مراهنة شارون عندما هاجم اليسار نجحت في اعادة الفارين إلي معسكره، ومتسناع يعد نفسه لمرحلة ما بعد الانتخابات مسلما بهزيمته فيها.
مكتب نتنياهو في مقر وزارة الخارجية الجديد في القدس يبدو في صورة أفضل من ديوان شارون المنعزل. نتنياهو الموجود فيه هو شخص جديد ايضا، وهو غير ذلك الشخص الذي عرفناه في انتخابات أواخر 2002م الداخلية في الليكود.
نتنياهو الذي رغب في حينه بقيادة الدولة والحزب أصبح يطمح الآن في البقاء في وزارة الخارجية. شارون روض الجواد البري الذي كان يرفس في حظيرته. نتنياهو صمت خلال قضايا الفساد وأجبر أتباعه على نفس الشيء. وهو الآن إلى جانب شارون كمساعد بارز ويشاركه في لقاءاته مع قادة الجمهور مشاركا في كافة الأنشطة الدعائية الانتخابية. وما يعتقده نتنياهو على ما يبدو ان اخلاصه هذا سيكون في صالحه فيما بعد الانتخابات حيث سيأخذه شارون في اعتباراتهم عندما يشكل حكومته القادمة. وهو إلى جانب ذلك لا يرغب في اثارة حفيظة الليكوديين ضده. وحاشية شارون من ناحيتها تقول انه لا يرغب بابقاء نتنياهو في وزارة الخارجية وربما عرض عليه حقيبة البنى التحتية المقلصة اذا شعر انه قوي بما فيه الكفاية وان كان سيضيف إلى صلاحياته في هذه الحالة الاشراف على شبكة المجاري القطرية. هذا الامر ينطوي ايضا على رسالة انتقامية الطابع، فبعد انتخابات 1996م أعد نتنياهو لشارون حقيبة البنى التحتية، وهذا لم يأت الا بعد ضغوط داخلية قوية عليه من جانب الحزب. شارون بقي خارج الحكومة طوال اسابيع الى ان حصل على الوزارة، ويبدو انه لم ينس تلك الايام الصعبة.
قضايا الفساد والقصص حول العلاقة التي تربط بين مزرعة شارون وأصحاب رؤوس الأموال والعلاقات بين العالم السفلي والليكود هددت بدفن شارون وحزبه معا. رد فعل الشارع كان شديدا وتم الغاء اللقاءات والاجتماعات الانتخابية خشية الفضيحة. الاستطلاعات أظهرت تدهور شعبية الحزب ليصل إلى حجم حزب العمل. ليمور لفنات التي ترأس الطاقم الاعلامي في الحزب قالت ان النشطاء تصرفوا كما فعلوا بعد مقتل رابين، فقد خجلوا من الظهور واختبأوا في منازلهم. الا ان الاستطلاعات عادت للانتعاش مرة اخرى فكان ذلك نفخة في روحهم بعد الخوف من الانهيار التام.
بعد ذلك جاء مؤتمر شارون الصحفي الذي تهجم فيه على اليسار واضطر ميشال حيشن لقطعه محولا نفسه بذلك إلى أكبر داعية انتخابي لليكود اذ ساعد شارون في خطوته الدراماتيكية هذه على اعادة الناخبين اليه. وطاقم حزب الليكود الاعلامي اقترح بعد ذلك بصورة هزلية منح القاضي ميشال حيشن وسام «عزيز مزرعة هشكميم» الشارونية. واستطلاعات منتصف الأسبوع أظهرت ارتفاع رصيد الليكود إلى 32 مقعدا كما كان سابقا، وهكذا نجحت مراهنة شارون.
لن يتمخض ذلك عن أي شيء
في ديوان شارون أدركوا في هذا الأسبوع بأنه لا ينوي تبادل الهجمات مع الصحافة والاعلام حول قضايا الفساد. فهو علي قناعة ان هذه القضايا سرعان ما ستزول طالما تتمخض عن لوائح اتهام أمام القضاء. ويظهر من مجريات الأمور ان شارون مستعد لخسارة عدة مقاعد بسبب الورطات المحرجة التي وقع فيها هو وأولاده، الا انه لايريد ان يخسر حزب العمل، وهكذا قال للصحفيين غداة مؤتمره الصحفي الذي هاجم فيه عمرام متسناع ان الشرخ الخطير بين الحزبين لن يمنعه من تشكيل حكومة وحدة مع العمل بعد الانتخابات. المسألة استراتيجية بالنسبة له حسب قوله. فشارون يرغب باستعادة فؤاد وبيرس الى أحضانه بدرجة كبيرة ولو على حساب ليبرمان وايفي ايتام.
مجريات الأمور في حزب العمل من الناحية الاخرى من المتراس تشير إلى أن لديه من يعتمد عليه في مسعاه هذا كما ظهر من مؤتمر متسناع الصحفي الذي أعلن فيه عدم عزمه الانضمام لحكومة وحدة برئاسة شارون، الا ان التوتر والفرقة ظهرت بين صفوفه خصوصا من خلال طروحات افرايم سنيه وتصريحاته المؤيدة للعودة لحكومة الوحدة. فكرة الاعلان عن معارضة حكومة الوحدة دلت على اليأس الكبير المستشري في صفوف حزب العمل بعد ان لم ينجح في زيادة شعبيته رغم قضايا الفساد وما ترتب عليها. وخطوة حزب العمل اتخذت بعد شعور قيادته بأن الحسم سيساعد المترددين في الاختيار بين الحزبين، وأظهرت الاستطلاعات الداخلية التي أجراها رامون ان ذلك سيزيد للحزب عدة مقاعد اخرى. الا ان هذه الخطوة كانت ستارا للوضع البائس الذي وصل اليه الحزب وهو انه أصبح يتشاجر مع حزب شينوي على المرتبة الثانية بعد ان كان في الصدارة مع الليكود. الا ان بيان متسناع يدلل على نواياه ايضا، فهو يرغب بعد الانتخابات في البقاء داخل حزبه وخوض الصراع ضد القيادة. والشعب اعتبر خطوة الاعلان عن عدم النية بالانضمام لحكومة الوحدة حيلة انتخابية وكان النظر إلى وجوه ابن اليعيزر ومن حوله المتعكرة كافيا للتأكد من ذلك. متسناع من ناحيته يرغب في تقوية الحزب من خلال إبقائه في المعارضة معتقدا ان حكومة شارون الضيقة لن تدوم طويلا، وعندما سيسقط شارون بعد نصف سنة أو سنة ستكون صورة متسناع مغايرة وسيكون وجوده أكثر إلحاحا. الا ان هذا الافتراض يواجه عقبتين اثنتين: الأولى ان عدم حصول متسناع على انجاز ملموس في هذه الانتخابات سيعرضه لهجمات سكاكين الحزب وازاحته عن القيادة، وهذا ما يخطط له البعض هناك من الآن بصورة مفصلة. أما العقبة الثانية فهي ان العمل لا يملك طابعا معارضا حسب تجربته، وقيادته ليست معتادة على الجلوس في صفوف المعارضة وخوض معاركها. ومن هنا قد يغرق الحزب أكثر فأكثر هناك وربما قد يختفي كليا.
كاتب في معاريف عمان الجزيرة خاص
|