كم من اسرة تفككت.. وكم من زوجة طلقت.. وكم من اطفال شردوا، وكم من شباب انحرف وكم من معاملة عطلت، وكم من حقوق مشروعة ضاعت! وكم وكم وكم.!
كل هذا بسبب الاهمال والتسيب والضياع واللاجدية التي يعيشها كثير من الناس.. كسل، خمول، لامبالاة، ولا التزام او مسئولية.. هذه سمات وصفات الكثير من الافراد.. وبصراحة ان هذه الامور لم تأت من فراغ او انها جاءت هكذا بدون اسباب او مسببات بل ان هناك الكثير من الاسباب التي جعلت ذلك الانسان يعيش هذه الحالة من الركود والجمود والتبلد.. ويقضي جل عمره في ضحك وهزل وغفلة ولهو.. دون ان يقدم لهذه الامة اي عمل مفيد يمكن ان يستفيد منه هو والناس من حوله.. فهو قد قلب الحديث الذي يقول.. ما استحق ان يولد من عاش لنفسه فقط وجعل استحق وبكل جدارة من عاش لنفسه ومصالحه ورغباته فقط ولا للغير.. ما دعاني لكتابة هذا الموضوع هو ما قرأته في ثنايا موضوع الاخ/ عبدالرحمن العشماوي في عدد الجزيرة 11057 وتاريخ 3 من ذي القعدة 1423هـ.. بعنوان حياتنا والجد.. والذي جاء فيه «ان هذه المجالس الهازلة ترسخ في النفوس البعد عن الجد في القول والعمل وتعود كثيراً من الناس على اضاعة الوقت فيما لا يفيد.. وان من اخطر ما تعاني منه امتنا في هذا العصر الغفلة وعدم الشعور بأهمية العمل الجاد والميل الى الضحك والهزل في وقت نرى فيه اعداءنا يعملون ليل نهار.. الى ان سأل الآتي: لماذا هذا الميل الى الحياة اللاهية المسترخية؟ ومتى تكون حياتنا قائمة على الجد والعمل وعدم الاهمال؟ ولماذا لا نعطي هزيل القول حجمه الطبيعي من حياتنا؟ انتهى حديث الاستاذ عبدالرحمن واقول بأنه في الحقيقة بأن هذه هي حياتنا منذ امد طويل. .نحن اناس بصراحة غير عمليين او جديين في حياتنا الا من رحم ربي.. نأخذ الامور بسطحية متناهية وبلا مبالاة عجيبة لا يهمنا ما يقوله الآخرون عنا ولا يهمنا اذا لم نستطع ان ننجز اعمالاً تخلد في مسيرتنا الشخصية والاجتماعية.. نهتم بأشياء تافهة وبسيطة لا تقدم في حياتنا وتؤخر.. الكماليات لدينا اهم من الضروريات في معظم الاحيان.. كسلنا دائم وخمولنا لا حدود له، والتزامنا شبه معدوم في كثير من امور حياتنا. نتعب من اقل جهد ونمل من اقل مجهود.. نتأفف كثيراً من العمل.. لا يهمنا ان نؤدي ما أوكل الينا باخلاص ام لا.. مبدأنا في كثير من امور حياتنا: «الشيء الذي لا ينجز اليوم ينجز غداً» ولكن للاسف هذا الغد لم يأت حتى الآن.. وللاسف تلعب بعض الموروثات الشعبية دوراً كبيراً في هذا الحال الذي وصلنا اليه من عدم الاهتمام او الشعور بالآخر ومعاناته.. انا متأكد بأن الكثير سيستغربون وربما يغضبون ويقولون: موروثاتنا الشعبية؟! كيف ومالها ولنا وكيف تلعب دوراً في اتصال الكثير منا بالتكاسل والخمول والفوضى التي تجتاح الكثير من جوانب حياتنا الاجتماعية.. نعم هذه الحقيقة فالطبع يغلب التطبع والانسان ابن بيئته ونتاج لتربيته وتنشئته الاجتماعية منذ الصغر.. انسان تعود على كلمات التسويف والوعود التي لا تتحقق وقد استقر في داخله هذا الشعور وهذا الاحساس خصوصاً وانه لا ضرر منه كما يعتقد او بالاصح كما علم.. فبالله عليكم كيف سيطبق الالتزام في حياته المستقبلية ومن اين سيأتي بالمسئولية وهو لا يعرفها.. دعونا نناقش الامر بصراحة متناهية دون اي حرج او عيب فزمان النعام ولى ودفن الرؤوس في الرمال انتهى.. ولم يعد يجدي لحل مشاكلنا.. انا بصراحة لا احب انصاف الحلول ولا احب اللون الرمادي.. صحيح ان كلمة الحق كبيرة ولذلك يغص بها الحلق ولكنها لا تأتي الا بخير ونتائجها دائماً مثمرة.. الغالبية العظمى تعودت على كلمة بعدين وبعدين هذه تعني لا اخلاص ولا عمل ولا انجاز في حينه وكسل دائم.. عزيزي الاب او المربي اسأل نفسك الآن كم مرة في حياتك قلت لابنك بعدين عندما يطلبك ويلح عليك في شئ يريده فأنت وبكل بساطة دون ان تكلف نفسك عناء الاجابة تقول له بعدين وانت في الحقيقة تريد تصريفه من امامك ولا تريد ان تلبي حاجته وقد لا يمنعك نقص ذات اليد ولكنه الركون الى الراحة والاستجمام والخمول وعدم النهوض.. والمشكلة ان بعدين هذه تتلوها بعدين حتى يتشرب الطفل ذلك تماماً ويصبح كل شيء في حياته المستقبلية بعدين في حين انت لم تشعر بأهمية هذه الكلمة وتأثيرها السلبي على حياة طفلك.. فكلمة بعدين سوف تعني له فيما بعد الراحة وعدم اداء المسئولية والهروب من الالتزام.. والبعد عن اداء الواجب مهماً كان وبالتأكيد كما استعملت معه هذه الكلمة فهو سيستخدمها وبكل سهولة مع الآخرين أياً كانوا بدءاً بأولاده واسرته ونهاية بالعالم الخارجي وهكذا دواليك كل يعملها للآخر الى ما شاء الله.. أيضاً كلمة بكرة وكل شئ بكرة وكل حاجة بكرة وكل رغبة لانفسنا او لاطفالنا واسرنا ومجتمعنا بكرة وكل عمل بكرة وكل مذاكرة او ذهاب للطبيب او انجاز لمعاملة بكرة فمبدأنا من موروثنا الشعبي يقول «يا رجال ليش مستعجل؟ الدنيا ما طارت وربنا خلق الدنيا في ستة ايام وهو قادر ان يخلقها في ثانية والدنيا يا شيخ من سعة» نعم هذا ما عرفناه ونشأنا عليه وتشربناه.. فكيف تريدون منا ان نعمل ونحن لم نتعلم والغريب في الامر اننا لم نأخذ من هذا الميراث الا الاشياء التي تخدم مصالحنا فقط وتريحنا وتعزينا بالرغم من ان تراثنا العظيم يحوي من المبادئ التي تدعو للعمل والجد والاخلاص والمثابرة والحمية والرجولة والشجاعة وتحمل المسئولية الشيء الكبير ولكن اعتقد ان هذه الاشياء مكلفة ومتعبة ومجهدة والنفس قد تكون جبلت على حب الراحة والدعة والاستكانة فلهذا فاننا نرى ان البعد عن هذه الاشياء اكبر غنيمة لاسيما أنه ليس هناك الضرر الكبير في عدم فعلها كما نعتقد.. فأفضل الاشياء لدينا ما جاء بكل سهولة ويسر ودون عناء او جهد ومشقة بالرغم من ان العكس صحيح ولكن هذا ما تطبعنا عليه وألفته نفوسنا.. فلا تؤجل عمل اليوم الي الغد، ومن طلب العلا سهر الليالي، وان خير من استأجرت القوى الامين.
وما نيل المطالب بالتمني..، وكثرة المزاح تجلب البغضاء.. والضحك الكثير يميت القلب، كل هذه المبادئ الجميلة التي تحث على الجد والاجتهاد والاخلاص والقوة في العمل للاسف ليست موجودة في قواميس الكثير سواء الشخصية منها او الاجتماعية.. ايضاً الطيبة المتناهية والسلبية التي تعلمناها وورثناها هي التي اضاعت حقوقنا وذهبت بمصالحنا ادراج الرياح وكانت وبالاً علينا وعلى اسرنا في مختلف شئون الحياة وعندما لا نستطيع ان نتخلص من هذا العيب ويسقط في ايدينا نعزي انفسنا ونردد القناعة كنز لا يفنى ورب ضارة نافعة وعلى نفسها جنت براقش بالرغم من علمنا بذلك مسبقاً ولكنها الطيبة الساذجة التي جعلتنا «كفاقئ عينيه عمداً» اخيراً كلمة معليش وهي ابسط واسهل كلمة يمكن ان يقولها الكسول الضعيف لانها سوف تختصر عليه الكثير من الوقت والجهد وهي الحل الامثل والاسرع لكثير من المشاكل.. وعندما نتندر بقولنا «معليش كل واحد يصلح سيارته» في الحقيقة ان هذا القول لم يأت من فراغ بل هو منسحب على كثير من قضايانا الشخصية والاسرية والاجتماعية فالمسئول لا يريد ان يعمل والفرد لا يريد ان يتعب على المطالبة بحقه حتى وان كانت هناك بعض الخسائر فالموروث الاجتماعي الذي لافكاك منه يقول برمي الشماغ، وحب الخشم، وتكفى يابو فلان، وطلبناك.. كل هذه وغيرها تجعل من الخطأ صحيحاً والعكس صحيح وتكون القرارات العكسية تماماً فربما يعاقب المجد ويغض الطرف عن المقصر وطالما الامر كذلك لدى البعض فلماذا العمل والاخلاص والجد والاجتهاد.. وعندما لا نحصل علي حقوقنا المشروعة نردد بضعفنا ايضاً «اذا ما طاعك الزمان ولاّ طيعه» في حين اننا وفي كثير من الاحيان نستطيع ان نعسف الزمان لصالحنا ولكنه الضعف والتواكل والخوف من اي شيء؟ لا ندري.. وللموضوع بقية «بكرة» و«بعدين» سأتحدث فيه بشكل موسع «ومعليش» سامحوني اذا لم اوف بوعدي لكم.
عبدالرحمن عقيل حمود المساوي - الرياض
|