الذي يقول بأن الحرب الباردة التي ظلت لفترة طويلة تغطي العالم بغمامة من الرعب النووي قد انتهت بانسحاب الطرفين ودون قتلى أو معارك أو هزائم فهو يخالف التاريخ ويتقاطع مع حقائقه المستترة.
لربما هزيمة عام هي 67 أولى الهزائم فهي تمت بين أسلحة روسية ضد أسلحة أمريكية تلا ذلك حرب أفغانستان، تبعها انهيار أول جدران القلعة في برلين، وانهمرت الأحداث بعدها إلى أن انتهت إلى سوق النخاسة الكبير الذي يقام في روسيا حول الآلاف من السبايا الروسيات اللواتي يحلمن بالذهاب إلى جنة الغرب ومجتمع الوفرة والرفاه الغربي.
لا أدري كم مليون قد حصدت في طريقها آلة الشيوعية سواء إبان الحكم الستاليني، أو قبله أثناء الثورة البلشفية في روسيا، ولكنها كانت الفكرة الجهنمية التي انطلقت كوحش بأشداق متسعة فالتهمت في طريقها كل من لا ينتظم وينصاع لفكرة المشاع فيفتدونها بأرواحهم، ويتسع الواقع على رقعة الحلم، ولا يبقى عادة سوى لعبة السلطة وجدلية التاريخ.
وهكذا عبر التاريخ تتغذى النظرية أو الفكرة على لحوم البشر وأرواحهم، تغويهم ودهاء وأدرانها السياسة والمثال يتبدد فوق شظف الواقع.
وقد تابعت برنامجاً إعلامياً قبل عدة أيام على إحدى الفضائيات حول ما يترصد بالفتيات الروسيات من استغلال وامتهان ثمناً للوصول إلى المعسكر الآخر هرباً من الوضع الاقتصادي المتدهور في روسيا وجرائم المافيات التي ظهرت بعد انهيار الحكم الشيوعي.
سوق نخاسة للسبايا، وتجار الرقيق كما هم عادة (عبر التاريخ) قد غادرهم البعد الإنساني وتحولوا إلى مخلوقات غريبة استطابت لحوم البشر.
صفوف طويلة من الفتيات اليافعات ما برحت شمس الصبا وزهوه تلامس أطرافهن الغضة، وما برحن لم يفقن من غبش أحلام الطفولة.. ينتهكن أمام عدسات المصورين، ومقاييس أصحاب وكالات عروض الأزياء، وأعين مندوبي وكالات السياحة والترويج الشرهة، فتشعر بأن هناك شيئاً يتقصف وينتهك، كأوراق زهور رطبة ندية يمر فوقها قطيع من البقر الوحشي.
صنع (ماركس) حلمه ومدينته الفاضلة في شقة قمينة في لندن، وأرسله إلى أنجلز ليرسم تفاصيله الدقيقة، وصدره للعالم كفكرة مكتملة عن جدلية الحياة والصراع نحو مجتمع المثال الشيوعي.
ولأن الحياة بذاتها نافرة عصية لا تمنح نفسها لفكرة ولا تستسلم لنظرية إطلاقاً، فهزيمة المعسكر الشرقي بعد الحرب الباردة كانت مدوية وصاخبة، دفع الكثيرون أثمانها وما برحوا يدفعون.
|