرياء من أولادنا هناك من اجراءات الأمن وتعامل الإعلام.
لقد كشفت أحداث 11 سبتمبر حقيقة الحرية والعدالة والديمقراطية هناك. صحيح كما قال الأمير نايف «الإعلام لايعيش بدون حرية» لكن يجب ان نتذكر قوله أيضاً:
«الحرية لاتعيش بدون أمن وقانون، فالأمن يحميها والقانون يرعاها ويصونها»
فهل يفهمون؟!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved