المدن الريفية تتميز بأنها جمعت بين أفضل خصائص المدن الكبيرة الصاخبة وبين أفضل خصائص الصحراء والبادية الهادئة. وهكذا تتميز محافظة الشماسية.
وسأحكي عن تجربتي حيث ولدت أمضيت سنيّ الطفولة إلى نهاية المرحلة الابتدائية بالشماسية.
فإن (الشماسية) وخلافها من المدن الريفية جمعت بين خصائص المدن من حيث توفر الخدمات، كالمدارس بجميع مراحلها والخدمات القضائية والأمنية والبلدية والصحية والزراعية والاتصالات والمياه والبريد، ومشاريع التنمية الأخرى والهيئات الخيرية وغيرها التي عمّت هذه البلاد المباركة (المملكة العربية السعودية) حرسها الله ووفق ولاتها لكل خير. وبين خصائص الصحراء والبادية من حيث المنتجات البحرية، والزراعة والهدوء وسهولة التنقل وصفاء البيئة وسلامة الفطرة.
ولعله من المفيد في هذه المقالة الموجزة أن أركز على بعض الذكريات المفيدة التي لاتزال عالقة في ذهني عن تلك الحقبة التي عشتها في الشماسية إلى أن نزحت للدراسة المتوسطة بمعهد بريدة العلمي سنة 1384هـ:
1- كانت المرجعية الشرعية متأصلة في الناس، وكانوا يسألون عن كل شيء في أمر دينهم - الرجال والنساء. وكان المرجع الأول آنذاك هو الشيخ: إبراهيم بن ضيف الله اليوسف (رحمه الله) فهو المفتي والمستشار ورجل الإصلاح، لا سيما الأمور الأسرية والعائلية. وكان الناس كلما حزبهم أمر في دينهم عاماً أو خاصاً رجعوا إليه وكانت فتواه ورأيه هي الفصل ويقبله الجميع برضى وكانت النساء يسألنه بالواسطة أو بالسؤال المباشر (من وراء حجاب). ولذا فإني بهذه المناسبة أقترح على معالي وزير الشؤون الإسلامية إحياء هذا النموذج بطريقة تتناسب مع معطيات العصر لا سيما في المدن الصغيرة والأرياف والبادية).
2- وكان أمير الشماسية آنذاك - علي بن فيصل الفوزان (رحمه الله) وقد اشتهر بالحزم والجدية والعدل في حل المشكلات. وكان كثيراً ما يحرص على الصلح ويوفق إليه، ويذكر أنه كان على خلق كريم، ومعروفاً بالنزاهة والاستقامة والورع. ولذا كانت له هيبة وتوقير بين الناس.
3- كان للأعيان - وهم أهل الرأي والمشورة والزعامة - دور إيجابي وكبير في تسيير شؤون المحافظة (الشماسية) ولهم إسهام كبير في تكوين هيئة اجتماعية تلقائية ذات احترام وهيبة، لحل المشكلات والمطالبات العامة أو الدفاع عنها. وكان (أعيان الجماعة) قوة اعتبارية مساندة للأمير والقاضي وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،و كافةالدوائر والمسؤولين.
فهم أشبه بمجلس المحافظة (وبهذه المناسبة يسعدني أن أشيد بما يحرص عليه أمير منطقة القصيم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز ونائبه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز في تفعيل مجالس المحافظات.
4- ويجب أن لا أنسى ما كان لرجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكنا نسمِّيهم (النوَّاب) وهم جديرون بهذه التسمية - لما كان لهم من أثر إيجابي لإسهامهم في الحفاظ على أمن البلد ودينه وأخلاقه، وكانت لهم - عندنا نحن الصغار آنذاك - هيبة عجيبة لها أثر إيجابي ومشكور في اختفاء مظاهر الفسق والانحراف في المجتمع وينطبق عليهم قول عثمان رضي الله عنه (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).
وأشهد شهادة أدين بها لله أنهم كانوا رجال الأمن بحق وحماة العقيدة بحق وحراس الفضيلة بحق مع ما يعتريهم كسائر البشر من تقصير وتجاوزات أحياناً ونحو ذلك مما هو قليل ويكاد لا يُذكر في بحار إيجابياتهم وجهودهم المشكورة.
وهناك من الذكريات المفيدة عن الحياة الأولى بالشماسية الكثير مما يضيق هذا المقام عن استيعابها.
ويسعدني أولاً أن أعبِّر عن سعادتي بإقامة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر آل سعود (مضيفاً لا ضيفاً) في محافظة الشماسية وبتكرمه بافتتاح ودعم المشاريع الخيرية والتنموية فيها. جزاه الله خيراً وسدد خطاه في سبيل الخير ووفقه لما يحبه ويرضاه.
(*)أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|