إعداد وحوار: إبراهيم بن عبدالرحمن التركي
متابعة: علي بن سعد القحطاني - تصوير - فتحي كالي
(1)
** سيظلُّ «غازي» مختلفاً.. وسنظلُّ بشأنه مختلفين..
* «سفير» سابق.. «ووزير» سابق ولاحق.. و«شاعر» و«ناثر» ثريٌّ ومثيرٌ وحاذق..
***
(2)
** وبين «أحدين».. نقفُ - رغم المسافة - أمام «نصيّن».. «تصدرا».. ولو لم يُسيطرا..!
- «الشهداء» في المواجهة الأولى.. و«محسون» في هذه المواجهة..
** ليسا «الأجمل».. لكنهما - في نظر صاحبكم - «الأصدقُ»:
أيها القوم نحن متنا فهيَّا
نستمع ما يقول فينا الرثاءُ
أأبكيك..؟ لا أبكيك.. أكتمُ في دمي
بكائي.. ويبدو أنني المتجلدُ
***
(3)
** نهاية فرد.. ونهاية أمة.. وفيهما بل في داخل دواخلهما ستجدون «غازياً».. يرثي «الأمة» و«محسوناً».. أو لعله يرثي «نفسَه» فيه وفينا..؟!
***
(4)
** مع «غازي» «النصّين» يتفاعلُ «الحزن».. ويحتلنا «الوجع».. فلا نعود نقرأ إلا «الهمّ».. ولا يؤرقنا مثل «الوهم».. ويقتلنا «الوهن»..
***
(5)
** غازي شخصية العام في «القرين».. لكنه شخصية كل الأعوام في مساحات «الحب» وساحات «الألم»..!
* لا نامت أعينُ الحالمين..
شاعر
* في الوسط الثقافي يتحدثون عن أن غازي الشاعر تاه في زحمة الصفات الأخرى بينما هو عرف و استمر شاعراً، والذين يعرفون غازي شاعراً ويقرؤون دواوينه السابقة يشعرون أن هناك شيئاً من التغير يعني أنه التفت إلى قصائد تميل إلى شعر المناسبات حين تستثيره مناسبة معينة يكتب فيها نصاً معيناً لكن شاعر «معركة بلا راية» توارى قليلاً؟
شعري أو دواويني تمثل مراحل معينة من عمري الذي كتب «أشعار من جزائر اللؤلؤ» كان مراهقاً في السادسة عشرة أو السابعة عشرة ولا أستطيع أن أستنسخه اليوم وأدخل تحت ثيابه لو أردت، والذي كتب «قطرات من ظمأ» كان في بداية العشرينات، والذي كتب «معركة بلا راية» كان في منتصف العشرينات، ولا أستطيع أن أعيش هذه التجارب مرة أخرى ولا أريد حتى لو استطعت، يجب أن تكون لكل مرحلة من مراحل العمر تجاربها الخاصة وأسلوبها الخاص، أما هل هذا أحسن؟ هل هذا الشعر أصدق؟ هل هذا الشعر أنضج؟ أترك هذا للآخرين، وأنا دائماً لا أشكو من النقد وأقول لقد لقيت أكثر مما أستحقه من النقاد.
تيه
* لكن.. لديك أعمال شعرية تاهت في الزحام مثل «سحيم»؟
لدي عملان شعريان أولهما «سحيم» والثاني «الأشج عمر بن عبدالعزيز» وأنا فوجئت أن الاهتمام بالنقد فيهما كان أقل بكثير مما كنت أتوقع للآن، «سحيم» صدرت له طبعة ثانية أي أن القراء على الأقل قرأوا أربعة آلاف أو خمسة آلاف نسخة ولكن لم يهتم أحد من النقاد به، وفي نظري أن هذا عمل يكاد يكون انعطافاً لم أكتب شيئاً يماثله من قبل في الدواوين السابقة، هذه المرحلة تميزت بعملين مطولين شعريين لم تكن نجدهما من قبل ولم أجد حتى الآن اهتماماً نقدياً بهما ولا أعرف ما هو السبب.. ولكني كما ذكرت لك هذه الأمور من الأفضل تركها للنقاد لأنه سوف يكون سخيفاً أن أقول: لا والله ما زال شعري جيداً.
دراسات
* ماذا عن بعض الدراسات النقدية الجامعية التي نشر بعضها مؤخراً؟
- أنا فوجئت بدراسة صدرت ضمن «كتاب الرياض» وهي رسالة ماجستير ضخمة من 400 صفحة وأراها ممتازة جداً ولو أني لا أستطيع أن أثني على عمل عني كما أعترف بصدق أني لا أقرأ ما يكتب عني إذا كان طويلاً ولكن هذا العمل قرأته من أوله لآخره وبصرف النظر عن أحكام الباحث، وجدت فيه مجهوداً جيداً وعملاً منهجياً، أنا لما قرأت البحث هذا فوجئت، ما كنت أعرف كم قصيدة كتبتها من هذا البحر ولا كم قصيدة من ذاك.. ولاعدد قصائد التفعيلة ولا أكثر قافية ترددت في شعري.
صور
* وأن صور المرأة سبع: الجسد، الروح، الوطن..الخ،
هذه الأشياء أتت بشكل عفوي، وأعتقد أن تقييم أي شاعر أو أي كاتب يترك لمن هم أقدر من الكاتب نفسه، وهم النقاد.
مناسبات
* لم تجب دكتور.. عن شعر المناسبات؟
صدقني أنا لا أنزعج، من النقد حتى الكلام الذي قلته:من أن «غازي» لم يعد كما كان وبدأ يكتب شعر مناسبات أو أنه كذا وكذا.. هذا لا يزعجني، وفي النهاية الشعر تجربة شخصية، وكتابة الشعر تجربة شخصية، وتعدد الآراء فيه ظاهرة صحية، دع الناس يقولوا ما يشاؤون، ودع التقييم الموضوعي والمنهجي يأخذ وضعه:
اتجاه
* هل غزارة إنتاجك أو ربما اتجاهك بشكل مكثف للرواية يمكن أن يكونا سبباً للحكم «الحالي» على شعرك؟
كثيراًما أسمع هذا الكلام: لو تفرغت للشعر لكان شعرك أحسن، لو كان الشعر حياتك كلها كان أفضل، لا أدري أنا وجدت نفسي كما هي، لا أستطيع أن أقول: دعني أجرب الآن أن أنقطع للشعر وأرى هل تكون النتيجة أحسن أو أكف عن النثر وتأتي النتيجة أحسن، أعتقد أن كل إنسان يسير حيث تجره موهبته.. إذا كانت له موهبة واحدة سوف يمشي مع الموهبة إذا كان لديه أكثر من موهبة يسير معها على ألا يؤدي ذلك إلى تشتيت في طاقاته.
محسون
* قصيدتك يا دكتور غازي «محسون» كانت قصيدة ثرية ومؤثرة أيضاً وأنا أعرف كثيرين تداولوها رغم أنها لم تنل أصداء نقدية، لكن كانت فعلاً مختلفة هل لأنك كتبتها بطريقة مختلفة أم لأن محسون جلال كان شخصاً مختلفاً؟
عموماً منذ زمن طويل وأنا أسمع أن أحسن قصائدي في الرثاء، ملاحظة سمعتها عدة مرات حتى كان البعض يقول كان شاعر غزل فتحول إلى شاعر رثاء، لما كنت شاباً كنت أتابع الأحكام النقدية وحين تكون قاسية تزعجني إلا أنه بمرور الزمن لم يعد يفرحني أن يمدحني أحد ولا يزعجني أن ينتقدني أحد وأحياناً لا يصدقون هذا لكن بالفعل هذه هي الحقيقة لم يعد يزعجني أن القصيدة لم تلق الاهتمام. أحياناً ألاحظ الظاهرة ولكنها لا تزعجني.
تهميش
* لكنك لم ترض بتهميش «سحيم» و «الأشج»؟
- نعم أستغرب أن «سحيم» أو «عمر بن عبدالعزيز الأشج» لم تلق عناية النقاد لكن لا يزعجني ذلك.
عودة
* نعود إلى نص «محسون»..
كان محسون صديقاً عزيزاً... كان من الأصدقاء القريبين والحميمين وهم قلائل وعندما تفقد واحداً منهم تفقد جزءاً أساسياً من نفسك. بالتأكيد كان انفعالي بغيابه يختلف عن انفعالي بغياب غيره، ثم إنه كان إنساناً غير عادي وكان يمثل نهجاً متمرداً كما أوضحت في القصيدة ورد أحد الإخوة جزاه الله خيراً قائلاً: ما كنت أعرف أن محسون هو «تشي جيفارا» لكن لم يكن المقصود التمرد الثوري السياسي بل كان صريحاً أكثر من اللازم وكان صادقاً بطريقة غير طبيعية وكان وفياً وكان عنيفاً في وفائه وفي حبه وفي صداقته وفي حروبه ولم يكن إنساناً عادياً. وأرجو أن تكون القصيدة قد عكست هاتين الناحيتين ناحية انفعالي برحيله وناحية تفرده أو تميزه لأني كنت قريباً منه وكنت أعرفه واعرف عنه ما لا يعرفه الآخرون.
وفاء
* إذاً هل لم نكن بحق أوفياء مع «محسون جلال» في نظرك.. حيثُ مر وكثيرون لا يعرفون من هو ومات ولم يعن به أحد؟
أنا أنظر لهذا الموضوع نظرة مختلفة، يعني هل يفرح الإنسان أن يقام له كرنفال بعد وفاته، وتكتب عنه آلاف القصائد ويمشي الناس في الشوارع يلطمون على صدورهم، الإنسان إذا مات يفضي إلى ما قدّم وينتظر رحمة الله وتبقى أعماله وتبقى ذكرياته في نفوس الناس ويبقى تأثيره وأنا أعتقد أن محسون غيََّر حياة كلِّ من عرفهم ولمس حياة كلِّ من عرفه بشكل أو آخر ولم أكن لأسعد أكثر لو كُتبت عشرون مقالة إضافية عنه، في رأيي أن هذا لا يهم كثيراً.
تعب
* كما قيل في الشعر فقد تناولوا الأعمال الروائية وقالوا: أصاب آخرَها شيء من الإرهاق وتحديداً حكاية حب أبو شلاخ رجل جاء وذهب وبخاصة حين يقارنونها «بالعصفورية» «وشقة الحرية» و«سبعة».
أنا أعتقد أن العصفورية أحسن ما كتبت، ولا أعتقد أني أستطيع أن أكتب مثلها بكل صراحة لأنها كانت مجهوداً مركزاً ولخص تجارب عمر كامل وأنا أعرف هذه الحقيقة، ولكن عندما تأخذ أي روائي مثل نجيب محفوظ مثلاً وتتساءل: هل كتب نجيب محفوظ عملاً مثل «الثلاثية»؟ وأنا أعرف أن ما سأقوله قد يثير ضجة ولكني أستطيع أن أؤكد أن «حكاية حب» أحسن فنيا من عدة أعمال كتبها «نجيب محفوظ» مثل ابن فطوّمه ومحاكمات اوزريس.
* سنضع هذا عنواناً عريضاً يا دكتور!
أعرف هذا من بريق عينيك.. وعلى أي حال تفاوت المستوى أمر طبيعي لدى أي كاتب وأديب هناك نبتات صغيرة وأشجار كبيرة وبحيرات صغيرة وأنهاراً ومحيطات هكذا العمل الأدبي..لا يمكن أن نتوقع من إنسان ما أن يكتب روايات على المستوى نفسه أو قصائد على ا لمستوى نفسه، وأنتم مقالاتكم لا تكون على المستوى نفسه، أيضاً لا بد من دراسة التجربة التي تناولها العمل الروائي أو العمل الشعري أو العمل الفني عموماً.
بانوراما
* ما الذي تقصده دكتور؟
خذ.. «شقة الحرية» مثلاً فهي تتناول تاريخ أجيال من الطلبة العرب درسوا في القاهرة في فترة من الفترات فهي لا بد أن تكون بحجم معين ولا بد أن تكون بانوراما ولا بد أن تكون عدداً معيناً من الصفحات، وكل من قرأها سواء الذين درسوا قبلي أو بعدي قالوا إنها تمثل حياتهم في القاهرة، المهم أنها نجحت في تصوير الجو العام ولا تستطيع أن تعمل هذا في خمسين صفحة أو ستين صفحة.
العصفورية
* ماذا عن «العصفورية»؟
العصفورية أيضاً - تصور على نحو أو آخر أزمة العقل العربي عندما اصطدم بالحضارة الغربية وفقد توازنه، وهذه تجربة كبيرة لا يمكن أن تعالجها إلا بعمل مثل العصفورية استغرق عدة سنوات في كتابته واستنزف الكثير من المجهود.
كاريكاتير
* طيب.. و«أبو شلاخ» وهي مما قيل عنها إنها أقل من سابقاتها؟
- أبو شلاخ عمل مختلف تماماً، أبو شلاخ صورة كاريكاتيرية للإنسان العربي، واضح لكل من يقرأه أنه صورة كاريكاتيرية، وهناك من يقف عند الكاريكاتير ولا يستطيع أن يرى ما وراءه وهناك من يستطيع أن ينفذ منه وقد كتب عنه كثيرون، وعلى فكرة صدرت منه الطبعة الثالثة وكثير من الذين كتبوا عنه استطاعوا أن يصلوا إلى ما وراء الكاريكاتير.
سبعة
* في «سبعة» عمل «فانتازي» جميل.. والبعض أخذه بهذا الشكل التجريدي الهائم؟
وهناك يا إبرهيم من استطاع أن ينفذ ويراه إدانة لكل مظاهر الفساد في الحياة العربية المعاصرة سواء السياسي أو الفكري أو الثقافي أو التجاري وهناك من لم يستطع أن يفهم ذلك وأخذها على أن هذه مجرد شخصيات غريبة.. إنما هذا لا يزعجني.
خلاصة
* والتفاوت في المستويات أو خلاصة القول فيه؟
ملاحظة صحيحة أن «رجل جاء وذهب» أو «حكاية حب» ليست كالعصفورية ولا ينبغي أن تكون، وشوقي عنده قصيدة يقول فيها:
لي قطة صغيرة
سميتها سميرة
وله «مصرع كيلو باترا» وله «مجنون ليلى»، هل أقول له يا شوقي كيف؟ ألا تستحي بعد مصرع كيلو باترا تقول: لي قطة صغيرة سميتها سميرة. أو:
لي جدة ترأف بي
أحنى علي من أبي
أو أجيء للمتنبي وأقول له أنت الذي قلت «واحر قلباه» تقول بعدها:
ما أنصف القوم ضبّه
وأمه الطرطبه...
لا يكاد يوجد أو بالاصح لا أعرف أديباً أو شاعراً إنتاجه كله في أعلى المستويات، ولذلك فإن الملاحظة التي أوردتها صحيحة وأنا أتقبلها ولا تزعجني.
نشر
* هل تنشر كل ما تكتب؟
لا.
مشروع
* وماذا عن المشروع القادم؟
في الفترة هذه كل افكاري منصبة على موضوع المياه، والاشقاء المصريون يقولون «صاحب بالين كذاب» أنا أكاد أكون واثقاً أنه في المستقبل سوف تكون لي عودة للكتابة، لكن في الوقت الحاضر أنا في فترة إنشاء وزارة وليست فترة بسيطة، على الأقل في مرحلة التأسيس حيث تتطلب - غير الجهد البدني أو التواجد في المكتب - جهداً فكرياً فلا أستطيع أن أفكر كيف سيكون التقسيم الإداري وأفكر في الوقت نفسه في عمل إبداعي إنما عندما تستقر الأمور أرجو إن شاء الله أن تخلو خانات أو خلايا الإبداع في المخ وتتسع للتفكير في عمل أدبي.
انطلاقة
* لا شك أن «غازي القصيبي» يمثل الانطلاقة الجديدة للرواية السعودية بمفهوم مختلف لكن من جاء بعدك من الروائيين أوحتى من جايلك أو زاملك في عملية النشر حاولوا أن يوثقوا الحركة الاجتماعية المحلية والتاريخ الاجتماعي الشفوي أو «المسكوت عنه» بينما رواياتك إما أن تكون أحداثاً عربية أو رواية «سيرية» تمثل مرحلة إن لم تكن تمثلك أنت أو تمثل بعداً فانتازياً جمالياً مجرداً.
- أنا يصعب عليَّ أن أقيم نفسي ولكني أستطيع أن أقول ان «شقة الحرية» كسرت جدار الصمت في العمل الروائي، في الماضي كان العمل الروائي مليئاً بالمسكوت عنه وكانت لدينا محظورات كثيرة. «شقة الحرية» كسرت هذا الحاجز وتكلمت - لأول مرة في الكتابة الروائية السعودية - عن الأشياء الموجودة في الحياة كما هي في الحياة أو كما هي في الواقع وليس كما نحلم أن تكون، وليست عن مجتمع المدينة الفاضلة وإنما المجتمع البشري، وهذا أزعج أناسا كثيرين وأثار ضجة كبيرة ولكن هذه طبيعة العمل الروائي يجب أن يتعرض لجميع نواحي الحياة في المجتمع، وقد حققت هدفها وفتحت الطريق أمام أعمال كثيرة جاءت بعدها وأنا أعتقد أن العمل الإبداعي والعمل الشعري ينطبق عليها الأثر: «كلٌّ ميسَّر لما خلق له» وقد قلت عدة مرات أنا مثلاً لم أدخل السجن، لو أكتب عن تجربة دخول سجن ستكون بلا معنى، الأديب الذي دخل السجن يستطيع أن يتكلم عن السجن أحسن مني.
طبقة
* إذن.. فقد مثَّل عدم انتمائك للطبقة الفقيرة مادياً وسياسياً خطاً فاصلاً في هذا الاتجاه؟
أنا لم أعرف الفقر والحمد لله، صحيح أني لم أولد وفي فمي ملعقة من الذهب، ولكن عندما أتكلم عن تجربة قرية فقيرة لا أستطيع، سيكون كلامي مضحكاً فلا يزعجني أبداً أن يتكلم إنسان عني بأن يقول: هذا أرستقراطي وبورجوازي ويتحدث عن تجارب برجوازية بينما الناس يموتون جوعا، لا يزعجني هذا الكلام وقد قلت كثيراً: عندما أقرأ قصص «عبده خال» يصيبني نوع من الرعب من الأوضاع الكئيبة التي يصفها، هو مر بتجارب لم تمرّ عليٌ وسوف أكون مخادعاً لو حاولت أن أكتب كما يكتب «تركي الحمد» أو كما تكتب «رجاء عالم» عن عوالم فنتازية أنا لا أكاد أفهمها فضلاً عن أن أكتب عنها، أن التنوع شيء جيد في الفن كما هو في الحياة.
هموم
* حتى الانفصال عن هموم المجتمع.. لا يزعجك يا دكتور؟
لا يزعجني إطلاقاً أن يقول أحد إن هذا يكتب بعيداً عن هموم المجتمع، الأدب دائماً «وهذا تشبيه قديم» يشبه الروضة أو البستان فعندما تدخل بستاناً ماذا ترى فيه؟ ترى آلاف الأشياء، ترى هناك الورد وترى النرجس وترى الريحان وهناك شوك وهناك فاكهة، لا يمكن أن أقول: يا أيتها الزهرة لماذا لم تكوني وردة؟ أعتقد أن هذا التنوع شيء طبيعي وبالعكس أخطر شيء يواجهنا أن نتحول إلى نسخ من بعضنا سواء في أفكارنا أو في توجهاتنا أو حتى في إنتاجنا، هذه الفكرة القديمة عن الالتزام الحمد لله أنها سقطت، ويجب أن يكون الأدب انعكاساً لمعاناة الشخص الذي يكتب عن تجاربه، أنا أستطيع أن أتعرف على التجربة البشرية للآخرين عن طريق قراءة كتبهم ولكي أستطيع أن أنقل التجربة نفسها يجب أن أكتب عن الأشياء التي أعرفها هذه الملاحظة الى ذكرتها أيضاً صحيحة وأيضاً لا تزعجني.
لندن
* لا نزال في الإطار الكتابي: لندن هل تمثل - كما يقال- عاصمة للثقافة العربية حيث نرى معظم الكتَّاب العرب ينشرون من هناك هل لا
تزال تمثل لك شيئاً ذا خصوصية في عملية النشر؟!
لا أعتقد أبداً أن لندن تحولت إلى عاصمة للثقافة العربية، لندن هاجر إليها الناس هربا من الرقابة والموضوع بكل هذه البساطة لا أكثر ولا أقل، في الماضي هاجروا إلى بيروت هرباً من الرقابة ثم هاجروا إلى لندن، وأعتقد أنه بقدر ما تخف سطوة الرقابة والتفكير الرقابي المسكون بهواجس لا أول لها ولا آخر ستفقد لندن بريقها وهو ما بدأ يحدث بالفعل.
نماذج
* كيف؟
خذ مثلاً في مجال التلفزيون عندما بدأت بعض الدول العربية تنشئ مدنا إعلامية انتقلت كثير من المحطات إلى هذه الدول. أعتقد أن الشيء نفسه سيحدث في الثقافة عندما نتحرر من الكوابيس التي تعيش في أذهان المراقبين في عالمنا العربي سوف تفقد لندن ميزتها الأساسية، لندن لا توجد لديها مطابع، حتى الكتب التي تنشر في لندن تطبع في بيروت وتنقل إلى لندن، الشيء الوحيد الموجود في لندن هو «الحرية» وبقدر ما تتوافر الحرية في مدننا العربية والإسلامية يزول بريق لندن الثقافي وهذا البريق ليس شيئاً ذاتياً وإنما هو نتيجة خلل في أوضاعنا الثقافية في العالم العربي وهذا الذي جعل لندن تصبح مركزاً ثقافياً عربياً.
رقابة
* لا شك أنك عانيت كثيراً من الرقابة وأنا لا أزال أحفظ لك منذ زمن: «مضغ القفل لساني، وأنا أحلم باليوم الذي أنطق فيه، دون أن أخشى رقيباً، دون أن يرجمني ألف سفيه» هل تغير شيء من «الأقفال» بين تلك المرحلة وأيامنا هذه؟
لا.. بالتأكيد.. لكني أعتقد أن الرقابة في كل محل تخوض الآن معركة خاسرة، في الماضي كان الرقيب يستطيع أن يحجب ما يريد حجبه عن القارئ، الآن -بصرف النظر عن رأينا الأخلاقي ورأينا السياسي في الرقابة لا يستطيع الرقيب الحجب، أصبحت الرقابة الآن عملية فاشلة، الوضع تغير تغيراً جذرياً يعني أنا قلت.. إن الرقباء انقرضوا لكن لم يخبرهم أحد أنهم انقرضوا، بالعكس أصبح الوضع الآن - وهذا من المفارقات - عكسياً إذا منعت الرقابة شيئاً يحرص الناس على قراءته واقتنائه، وفي الواقع: الرقيب عندما يستعمل مقصه في عمل يعطي ضوءاً أخضر لهذا العمل للانتشار، عملية الرقابة أصبحت عملية عديمة الجدوى بل أصبحت تحقق عكس هدفها، إذا سمح لكتبي بالدخول، الناس تقول: سُمِح له ! أكيد لا يستحق هذا الكتاب القراءة، في فترة قالوا: إن «حياة في الإدارة» مكون من طبعتين طبعة سمح بها وطبعة لم يسمح بها وذهبوا يبحثون عن الطبعة الممنوعة من كتاب «حياة في الإدارة»، مع أنه هو نفسه لم يتغير فيه حرف.
منع
* لكن منع في البداية؟
لم يمنع.. يمكن دُرس هذه كلمة ألطف... ولكن الآن مع الإنترنت ومع الفاكس ومع أجهزة التصوير فإن بعض كتبي الممنوعة هنا تصور بشكل لا تكاد تُميزه حتى عن النسخة الأصلية وعندما يقال إن كتاباً لي لم يسمح به أقول: ظفرت بانتشار هذا الكتاب.
فتنة
* من الكتب التي صدرت لك وكانت لها قيمة ومثلت مرحلة لكن يبدو أنها اختفت أو أخفيت أو أنا لا أراها على الأقل، سلسلة «كي لا تكون فتنة» أين هي..؟
أحياناً يكون لي إنتاج مرحلي مثل زاوية «في عين العاصفة» كنت أقول في تلك الفترة: إن هذا ليس عملاً أدبياً فلم أجمعها ولم أنشرها، حتى الذين كانوا ينتقدونها كنت أقول إن هذا من أدب المعركة، «حتى لا تكون فتنة» ذات جانبين: جانب مرحلي له علاقة بسجال معين مع أشخاص معينين في ظروف معينة وهذه انتهت. وفيها أفكار كانت وقتها عنيفة الآن أصبحت مقبولة من الجميع.
أمثلة
* مثل ماذا؟
- عندما قلت «إن الفتوى تتغير» قامت الدنيا وقعدت، الآن هل يجادل أحد أن الفتوى تتغير؟ أصبحنا نرى هذا كل يوم بأعيننا، وعندما قلت يجب التسامح في الأشياء المختلف عليها عُدّ هذا الكلام عملاً عنيفاً في وقتها الآن أصبح هذا مألوفاً. القضايا التي طرحتها في «حتى لا تكون فتنة» تناقش الآن في جرائدنا.. إذاً هل ساهمت الكتابات هذه في إيجاد هذا المناخ؟ هذا هو الشيء الذي لا أعرفه، لكن هذا العمل لم يعد - الآن - عملاً يثير الانتباه لأن ما كان يتناوله أصبح الآن يُتناول في كل الصحف، في وقتها وظروفها كان عملاً عنيفاً، الآن أرى مقالات تبحث هذا الموضوع كل يوم في الصحافة السعودية.
فكر
* لكن يا دكتور غازي في «البعد الفكري الخالص» ألا تشعر أن لك إسهامات لا تزال غائبة أو دوراً لم يبدأ بعد؟
أنا لم أقل كل ما عندي، في المستقبل قد يكون هناك أعمال فكرية تتطرق إلى بعض النواحي، إنما لا أحب أن أتحدث عن شيء لم يحدث، هناك نواحٍ فكرية كثيرة تطرقت إليها في كتبي، تكلمت عن التنمية تكلمت عن آراء وموضوعات كثيرة بعضها في أعمال روائية، وبعضها في مقالات وفي بحوث وفي مقالات عادية وبالتأكيد لا يزال لدى الكثير مما يمكن أن يقال في المستقبل إن شاء الله.
سيرة
* كتبت السيرة الشعرية منذ أكثر من 15 عاماً، كتبت السيرة الإدارية أيضاً منذ سنوات ولا تزال سيرتك الشعرية تأخذ مناحي معينة والسيرة الإدارية الآن تشهد منعطفاً جديداً ألا تشعر أن هذه الكتب في حاجة أيضاً إلى تعديل وأنك ربما استعجلت في تسجليها.؟
عندما بدأت الجزء الأول من السيرة الشعرية كنت لم أصل الأربعين وأذكر أن الدكتور محمد عبده يماني قال لي: هذا وقت ليس مناسباً لكتابة السيرة الشعرية التي يجب أن تكون في نهاية المطاف فذكرت له قصة الأعرابي مع الحجاج، عندما دعاه للطعام فقال له: أنا صائم فقال له كل معي الآن وصم غداً فقال للحجاج هل تضمن لي أن أعيش غداً، لو أحد يضمن أن الإنسان يعيش طويلاً ممتعاً بكل قواه كنت سأدخرها وأؤجلها، لكن الحياة سباق، ثم إني لم أجد مشكلة في تلك السيرة الشعرية حيث صدر منها جزء ثان وحُدثّت وجُدّدت ويمكن في المستقبل أن يصدر جزء ثالث.
إضافة
* والتجربة الإدارية
- حياة في الإدارة لم تتعرض لكل التجارب الإدارية، تجربة السفارة في لندن غير موجودة فيها أنا لا أجد أي ضير في أن تكتب ما لديك، وفي المستقبل إذا جد شيء جديد يمكن ان تضيفه، أنا الآن أفكر - فيما يخص السيرة الشعرية - أن أجمع الجزأين الأول والثاني والثالث في عمل واحد ينتقل إلى المرحلة الحالية لأن كثيراً من النصوص والأعمال مثل عمل «سحيم» ليس موجوداً في السيرة الشعرية وكذلك «الأشج» والأعمال التي كتبتها في الست والسبع سنوات الأخيرة غير موجودة وأنا لا أرى ضيراً أن تأتي السيرة على حلقات أو على أجزاء.. لا أرى مشكلة في ذلك.
حوار
* من كتبك الأخيرة أو هو قبل الأخيرً كتاب «حول الحرب الإعلامية بين السعودية وأميركا» وقد شهدنا مؤخراً الآن مساهمات للمثقفين السعوديين ببيانات متبادلة بينهم وبين المثقفين الأمريكيين وهنا في الحقيقة أكثر من نقطة لكن النقطة الأهم أثبتنا فيها أننا نستطيع أن نتحاور مع الآخر بلغة جميلة حيث رأينا في بيانات المثقفين السعوديين شيئاً من الهدوء وشيئاً من قبول الرأي الآخر أما حينما يكون الحوار داخلياً فإننا نجد أن العملية تتحول إلى اتهامات متبادلة، فهذه الحرب الإعلامية التي بيننا وبين الخارج والتي بيننا وبين ذواتنا كيف تنظر إليها؟
في المجتمع العربي والإسلامي عموماً نحتاج إلى جرعة قوية وكبيرة من التسامح سواء في تعاملنا مع بعضنا أو في تعاملنا مع الآخر، نحن لا نزال نفتقد هذه الجرعة من التسامح. والحوار يجب أن يكون قائما على الاحترام المتبادل، يجب أن تحترم الآخر لكي تستطيع أن تتحاور معه، سواء في حوار داخلي أو حوار خا رجي، إذا بدأت بنظرة فوقية للآخر أو نظرة استعلائية واعتبرته على ضلال مبين في كل ما يفعله وأنت على حق فإن هذا لا ينتج حواراً بل ينتج جدلاً أو ينتج مجابهة أو خصاماً، أنا أعتقد أننا ما نزال نفتقد بوصفنا مجتمعاً «عربياً» وإسلامياً» تلك الثقة بالنفس التي تجعلنا نتعامل مع الآخرين بدون الخوف، الخوف هو المصدر الأول للعدوانية، الحيوان تقريباً لا يهاجم إلا وهو خائف، والإنسان أيضاً أكثر ما يهاجم وهو خا ئف وعندما نتحاور مع الآخر من منطلق خوف بالتأكيد سيتحول شعورنا هذا إلى أسلوب عدواني، والعدوانية ستجر إلى عدوانية مثلها الحوارات التي تدور في معظمها لا ترقى للمستوى المطلوب لأنها ليست بين نِدّين يحترم كل منهما الآخر ويقبل الآخر. كيف أدعو على إنسان بالهلاك ثم أقول له تعالَ أحاورْك، هل هذا ممكن أن أقول: أبادك الله وأهلكك الله ثم نتحاور؟ نتحاور عن أي شيء نتحاور عن أفضل الطرق لإبادته.
عندما أعتقد أن إنساناً من بني جلدتي على ضلال مبين وكل ما يؤمن به خاطئ أو غير صحيح، وكل ما أؤمن به صحيح في المطلق كيف أستطيع أن أتحاور معه؟، تعالَ غيِّرْ رأيك أو تعالَ غير رأيي، طبعاً هذا ليس مطلوباً، نحن نغضب عندما يشتم أحد الإسلام فلماذا نشتم الديانات الأخرى؟ نحن نغضب عندما يشتمنا أحد لماذا نشتم المجتمعات الأخرى؟ العالم الآن أصبح مفتوحاً على بعض كل كلمة تقال تعرف في جميع أنحاء العالم، لا أستطيع أن أسب حضارة معينة 6 أيام في الأسبوع ثم أقول في اليوم السابع تعالوا نتحاور! نتحاور عن أي شيء؟ أعتقد أنه لكي يكون الحوار مثمراً يجب أن نصل إلى مرحلة من التسامح ومن قبول الرأي الآخر لم نصل إليها بعد، ويبدو للأسف الشديد أن الطريق إليها لازال طويلة.
تشاؤم
* تبدو متشائماً جداً في هذا الدرب؟
انظرْ إلى كل الأشياء التي نعملها، تقوم الدنيا ولا تقعد لأنهم فتشوا طالباً سعودياً، ونحن يومياً نفتش الناس في جمار كنا، لماذا لا أحد يقول شيئاً؟ عندما يأتي إنسان اجنبي لجماركنا هل يضرب له الناس تحية؟ تُفَتَّشُ حقائبهم والواحد منهم يقف 3 أو 4 ساعات في الطابور، وأحياناً يستمع إلى تعليقات عنصرية في جميع المرافق، لماذا نغضب نحن عندما نعامل بهذا الكلام؟، وتقوم الدنيا ولا تقعد عندما يقال احتقروه لأنه عربي، ألسنا نحتقر الآسيويين ونحتقر الجنسيات الأخرى ونسخر من لهجتهم ونسخر من كلامهم ونعاملهم بعنصرية، وحتى في برامجنا التلفزيونية نسخر منهم؟ لو ظهر برنامج تلفزيوني يسخر من العرب فإننا نغضب، لماذا نشتكي من ازدواجية المعايير ونحن نمارسها في مجتمعنا، أنا أعتقد أن هناك آفاقاً أخرى أبعد من التسامح ما زالت بعيدة وما زلنا نائين عن أن نصلها.
لغة
* طيب.. لكن في إطار ما يوجه من الآخر من «تدخلات» و«اتهامات» إلى المناهج وإلى التعليم الديني وإلى الجمعيات الخيرية، ودعوى دعم الإرهاب والتطرف؟ هل هناك فعلاً لغة مشتركة بيننا وبينهم؟
يا أخي إبراهيم.. بحَّ صوتي من 30 سنة وأنا أقول: إن هذه المناهج لن تخرج لكم إلا البطالة، مناهجنا اليوم كأنها مصممة كي تخرج ناساً غير قابلين للعمل في أي محل في العالم، الجرعة الدينية هذا شأنك أنت كمجتمع ولا دخل لأحد فيها، في أميركا يدرسونهم الدين ويدرسونهم التربية الوطنية ويدرسونهم الدستور الأميركي وماذا قال أبراهام لنكولن وماذا قال سواه، يعني الجرعة الوطنية في المناهج الأميركية من السنة الأولى ابتدائي للجامعة لا تقل عن الجرعة الدينية في مناهجنا فإذن هذا الموضوع شأننا نقرره نحن: كيف وماذا ومتى ندرس الدين وندرس الثقافة الإسلامية، هذا شأننا لكن هذه ليست المشكلة، المشكلة - الآن - أن لدينا نظاماً «تعليمياً» لم يدخل بعد القرن الواحد والعشرين، ولا يعرف متطلبات السوق، نحن الآن عندنا عشرات الآلاف يبحثون عن عمل ونستقدم عشرات الآلاف وفي نفس الكليات ونفس التخصصات التي تخرج البطالة هناك عشرات الآلاف من الدارسين ! كل هذا يجب أن يعاد النظر فيه.
تغيير
* إذن لا تزال تلح على تغيير المناهج؟
عندما يقال تغيير المناهج فإن كلمة تغيير هذه لا تكفي، يجب أن يكون هناك تعليم عام واحد، يشملُ الجرعة الدينية التي نعتقد أنها كافية لكل مواطن، هل يجوز في هذا العصر أن يتخرج إنسان دون أن يعرف «اللغة الإنجليزية»؟ من الذي سيوظفه؟ هل يجوز في هذا العصر أن نقسم 70% من طلابنا إلى «أدبي» لا يعرفون حتى كيف يستعملون الآلة الحاسبة وإلى طلاب يدرسون في القسم «العلمي»، مناهجنا التعليمية هذه تحتاج إلى تعديل جذري.
حلول
هل لديك حلول جاهزة يا دكتور؟
إذا أردنا أن نصبح دولة تقضي على مشكلات البطالة وندخل في القرن الواحد والعشرين نعمل ما عملته كل دولة متقدمة في العالم، نستقبل الطفل وعمره ست سنوات وندربه عشر سنوات متواصلة في نظام واحد ليس فيه «ابتدائي» و«إعدادي ويدرس العلوم الطبيعية كلها مع الاجتماعية بدون تفرقة بين ادبي وعلمي»، والشهادات هذه التي ما أنزل الله بها من سلطان نقلناها من مصر ومصر لا أدري من أين نقلتها، يجب أن يكون لدينا تعليم إلزامي للجميع، وبعد التعليم الإلزامي معظم الطلبة يجب أن يذهبوا لكليات تدربهم تدريباً عملياً بحيث يحصلون على أعمال في القطاع الخاص، وأقلية تذهب للجامعة، الى كليات ترتبط مناهجها بحاجات الاقتصاد هذا هو التعليم المتبع في جميع دول العالم المتقدمة. الهدف من التعليم أن تهيئ الإنسان لحياة عملية، إذا جاء الأميركيون وانتقدوا مناهجنا نقول لهم تعالوا موضوع الدين والاعتزاز الوطني هذا شأننا نحن، ليس لكم شأن به، لكن والله إذا عندكم آراء تفيدنا كيف ندرس الكومبيوتر من أول سنة، أو كيف نستفيد من مناهجكم العملية، فأنا أعتقد أنه يجب أن نقوم بهذا وقد عملتها دول قبلنا مثل «كوريا» و«اليابان» و«ماليزيا» وسنغافورة» وكل الدول التي دخلت القرن الواحد والعشرين بدأت بتغيير في مناهجها.
استقبال
* بالمناسبة يا دكتور بعض الذين استقبلوا تعيينك وزيراً للمياه من خلال الساحات المفتوحة «ساحات الإنترنت» قاموا باستعادة آرائك حول التعليم، وهم طبعاً يستعيدونها وهم متخوفون من هذا الرجل الذي يدعو الى تغيير مناهجنا؟.
أنا شرحت أن تغيير المناهج ليس له علاقة لا بالهوية ولا بالناحية الدينية، أنا أتكلم عن تغيير في كيفية تهيئة الطالب لأن يحصل على عمل في مجتمع فيه منافسة لا ترحم. ماذا يفيدنا النظام التعليمي إذا تحولنا إلى مجتمع من العاطلين، وأخطر بطالة هي بطالة المثقفين، وأكبر عامل من عوامل عدم الاستقرار هي أن تجد عدداً كبيراً من المثقفين يبحثون عن عمل.
تصنيف
* هناك بالمناسبة الأدب الإسلامي، ما موقفك منه؟
يا أخي والله مللنا من قصة التصنيفات التي لا تنتهي: هذا مسلم وهذا إسلامي، من 1400 سنة ونحن جميعاً مسلمون، هناك من يكتب أدباً يسمى «الأدب الماجن» وهناك من يكتب أدباً يسمى «أدب الوعظ» نحن الآن نأتي بتصنيف ونقول: هذا الشخص يكتب أدباً «إسلامياً» وأدباً غير إسلامي، يعني هذه التفرقة لا أراها منطقية، وطبعاً كل إنسان له رأي.
كلمات
* دكتور هناك مجموعة أسئلة لا أحتاج فيها إلى إجابات مطولة بل إلى كلمات؟ كيف يستطيع الإعلام إيصال صوت من لا يملك مكبرات للصوت للتعبير عن همومه واحتياجاته؟
لا يستطيع... فالإعلام هو تعبير عن قوى اجتماعية وقوى سياسية وقوى مالية وقوى تجارية والذي لا يملك هذه القوى لا يستطيع أن يوصل صوته عبر الإعلام سواء عندنا أو عند غيرنا، في الولايات المتحدة أو في أي مكان في العالم.
جيل
* الجيل الجديد فقدناه في الإنترنت، في غرف الدردشة في «البالتوك» الخ، حوارات هامشية، أحياناً تتدنى إلى درجة غريبة هل هذه مشكلة منزل، مدرسة، مجتمع أم أنها طبيعة حياة؟
أجد من الصعب أن أعمم، جيلكم أنتم كان يقال عنه في تلك الأيام فقدناه في «الفيديو» و«الأتاري»، والجيل الذي قبله يركب «حصان إبليس» و«يلعب كورة»، أنا أعتقد أننا لا نستطيع أن نجمد أنفسنا على الطريقة التي عشنا فيها، «الإمام علي»رضي الله عنه يقول: «ربوا أولادكم تربية غير تربيتكم فإنهم ولدوا لزمان غير زمانكم» وهو أيضاً يقول: «الناس أشبه بزمانهم منهم بآبائهم»، الآن لدينا أشياء لم تكن موجودة، أستطيع أن ألوم الشاب الذي يقضي وقته على الإنترنت ولكن ليسوا كلهُّم حسب علمي يبحثون عن تسلية عابثة، الكثير منهم يبحثون في موضوعات مهمة وكثير منهم يستعملون الإنترنت استعمالاً مسؤولاً، حتى الحوارات هناك حوار منحدر وحوار راق، هذه سمة العصر، الآن كل طفل معه «موبايل» هل أرجع أقول له على أيامنا كنا نستخدم قرع الطبول.. العويل على الماضي - يا إبراهيم - لن يغير الحاضر.
مؤامرة
* نظرية المؤامرة التي يعزى إليها كل قصور و خيبة وهزيمة هل تتوقع أن تنتهي يوماً ما؟
أولاً بالتأكيد هناك مؤامرات، لكن عندما أتكلم عن أنني لا أؤمن بنظرية المؤامرة فهذا لا يعني عدم وجود المؤامرات، لكني لا أعتقد أنه يمكن تفسير كافة الظواهر عن طريق المؤامرة، نظرية المؤامرة تعفيك من أي مسؤولية، ما دمنا ضحية مؤامرة دولية من «حكماء صهيون» من «الإمبرياليين» ومن كثيرين يتآمرون علينا ونحن مظلومون أو مساكين.. إن لم نتحرر من هذه العقلية فإننا لن نقوم بعمل إيجابي للخروج مما نحن فيه من ضعف ومن تفرق، ننتظر الآخرين الذين تآمروا علينا لكي يكفوا عن مؤامراتهم ثم نتحرك، أعتقد أن نظرية المؤامرة سواء - شعر الذين ينادون بها أم لم يشعروا - هي عبارة عن جمود وتواكل للبقاء حيث نحن.
معاريض
* كُتّاب المصالح وكُتّاب المعاريض وهم يتزايدون هل هناك وسيلة لإنهائهم وإنهاء كتاباتهم المملوءة بالتملق والتزييف والنفاق والشخصنة والمصلحة الخاصة؟
أبو العلاء المعري يقول:
وهكذا كان أهل الأرض مُذْ خلقوا فلا يظن جهولٌ أنهم فسدوا
|
طبيعة البشر، طبيعة الأشياء أن يوجد من له مصالح، ومن له مآرب، وأن يوجد من له كتابة راقية، وأن يوجد من له كتابة مسفة، وأن يوجد من له «أجندة» خفية، لا أستطيع أن أشكل العالم حسب «المدينة الفاضلة»، أو «اليوتوبيا» التي في ذهني، البشر وطبيعة البشر هي بهذا الشكل، وهناك أنواع مختلفة من البشر، صحيح أني أستطيع أن أحرص بقدر كبير على أن أصلح في ميداني ولكن لا أستطيع أن أغير البشر.
الحاجة
* طيب من يتملقك لينهي حاجة معينة له.. ما موقفك منه..؟
بالنسبة لي المشكلة أنها لن تنفع، بل تؤدي إلى العكس..
أخبار
* الحديث كثير حول التفكير بإنشاء قناة إخبارية مستقلة لتواجه قناة الجزيرة ومماثلاتهما - ما تعليقك؟
هناك جانبان «للجزيرة» جانب مهني متقدم يتعلق بتتغطية الأخبار والمراسلين، وجانب «غوغائي» يتعلق بالشتائم وبإثارة النعرات وبتحويل أي نقاش فكري إلى مهاترات، أرجو أن نحاول أن نعمل شيئاً بصورة مهنية وأن تكون الأخبار حقيقية والحوار موضوعيا،ً أما تقليد الجانب الغوغائي فأعتقد أن الشتائم يحسنها كل الناس ولكن أرجو ألا يكون هدفنا تقليد هذا الجانب.
كتاب
* الكتاب الذي تقرأ فيه الآن؟
الآن الكتاب الذي أوشك أن أنتهي منه «بوش محارباً» ويحلل ما حصل في أميركا من صنّاع القرار على المستوي السياسي بعد أحداث نيويورك، وهو باللغة الإنجليزية ل«بوب وودورد»، ويجيب الكتاب عن تساؤلات مهمة ويثبت أنه كانت هناك حيرة وقرارات متناقضة يعني الذين يقولون بنظرية المؤامرة، يجب أن يقرأوا الكتاب ليعرفوا كيف أدت هذه الأحداث الارهابية إلى وضع صانع القرار الأمريكي أمام ارتباك قبل أن يتم التوصل إلى القرارات التي اتخذت، بعكس الكلام الذي قيل: إن كل شيء كان جاهزاً من أجل أن يتحركوا وينفذوا مخططاتهم،.. قراءة الكتاب تثبت أن هذا ليس الواقع.
تكرار
* هل هناك كتاب قرأته أكثر من مرّة بخلاف المراجع؟
دائماً الكتب الكلاسيكية اقرأها أكثر من مرة.. «المستطرف» و«ألف ليلة وليلة» و«العقد الفريد» و«الأغاني» و«الحيوان»... بين فترة وفترة أعود إليها.
بكاء
* هل بكيت، متى آخر مرة..؟هل ترى البكاء ضعفاً؟
هل ثمة إنسان لم يبك.. مرات لا أحصيها، أكثر من أن أحصيها... عندما أشاهد مشهداً في فيلم قد تدمع عيني، أو عندما يودعني إنسان عزيز، أو عندما أرى حفيدي بعد فترة..
كل هذه أشياء ومواقف تدمع فيها العيون.. أما قصة أن «الدمع» ضعف أو عدم رجولة فأنا أعتقد أن هذه نظرية ساقطة..
سعادة
* هل أنت سعيد؟
في معظم الحالات.
تأمل
* متى تتأمل في ذاتك وفي نفسك؟
الإنسان يتأمل في نفسه طيلة الوقت، ولكن لا أؤمن بجدوى أن أناقش نفسي أو أحاسبها حساباً عسيراً بعد كل قرار وبعد كل لحظة.. الحياة بهذا الشكل سوف تتحول إلى قطعة من عذاب، قبل أن تنام يجب أن تحاول أن تستعرض ما مر بك في اليوم وتتعلم شيئاً جديداً، وهذه عملية تتم طيلة الوقت.
نوم
* متى تنام؟
بين العاشرة والحادية عشرة، لذلك حين يكلمني أحد «الساعة الحادية عشرة أو العاشرة والنصف» ويقال له إني نائم يعتقد أني أكذب، أنا لا أكذب لأني بالفعل أكون نائماً.
ارتباطات
* والارتباطات والاجتماعات.. والمناسبات.
إذا كان هناك عمل ر سمي، فالعمل الرسمي يأخذ أولوية ولكن من النادر أن العمل الرسمي يستمر حتى الساعة العاشرة والنصف أو الحادية عشرة.
من أنت
* آخر ثلاثة أسئلة سريعة :من أنت؟
يضحك شوفة عينك .
|