ما كنت لأكتب عن جائزة المدينة المنورة وأنا أحد أعضاء مجلس أمنائها، غير أن ما شهدته في حفلها الأخير دفعني لأكتب عن الفائزين لا عن الجائزة، وإن كان لا بد لي من أن أذكر لصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز رئيس مجلس الأمناء قراره بتحويلها إلى مؤسسة خيرية ذات بُعدٍ حضاري تدار من خلال نظام مؤسسي ينظم أمورها إدارياً ومالياً ويكتب لها البقاء مثل المؤسسات الحضارية التي طاولت التاريخ.
وما استوقفني هم الفائزون بالخدمات الاجتماعية والعامة والاقتصادية، فقد كان هذا الفوز مميزاً ومؤشر خير على أن الاتجاه للخدمات العامة يحظى بمكانة لدى من منحهم الله القدرة العقلية على بذل الجهد أو القدرة المالية على بذل المال.
لقد نال مستودع المدينة المنورة الخيري جائزة الخدمة الاجتماعية عن جدارة وهي جائزة لكل من مد يده معيناً بالمال أو بذل جهده معيناً بالجهد، والجهد لا يقل عن المال، بل هو الذي يسير به إلى مسالك الأمان والاطمئنان، ومستودع المدينة مثال للعمل الخيري الحضاري المنظم، وأرجو أن نرى أمثلة له في كل مناطق بلادنا، فله عدا مركزه الرئيس «6» فروع في المنطقة و«15» نقطة توزيع في القرى، وعدد المتطوعين فيه «400» متطوع ومتطوعة، وشعاره «نأتي للمحتاج ولا يأتي الينا» وحسبكم أنه يقوم بكفالة «18» ألف أسرة، ولا يتسع المقام لأكثر من ذلك، ولكن حسبي أن أحيي الأخيار الذين يقومون عليه، فهم جديرون بهذه الجائزة، وما عند الله خير وأبقى.
أما الفائزان بجائزة المرافق والخدمات العامة فهما عامر اللويحق المطيري وهندي القاضي الجهني، فقد ضربا مثالاً عملياً في الخدمة العامة حين لم ينسيا البلاد التي أقلتهما طفلين وتسلسل عليها أجدادهما قبلهما، وقاما بعدد من المشروعات النافعة عليها، فاللويحق أنشأ طريقاً مزفتاً طوله «50» كم إلى وادي بيضان خدم عدداً من القرى والمزارع وأمن المياه، وأنشأ خزانات وحفر آباراً في تلك القرى، وأمن للمركز الصحي جميع مستلزماته ومفروشاته وسيارة إسعاف وأنشأ جوامع ببعض تلك القرى في محافظة المهد، وأنشأ وبنى مستودعها الخيري وأمن سيارة إسعاف لمستشفاها، وهذا خير ما يبر به مواطن بلاده ويرد جميلاً لأهله، وأما الجهني فأنشأ طريقاً بطول «40» كم لقرية سليلة جهينة وبنى مركزها الصحي وأثثه وكذا مركز خدمات البلدية و«10» غرف مؤثثة للمعهد الفكري وروضة أطفال ومركزاً للشباب، ومسجداً وجامعاً وأسهم في إنشاء مركز التأهيل الاجتماعي في ينبع وتبرع ب 8 سيارات لبعض الإدارات، فكان بذلك مثالاً للمواطن الذي يثبت بالعمل والفعل خدمة بلاده وأهله.
أما المواطن الثالث الذي كرم وهو جدير بذلك فهو عاتق الديحاني المطيري الذي غامر فأنشأ في مهد الذهب مصنع مهد الذهب للمنتجات الفولاذية ومغاسل البخار بجهود ذاتية في منطقة محدودة الإمكانيات، بعيدة عن المراكز التجارية الرئيسة والنمو الحضاري، فأسهم في الإنتاج المحلي ونمَّى منطقته وأتاح فرصاً للعمالة السعودية.
هؤلاء الرجال جديرون بالتكريم، وهم مثال للمواطن الذي قدم ماله وجهده في خدمة بلاده، وحين أكتب عنهم أكتب عن مواطن نموذجي ليكون ممثالاً يحتذى لا لأمدحهم، فأنا لا أعرف أحداً منهم، ولكن أعمالهم خير معرف بيني وبينهم، وآمل أن نرى هذا من المواطنين ليرد كل ثري الجميل لمدينته أو قريته التي أنشأته فينال خيري الدنيا والآخرة.
(*) للتواصل ص.ب 45209
الرياض 11512 الفاكس 4012691
|