قبل ما يزيد على عقد مضى من الزمان أعطى صدام حسين -عندما واجه هزيمة وشيكة على يد القوات الغربية- الأوامر لإطلاق كارثة بيئية قامت القوات العراقية مع انسحابها بإشعال النيران في نحو 600 بئر بترول على امتداد الكويت وإراقة4 ملايين برميل من النفط في الخليج يستطيع صدام اليوم أن يتعمد خلق كارثة أخرى عند وقوع هجوم عليه.
تتوفر لدى العراق احتياطيات نفطية هائلة من المحتمل أن يقوم النظام بمهاجمة القوات الغازية بطرق تضاعف من الخسائر المترتبة وأن يجعل الاحتلال عملا أكثر صعوبة وتكلفة.
يتعين على مخططي السياسة وهم يناقشون الترتيبات السياسية للعراق ما بعد الحرب أن يكونوا مستعدين لدمار بيئي محتمل ومن المرجح أن يؤدي الدمار البيئي إلى إطالة أمد المعاناة الإنسانية الناتجة عن أي قتال.
تتمتع منطقة الخليج بشكل عام والعراق على وجه الخصوص بنظام بيئي هش وماينظر إليه الكثيرون باعتبارها أزمة قصيرة الأمد نتجت بعد تحرير الكويت كان في واقع الأمر ضربة قاصمة لم تستفق منها بعد المنطقة أو شعوبها.
تسببت القوات العراقية إلى حد كبير في خلق الأزمة البيئية الراهنة التي تواجه منطقة الخليج بعد الحرب إن النفط الذي أراقته القوات العراقية في الخليج لم يؤد فقط إلى تلويث الشواطىء بالغاز وقتل أكثر من 25000 طائر إذ يتوقع العلماء ألا يزول الضرر الذي حاق بالثروة السمكية في المنطقة قبل مرور180 عاما على الأقل.
جرى سكب نحو 6 ملايين برميل من النفط يوميا -ما يقارب من 10 في المائة من الإنتاج اليومي العالمي من النفط في ذلك العام- في الفضاء من آبار محترقة.
شكل النفط أحواض ضخمة في المنخفضات غطت الأراضي الزراعية الخصبة تحتوي إحدى البحيرات النفطية في جنوب الكويت على كميات من النفط تعادل ما تسرب من الناقلة «إكسون فالديز».
لقد سقطت الأمطار النفطية والسخامية والكبريتية والحمضية على أراض زراعية تبعد 2000 كيلومتر من حرائق النفط وقد أصابت الحقول بالبوار وأدت إلى نقص غذائي مازال قائما إلى اليوم أطلقت الحرائق نحو نصف بليون طن من ثاني أكسيد الكربون.
إن ما لم يحترق من النفط في الآبار المشتعلة حملته الرياح بعيدا في شكل قطيرات لا يكاد يمكن رؤيتها كانت النتيجة سديما نفطيا أصاب الأشجار والنعاج بالتسمم وإمدادات المياه بالتلوث وتسلل إلى رئات الناس والحيوانات أيضا على امتداد منطقة الخليج.
إذا قررت الولايات المتحدة وحلفاؤها المضي لحرب ضد العراق فيمكن لاؤلئك الذين يتولون زمام الأمور أن يكونوا مستعدين للنتائج البيئية الأكثر توقعا.
يتعين عليهم أن يكونوا مسلحين بخطة لتقليل الأضرار عند بدء الصراع يعني هذا الأمر أن تتوفر لديهم أفضل الوسائل لإخماد حرائق النفط وإحتواء إراقته على نطاق واسع وأن يكونوا مستعدين أيضا لإصلاح الدمار الذي سيلحق بالبنى التحتية للبلاد ولاسيما قنوات المياه.
يتمتع نظام صدام بسجل بيئي سيىء من عام 1973 وحتى عام 2000 جرى تدمير مايزيد على 85 في المائة أو 8000 كيلومتر مربع من أهوار بلاد ما بين النهرين، مصدر العراق الرئيسي للمياه العذبة في ما تصفه الأمم المتحدة بكونه أحد أسوأ الكوارث من صنع الإنسان.
متى قام تحالف تقوده الولايات المتحدة بإسقاط نظام صدام يتعين أن تتوفر لدى الحكومة التي ستأتي بعد ذلك المعرفة التقنية الوسائل والرغبة في القيام بدور لحماية البيئة التي سترثها سيتم الربط بين الانتعاش الاقتصادي والانتعاش البيئي إن الاستعداد لكلا الأمرين هو السبيل الوحيد للارتقاء بحياة العراقيين.
في النهاية سوف يعتمد الأمن والاستقرار في العراق أكثر على الأثر بعيد الأمد للحرب ونتائجها على المواطنين مفضلا عن النتيجة العسكرية القصيرة الأمد، سوف تبدو النتائج البيئية للنزاع المسلح كبيرة ولهذا السبب ينبغي لها أن تكون جزءا من الاستراتيجية.
(*) رئيس المعهد العالمي للموارد في واشنطن
(*) عن «انترناشيونال هيرالد تريبيون» - خدمة الجزيرة الصحفية
|