Monday 20th January,2003 11071العدد الأثنين 17 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الرئة الثالثة الرئة الثالثة
ما هي الثقافة ومن هو المثقف ؟!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

كثيرون كتبوا وما زالوا يكتبون عن الثقافة والمثقف، وآخرون مثلُهم طرحُوا وما برحوا يطرحون تعريفاتٍ وتصنيفاتٍ للثقافة والمثقف، ولا أحسب أنهم متّفقُون على شيء، ولذا، يستمر الجدل.. وتَتَعدّد قنواتُه وتتنوّع مصادرُه ومخرجاتُه !.
***
وحين طُلبَ مني مرةً أن أخوض مع الخائضين في هذا المضمار، تعريفا للثقافة والمثقف، تردّدتُ كثيراً، يقيناً مني أنّني لن أضيفَ شيئاً، أو آتي بشيء يوردُ هذا الجدل إلى نهاية مَا، أو يغيّر مسارَه، أو يختصره، وهذا أضعفُ الايمان !
***
واستأذن القارئ الكريمَ في التسلّل على استحياء إلى ساحة هذا الجدل مبتدِئاً بالقول إنّه لا يوجد في ظني المتواضع تعريفُ جامعٌ مانعٌ للثقافة أو المثقف، لكن هناك اجتهادات في التعريف، وما دام الأمر كذلك، فسأجتهدُ مع المجتهدين وأعرّف الثقافة بأنها حصادٌ تراكميٌّ لمنظومة معقّدة من المعارف والقيم والمواقف والآراء وآداب السلوك، وأنماط التفكير والشعور، تَتَفاعل مجتمعةً ومتفرعة في عقل ووجدان امرئٍ ما لتشكّلَ منه مثقفاً !
وانطلاقاً من هذه الرؤية الاجتهادية الأكثر تواضعاً، أستطرد في التعريف فأقول إنّ المثقف هو المحصّلةُ النهائيةُ لتفاعل العناصر الآنفة الذكر مجتمعةً، فهي بمثابة «الصلصال»الذي يتشكل منه وبه المثقف !
***
وبتعبير آخر، المثقف كما أتصوّره أو كما أتمنّاه ليسَ «دائرة معارف» له في كل بحر غوص، وفي كل بستان ثمر، لكنه منظومةٌ من الأفعال والأقوال تعرِّف به ويُعرف بها.
كيف ؟
* المثقف هو ذلك الذي إذا قرأ فَهِم،
* وإذا حدّثَ غيره، أفْهَمَ،
* وإذا حاورَه غيرُه اسْتمع،
* وإذا اختلف مع ذلك الغير أنْصت، ثم مارس الحريةَ المسؤولةَ في الرد عليه، بلا علوّ ولا غلوّ ولا أذى!
* وهو الذي اذا استمر اختلافُه في الرأي مع آخر، لم يحْملْ عليه جَهْراً، أو يحمّله وزْراً أو يضْمرْ له شراً !
***
* باختصار : الثقافةُ سلوكٌ ومعاملة،. والمثقف «فعل» و«فاعل» لذلك !
* وأختم هذا الحديثَ بالقول إن التعايشَ الفكريَّ مع «الآخر»، واحدٌ من أهم مؤشرات النضج الثقافي في أيّ زمان أو مكان، غير أن الوصولَ إلى هذه المرحلة من النضج المؤطِّرِ بثقةٍ لا يهزُّها الاختلافُ، ولا تهزمُها تعدّديةُ الرأي يتطلبُ إصلاحاتٍ أوليةً في بنيتنا التربوية، يتقاسمُها البيتُ والمدرسةُ والجامعة، لا بد أن «ندرب» ناشئتنا على الحوار، أدباً وممارسةً، وأن ننقّي أذهانهم من نزعة «الفحولة» في طرح الرأي والإصرار عليه، وتغيب أو تهميش الرأي الآخر، وتحقيق ذلك لا بد أن يمررّ عبر بوابة التربية، وهو أمر لا يتم بين عشية وضحاها، والكلّ منا يعرف ذلك، والكلّ منا يتمنّاه، ولقد قلت أكثر من مرة وأقول الآن إن الغدَ للتربية، بكل مستوياتها، فهي «توأمُ» الثقافة، والوجهُ الآخر لعُمْلتها، وهي حجرُ الأساس في إعادة بناء خطابنا الفكري والثقافي وتشكيلهُ تشكيلاً حضارياً وإنسانياً نمارس من خلاله حضورنا الدائم والفاعل بين الأنام !

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved