* القاهرة مكتب الجزيرة عمرو شوقي:
أشارت دراسة اسرائيلية جديدة وضعها البروفيسور مناحم بن يهودا الأستاذ في الجامعة العبرية بالقدس في الثاني من شهر يناير الحالي 2003م أن ما يجري الآن في اسرائيل منذ اندلاع الانتافضة والتعامل السيء للاسرائيليين مع الفلسطينيين يعتبر دليلاً على تفشي العنصرية والصهيونية في المجتمع الاسرائيلي وهو ما بدا ملاحظاً هذا العام بقوة فلا يمكن تجاهل العنصرية الاسرائيلية المتفشية بقوة وما زالت مستمرة بصورة تؤكد أن الصهيونية ما زالت تسيطر على عقول الاسرائيليين وأفكارهم وان الاسرائيليين ما زالوا يؤمنون بمبادئها العنصرية القبيحة.
وأشار ابن يهودا في بداية الدراسة: لان السلوك الاسرائيلي على الصعيد الإقليمي وعلى الصعيد الداخلي مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة اعتبر استمراراً منطقياً للسلوك المتعصب والفاشي الذي ساد كافة الأجواء بها منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في سبتمبر عام 2000م وهو ما اعتبره زمن الانفلات الاسرائيلي والعجز العربي .. موضحاً انه صحيح انه لم يكن هناك جديد من حيث استمرار جرائم الحرب والتنكيل والقتل، لكن الجديد والملاحظ الآن هو الإصرار الاسرائيلي على الغلو والتطرف القومي والعنصرية المعلنة بل والمبررة بموازاة إشهار الأبرتهايد «التفرقة العنصرية» ليس فقط في الأراضي المحتلة وإنما وبالأساس البدء بتطبيقه داخل اسرائيل ليس فقط بصورة مادية وملموسة «فصل وتمييز عنصري في الميزانيات والموارد» وإنما وبالأساس العمل علنا على بناء ديمقراطية عنصرية خاصة باليهود مع اعتماد القبول بالفكر الصهيوني أساساً لدخول اللعبة الاسرائيلية لغير اليهود.
ويضيف أن الكثيرين من الخبراء أكدوا أن اسرائيل الآن تسير في طريق العودة إلى الصهيونية العمالية أو الصهوينية العنصرية التي كان ابن جوريون أول من طبقها بحذافيرها وهو ما يعتبر انكشافا خاصا للسياسة المتطرفة التي ينتهجها المسؤولون وأصحاب القرار على حقيقتها.
العودة إلى الذات الصهيونية
ويسوق ابن يهودا عددا من الأمثلة من أجل إثبات صحة وجهة نظره منها قيام رئيس الوزراء الاسرائيلي أرئيل صهيونية بالاعتماد على الصهيونية العمالية، التي تقوم على القتل والتشريد ليس فقط للفلسطينيين ولكن لكل من هو عربي ودفع اليهود للقيام بعمليات التطهير العرقي في العديد من البلدان سواء داخل أو خارج اسرائيل مثل اللد والرملة ويالو وعمواس، والمزيد من المذابح استمراراً لمذابح قبية وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا وكفر قانا.وظهر شارون وكل من معه من مسؤولين ومساعدين في حكومته المتطرفة وكأنهم يحكمون دولة عماها التطرف القومي، وسادتها العنصرية الفاشية إلى دروب ويقودها إلى ارتكاب جرائم فظيعة ضد الإنسانية تغطيها نفس العبارات والمفردات البلاغية الصهيونية التي امتازت بها الصهيونية العمالية، وأصبح قتل الأبرياء وطرد من نجوا من المذابح التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي من منازلهم واضطهادهم وتحميلهم المسؤولية عن كونهم ضحايا لأنهم لم يتركوا للصهيونية من مفر سوى قتلهم وأولادهم وتشريدهم بعد هدم بيوتهم هو هدف وطني وقومي يسعى إليه كل اسرائيلي.
ويؤكد بن يهودا ان شارون أعاد اسرائيل إلى ذاتها الصهيونية فلم يكتف بالاحتلال والقتل والتنكيل والتشريد، وإنما قام بالمناداة بالفصل العنصري وبناء سور فاصل بين المناطق الفلسطينية واسرائيل وهو السور الذي يحشر الفلسطينيين في بؤر صغيرة غير آدمية على الإطلاق هو ما تم بالفعل مع استكمال بناء جزء كبير من هذا السور الذي حول الضفة الغربية وغزة إلى حي كبير معزول عن العالم.
ويشبه ابن يهودا ما يقوم به شارون بانه مثل السياسة العنصرية السابقة لجنوب افريقيا إبان حكومة فريدريك ديكليرك حيث كانت حكومته قد قامت بحشر ملايين العمال السود الأفارقة في حي سويتو القريب من العاصمة جوهانسبورج ولم تسمح لهم بمغادرة هذا الحي بعد ساعات العمل، لكن اسرائيل وهي التي فاقت عنصريتها عنصرية جنوب افريقيا حشرت الفلسطينيين في حي كبير بعد أن حرمتهم حتى من حق العمل وتحولت قرى ومدن الضفة الغربية إلى معسكرات حشر الفلسطينيون داخلها وفرض عليهم الجوع والذل والإغلاق لتسهيل حملات القتل والبطش والهدم بضمان وجود الضحايا كل في حيه المحدد، وحتى لا تكون هناك حاجة لانتظار عودتهم من منازل ومدن السيد الأبيض لقتلهم.
تقنين العنصرية
وينتقل ابن يهودا بعد ذلك إلى ما أسماه بتقنين العنصرية وتشريعها في رحلة العودة إلى الصهيونية العمالية حيث قضت العنصرية الاسرائيلية على فتات الحقوق التي تمكنت الجماهير العربية داخل اسرائيل أو خارجها من تحصيلها في رحلتها للبقاء والصمود . وكانت مخصصات الأطفال العرب من داخل اسرائيل أول هذه الفتات التي أكلتها اسرائيل لمواجهة اقتصادها المتدهور بعد أن أكل وحش الاحتلال دعائم اقتصادها ولم تجد اسرائيل بيسارها ويمينها من مؤن تقتات عليها سوى مخصصات الأطفال العرب، بعد أن تذكرت وهي في مرحلة البحث عن الجذور والعودة إلى الذات أنها سبق لها وأن حرمت هؤلاء الأطفال وعلى مدار عشرات السنين من حقوقهم لأن آباءهم لم يخدموا في الجيش. وكانت هذه الإلتفاتة إلى الماضي المحطة الأولى في طريق انطلاق مركبة التشريع العنصري لمواجهة التناقض الجذري بين صهيونية الدولة وديمقراطيتها الهشة.
انطلقت مركبة التشريع العنصري لضمان سيطرة اسرائيل على ما يحدث فتوالت القوانين العنصرية التي تمنع العرب من دخول الكنيست ما لم يقروا بمبادئ الصهيونية، وما لم يتنازلوا عن حقهم في رفض الاحتلال ومناهضته وفضح جرائمه، وما لم يقبلوا برؤيا السيد شارون بحدود ملعبهم ونوع الألعاب التي يحق لهم ممارستها في ملعب الديمقراطية الاسرائيلية. وتبعتها القوانين التي تمنع أبناء الأسرة الواحدة من اللقاء إلا بإذن من السلطات، وأخرى أرادت أن تحدد للاسرائيليين أي بلاد هي بلاد الأصدقاء وأيها بلاد العدو أصبح الاسرائيليين أشخاصا غير مرغوب في تواجدهم في كافة وأغلب دول العالم.
بلغت قوننة العنصرية أوجها في تشريع القوانين التي تمنع العرب ما لم يقبلوا بصهيونية الدولة وهذه هي الترجمة الحقيقية الوحيدة للدولة اليهودية التي لا تقبل إلا اليهود.
إشهار الأبرتهايد ومؤسساته
ويوضح ابن يهودا: لأن فترة حكم شارون اتسمت بإشهار الأبرتهايد في الأراضي المحتلة وأصبح هناك فرصة للحديث عن الفصل أحادي الجانب ومباشرة بناء أسوار العزل عن الفلسطينيين وتنافست الأحزاب الاسرائيلية في تصريحاتها العنصرية، ولم يعد الحديث عن هذا الأبرتهايد عيباً أو حراماً بل أصبح مهمة وطنية تتنافس في السعي إلى القيام بها ووسيلة لكسب ثقة الناخب الاسرائيلي ولم يعد هناك فرق بين اليسار واليمين الاسرائيلي بكل التصريحات العنصرية التي يرددها زعماؤه.
ويزعم ابن يهودا ان مواقف زعيم حزب العمل الجديد عميرم متسناع لا تختلف عن مواقف أرييل شارون بصورة جذرية أو كبيرة وأصبح اليمين هو المسيطر على كل دروب الحية السياسية الاسرائيلية.
لكن أخطر ما تشهده اسرائيل حاليا ليس إشهار الأبرتهايد القائم في الأراضي المحتلة منذ سنين طويلة وإنما بدء بنظام من الفصل العنصري السياسي داخل اسرائيل. فالترانسفير السياسي الذي تسعى إليه المؤسسة السياسية والعسكرية الاسرائيلية لا يتمثل بشطب القوائم العربية كلها أو بعض المرشحين وإنما بالأساس خلق وتسويق حركات عربية تواصل البقاء على أرض الملعب الاسرائيلي لتبرر منع اللاعبين الأصليين من دخول أرض الملعب.
فقد وجدت اسرائيل واقتنعت يوماً بعد يوم أن نظامها العنصري لا يمكن له أن يستوعب أحزاباً وحركات عربية أصيلة ترفض اللعب وفق المبادئ الاسرائيلية وتصر على وضع أجندة وطنية ومنهج لها مثل عضو الكنيست العربي عزمي بشارة والذي اكتشفت اسرائيل يوماً بعد يوم انه وحزبه التجمع الوطني لا يمكن القضاء عليهم بسهولة فسعت إلى محاربتهما عبر المحاكمة السياسية ولما افتضح أمر الأهداف السياسية وتبين لها ضعف القرائن والأسس القانونية والدستورية تحولت إلى التشريع العنصري زاعمة أن بشارة يقوم بسياسات تضر بالتعاون اليهودي العربي، ويدعو إلى الانغلاق القومي، ويؤد النظام السوري ومنظمة حزب الله وهو اتهام خطير لم يثبت حتى الآن رغم المزاعم التي تردد ذلك.
بالإضافة لمحاولة إسكات صحيفة صوت الحق والحرية لسان حال الحركة الإسلامية، ومنع زعيمها رائد صلاح من مغادرة البلاد، وصف العرب بالإرهابيين والخونة.
ويختتم بن يهودا دراسته بالتأكيد على مدى خطورة سياسة أرييل شارون والذي سيضر بمستقبل العرب بها ويعيدها إلى أيام العنصرية الصهيونية المتطرفة التي ستكون بالتأكيد عاملا سيئا ضد اسرائيل ولن يصب في مصلحتها في النهاية.
|