Sunday 19th January,2003 11070العدد الأحد 16 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

د. سمير سرحانفي أثينية الخوجة د. سمير سرحانفي أثينية الخوجة
يماني والقرشي والجفري وعوض الله وأبو العلا يشاركون في الاحتفاء

* جدة - صالح عبد الله الخزمري:
بعد توقف خلال شهر رمضان المبارك استأنفت اثنينية الشيخ عبد المقصود خوجة نشاطها وذلك مساءالاثنين 10/11 بدار الشيخ العامرة بمدينة جدة.
حيث كرمت احد الرموز من ارض الكنانة د. محمد سمير سرحان رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب وحضرها لفيف من الادباء والمثقفين ومحبي الادب والثقافة.
وفي بداية الندوة استمع الحضور الى تعريف بالدكتور محمد سمير سرحان وسيرة ذاتية لحياته واسهاماته في مختلف المجالات الثقافية التي اثرت تأثيرا ملموسا في تطوير الوعي العربي وما شهدته حركة النشر منذ ان تولى الدكتور سرحان رئاسة الهيئة العامة للكتاب من تطور في الكيف والكم.. واستعرض مذيع الندوة اعمال الدكتور سرحان الرسمية ومؤلفاته في النقد والادب والمسرح، وتواصله مع المثقف العربي من خلال القوافل والمهرجانات الثنائية، كما نوه بالمجلات الادبية والثقافية والنقدية التي صدرت تحت رئاسته:
يسعدني ان نلتقي مجددا، ويلتئم شملنا بعد ان من الله علينا بصيام وقيام شهر رمضان المعظم.. وما تلاه من ايام فرح، وسرور.. وللأسف تكدرت فترة الراحة والاستجمام بفقد علم من اعلام وطننا الحبيب، معالي الوالد الشيخ عبدالله بلخير، شاعر الامة، وشاعر الملاحم العربية والاسلامية، وبوفاته تجرعت غصص اليتم للمرة الثانية بلا مراء.. فقد كان رفيق درب والدي رحمهما الله وصنوه في تأليف كتابهما المعروف وحي الصحراء.. تغمدهما الله بواسع رحمته وجميل رضوانه.. وبالرغم من تشرفي بمرافقة معاليه خلال جزء كبير من مسيرته العملية والادبية، الا انني لم اتمكن من تسجيل او تدوين بعض احاديثه الماتعة.. فقد كان رجل مجالس ومحدثاً من طراز فريد، واعلم ان غيري ممن اهتموا بمسيرة معاليه لم يتمكنوا كذلك من توثيق الكثير عنه، وبقيت شذرات وذكريات عالقة لدى بعض اخلص مريديه، وكم اكون شاكرا وممتنا تلطفهم بالمساهمة في احياء «اثنينية» خاصة بذكراه العطرة علنا نسجل من فيئها بعض ما تحفظه الذاكرة، حتى لا يذهب مع الايام في محاولة لتوثيقه عسى ان تفيد منه الاجيال القادمة، ويبقى شاهدا على عبقرية رجل كان ملء السمع والبصر.. والدعوة مفتوحة لكل من لديه اضافة واضاءة يود تدوينها في هذا السياق.
الاحبة الافاضل.. يسعدني ان نرحب ونحتفي في هذه الامسية بالاستاذ الدكتور محمد سمير سرحان، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، الذي تفضل مشكورا بتلبية دعوتكم، رغم ازدحام برنامجه، فهو في وسط معمعة الاعداد لمعرض الكتاب الذي يقام سنويا في القاهرة، وسيتم افتتاحه بمشيئة الله يوم 20 يناير 2003م ومسؤولية ضيفنا الكريم كما تعلمون لا تنحصر في الاشراف المباشر على كل صغيرة وكبيرة تتعلق بذلك الملتقى الكبير.. بل تتعدى ذلك لتشمل جميع ما ينبثق عنه من احداث ثقافية متنوعة، واستضافة اكثر من ثلاثة آلاف ناشر عربي ودولي.
ومع هذا التحدي المتجدد، تحامل استاذنا الدكتور على نفسه، ليشرفنا بهذا اللقاء المانع.. وتلك من شيم الكبار الذي يتعبون انفسهم، ويضحون براحتهم، من اجل خدمة القضايا التي يؤمنون بها ويذودون عن حياضها، وهل من قضية اكبر من الثقافة والفكر، ووعائهما الازلي «الكتاب» بكل ما يعترض طريقه تأليفا.. ونشرا.. وتوزيعا.. على امتداد الوطن العربي؟
اننا اذ نحتفي بضيفنا الكبير، فلابد ان نتطرق الى ثلاثة محاور في مسيرته الثقافية المميزة.. اولها بداياته الابداعية في مجال المسرح، ذلك القابع في اعماق اي حركة تنويرية ثقافية، بما يحمله من خط رفيع بين واقع الحياة بكل زخمه ومفرداته التي تهم المتتبع لعطاءاته المتنوعة.. والوهم الذي يغلف تلك الحياة فيخرجها من وتيرتها العادية الى فضاءات رحبة من الابداع الثقافي والفكري الذي يجمع خبرات المؤلف وكاتب السيناريو والمخرج وطاقم الصوت والاضاءة وغيرها من المؤثرات التي تشكل في مجملها عالما خاصا تعج به كواليس المسرح ليمنح المتلقي في النهاية جرعة قد يتفق او يختلف معها لكنها تبقى عاملا مؤثرا في حياته الحقيقية التي يصطدم بها كل يوم.. وضيفنا الكبير له بصمات مشهودة في هذا المجال كمؤلف لعدة مسرحيات صبغت المشهد المسرحي بافكار ناصعة.. غير ان ذلك المد قد توقف لاعتبارات من اهمها تحول جانب كبير من المسرح المصري في حقبة ما بعد الستينات عن خطه الجاد فاتجه الى مجال مختلف اعتقد انه قلص من دوره الريادي في الحركة الثقافية.. فحول ضيفنا الكبير طاقته الفكرية الى ما يمكن ان نسميه المحور الثاني في حياته.
هذا المحور يتمثل في تفانيه غير المحدود في خدمة قضية الثقافة والفكر عن طريق قناة الهيئة المصرية العامة للكتاب التي تجند كل طاقاتها سنويا لادارة وانجاح معرض الكتاب الذي تفخر به مصر ومعظم الدول الشقيقة والصديقة.. ولاشك انها تظاهرة تحظى بمتابعة واهتمام بالغين من قبل كل المهتمين بالشأن الثقافي على امتداد الوطن العربي، وحتى الدول غير العربية تجد في معرض القاهرة للكتاب واحة تستطيع من خلالها رصد ومتابعة الحركة الثقافية في الوطن العربي، ومن خلالها تجتهد في دراسة الاتجاهات والافكار السائدة في المجتمع وانعكاساتها على الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وفي تصوري ان معرض الكتاب القاهري يحتاج الى اذرع عديدة في كل العواصم العربية.. بحيث يمكن نقله بعد انتهاء فعالياته بالقاهرة الى بقية العواصم ليزدهر الكتاب ولو لايام معدودات في كل بلد، لان كثيرا من محبي الكتاب لا يستطيعون السفر الى مقر المعرض الرئيسي، وأحسب أن من حقهم ان تتاح لهم فرصة الاطلاع على جديد المطابع ودور النشر، وشراء ما يحتاجونه من نتاج حديث.. صحيح ان هناك معارض للكتاب تقام في كل الدول العربية لكنها ويمنتهى الصراحة تفتقر الى كثير من مقومات النجاح، فاذا تضافرت الجهود المحلية في كل بلد لاستضافة معرض القاهرة فان النتيجة ستكون مبهرة بالتأكيد، لاسيما ان هناك تجارب ناجحة بشأن معارض متعددة للمنتجات الاستهلاكية.. فما احرانا بتنظيم معارض للكتاب تكون نبراسا للتقدم العلمي والثقافي والفكري الذي هو اساس كل فلاح.. ويسعدني في هذا المقام ان اهنىء ضيفنا الكبير على الثقة التي نالها عن جدارة واقتدار بتجديد رئاسته الهيئة المصرية العامة للكتاب، بعد ان بلغ سن التقاعد..
ويسعدنا ويسرنا انه ما زال في شرخ الشباب.. وامامه ان شاء الله سنوات طويلة من العطاء المثمر.
اما المحور الثالث فيتمثل في ادارة ضيفنا الكبير بكل نجاح، وتفاديه الجاد لخدمة قضايا الامة الكبرى لتنوير الشباب، الذين هم نصف الحاضر وكل المستقبل، والشاهد على ذلك مشروع «القراءة للجميع» الذي اصبح مكان تقدير واعتزاز من قبل كثير من الدوائر المهتمة بالشأن الثقافي داخل وخارج مصر الشقيقة.
ان التيارات العديدة تسيطر على المنطقة، وتقلب الكثير من القيم والموازين وتحتاج الى تعبئة نوعية تأخذ في الاعتبار الخطط التي تحاك في العلن والخفاء وصولا الى اهداف محددة ضمن فسيفساء النظام العالمي الذي يفرض نفسه بكل قوة.. وضيفنا الكبير الذي قد نتفق او نختلف معه في بعض طروحاته، يمثل رأس رمح في حركة تنويرية شاملة لا يمكن التقليل من شأنها بأي حال من الاحوال، وله رؤيته التي نحترمها، ونتحاور معه بشأنها، لأن الهدف السامي الذي يجمعنا يصب في قناة واحدة هي مصلحة اوطاننا مجتمعة في صعيد واحد ضد هجمات محددة نعلم جميعا مستقرها ومستودعها.
وكما تعلمون فان كل من سعدنا بتكريمه واقتعد مقعده في هذا المنتدى كان عن طريق صيت سبقه وعمل صالح دفع به الى مقدمة الصفوف، فلا انا ولا غيري يضعه في هذا الموضع غير عمله وحقه المكتسب تجاه المجتمع لكي ينصفه ويكرمه بما يستحق ويشد على يده مباركا ما انجز وداعيا لمزيد من العطاء الخير لخدمة الامة.
وفي هذا الاطار فان «الاثنينية» سوف تسعد خلال هذا الموسم.. والمواسم القادمة بمشيئة الله.. بتوسيع فضاءات لقاءاتها لتشمل تكريم بعض المسؤولين عن الشأن العام خاصة ما يشكل هاجسا لا تخلو منه اسرة او ينفك منه مواطن.. بالاضافة الى لقاءات مماثلة مع بعض ذوي الكفاءات المميزة الذين اعطوا الكثير لوطنهم في مجالات لا يتطرق اليها الحديث او قد ينأون بأنفسهم عن دائرة الضوء، فكان لزاما علينا ان نسعى اليهم، ونشد على اياديهم، ونستزيد من فضلهم وعلمهم، ونبلغهم رسالة مجتمع نرجو الا يكون «دقأناً» كما اطلق عليه استاذنا الراحل محمد حسين زيدان «رحمه الله» بل مجتمع يمحض الحب والاخلاص لابنائه الذين يضحون بوقتهم وجهدهم ويكرسون اموالهم وكل غال ونفيس من اجل الاهداف التي يسعون لترسيخها علما وعملا للصالح العام.. فلهم جميعا التحية والتجلة.
أرحب مرة اخرى بضيفنا الكبير، متمنيا لكم وقتا ممتعا وحوارا ثريا تسبرون من خلاله كل تطلعاته وآماله وآلامه.. متطلعا ان نلتقي الاسبوع القادم مع الاديب والقاص المعروف الاستاذ ابراهيم الناصر الحميدان، الذي ظل يحرث ويزرع لسنوات طوال، فجنينا ولله الحمد الكثير من ثمرات عطائه الادبي الخير.. فله في عنقنا كلمة شكر نزجيها له بكل الود والتقدير والاحترام.
والسلام عليكم ورحمة الله.
وكان لمعالي الدكتور محمد عبده يماني مشاركة مقروءة حيث بثت عبر الفاكس وقرئت على الحضور جاء فيها:
سررت بعودتكم بالسلامة، وعودة الاثنينية والحمد لله، وقد سرني ذلك ولكني فوجئت بهذه المناسبة العزيزة، وانا آسف جدا لأنني لا استطيع المشاركة، فقد سبق ان ارتبطت باجتماع في مكة المكرمة، ومن الصعب الانفكاك منه، وكنت اتمنى ان اشارك في تكريم الاستاذ الدكتور سمير سرحان، فهو عزيز على نفسي كثيرا، ورجل علم وادب وثقافة، وكان له منذ البدايات الاولى مساهمات هنا في جامعة الملك عبد العزيز، يوم كنت مديرا للجامعة، وشعرنا جميعا منذ ذلك الوقت ان هذا الانسان يحسن طرح القضايا والحوار، ويفكر بطريقة علمية رائدة، وكان هاجسه دائما ان نتحاور مع الحضارات الاخرى.
وبعد ان غادرنا الى القاهرة، وأقام هناك اخذت اتابع اعماله وابحاثه وخاصة عندما عمل عميدا للمعهد العالي للفنون المسرحية، فقد ساهم في اثراء المسرح المصري ونهضته، وعكف بعد ذلك على الكتاب، واخذ يشجعه ويأخذ بيد كل كاتب وصاحب جهد، ويفتح امامه الطريق، ويشجع ويؤيد، وساهم هو ايضا بمقالات واعية، وابحاث رائدة، وكان مشروع مكتبة الاسرة هو ذلك الجهد الذي نعتز به جميعا، وجاءت تلك الاعمال في مجال الموسوعات ودوائر المعارف شاهدا على بعض انجازات هذا الانسان.
انني ارحب به معكم الليلة، واعتذر عن عدم المشاركة، فهذا الرجل له علينا حقوق كبيرة، ومن حقه علينا ان نكرمه، ولن انسى موقف الوفاء لي ولاخي الدكتور عبد العزيز خوجة يوم كنا نزور معرض القاهرة الدولي للكتاب فقد احسن الترحيب بنا واظهر الحفاوة للقائنا فجزاه الله عنا خيرا.
ارجو من الاخ الكريم د. سمير سرحان قبول اصدق التهاني، واقولها كلمة حق انه رجل علم وثقافة وادب، ورجل يؤمن بالحوار واحترام الحضارات الاخرى، وضرورة الالتقاء والتحاور فيما بينها، فله منا اجمل تحية ومعذرة لاخي الاستاذ عبد المقصود خوجة، فقد جاءت الدعوة في آخر لحظة مفاجأة لي ولم اتمكن من الحضور.
وكان للشاعر الكبير حسن عبد الله القرشي كلمة قال فيها: انني سعيد كل السعادة ان التقي بكم في هذه الليلة المباركة التي يكرم فيها علم من اعلام الادب، ومفكر من خيرة الادباء، واوفرهم سخاء في مجال العطاء الفكري الثقافي سعادة الاستاذ الكبير الدكتور سمير سرحان من قبل الصديق الشهم الذي يعرف الفضل دائما لاهل الفضل الاستاذ المحسن في فعله ونبله «عبد المقصود خوجة».
تربطني ايها السادة صلة صداقة عميقة بالاستاذ الكبير سمير مدتها اكثر من ثلاثين عاما موفورة الخصب حافلة بالنمآء، موصولة بالحب والاخاء.
والاستاذ الدكتور سمير شخصية معروفة ومرموقة في شتى الاقطار عربيها واجنبيها ويكفيه انه ابن الكتاب في الديار الحبيبة جمهور مصر العربية، حيث تبوأ فيها منصب «رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب» منذ زمن طويل، فأصبحت هذه الدار في عهده مؤسسة كبرى وارفة الاغصان حلوة الثمار اخرجت آلاف الكتب والمطبوعات الثقافية، وانتجت «معرض الكتاب»، الذي يؤمه في كل عام جمهرة كبرى من رجالات الفكر والشعر والادب والثقافة والسياسة يخصبون دنيا الفكر عموما بما وهبوه من علم وثقافة في شتى فنون المعرفة ليصبح لهذا المعرض دوي في الاذهان يتجدد كل عام بما يفيضه من ألوان الفكر وبما يوزعه من آلاف الكتب والموسوعات وكل ما يمت اليها وما يدخل في نطاقها.
كما ان لهذا الاديب العالم الجاحظي الثقافة العديد من المؤلفات في مجالات الادب والنقد والمسرح: كما انه نشر الكثير من الكتب في نطاق منصبه لكبار المفكرين والادباء. والدكتور سمير سرحان عبقرية متنقلة في سائر البلاد متصفة بسمر الفكر وسمو الاخلاق معاً جديرة بكل حفاوة وتقدير قمتة بكل اكبار وتكريم.
فمرحبا به وأهلا في رحاب اخيه الحفيّ عبد المقصود خوجة في هذه الليلة المزهرة وفي هذا الحضور الكريم المضمخ بعطر الثقافة وعبقها الفياض، واشراقاتها المتألقة.
واورد فيما يلي بعض أبيات شعر في مصر العزيزة تكريماً لابنها البار الغالي الدكتور «سمير سرحان»:


يا مصر يا أم المكارم والعلا
لك في النفوس مودة لا تهرمُ
روحية الاسلام انت رجاؤها
ومناط آمال تعز وتكرمُ
لك بين اسفار الجهاد صحائف
ريع الجبان لها وهش الضيغمُ
أنشودة كم نغمتها عصبةٌ
تطأ الصعاب بعزمة لا تهزمُ
شعب العروبة انت كم قلدتها
عقدا بحبات القلوب ينظمُ
ارخصت في اقدامك الثمن الذي
هو للمعالي مهرها المتوسمُ
وسميريَ المفضال نجم باهر
فذُّ به دنيا العلى تترنمُ
فترقبي منه صباحا زاهرا
فهو الذي بعلو مجدك يحلمُ

فيما القى الكاتب الاستاذ عبد الله الجفري كلمة بهذه المناسبة جاء فيها:
* في عمق شتاء الروح المتدثرة اليوم بالصمت والرجفة .. اثارت وحدتي دعوة هذا الرجل عاشق الاحتفاء بالمبدعين، عبد المقصود خوجة، لتكريم فلاّح الثقافة في حقل «الهيئة المصرية العامة للكتاب» الذي تعهد كل عام باسم وطنه القيام بسقيا وري: الشعر، والرواية، والقصة، والمسرحية، وابداع الفكر العربي سمير سرحان!
وهذا الفلاح الثقافي: صديق مفتوح كالجرح في خاصرتي.. وجرحه هو جرحي كلما تذكرنا معا موسم الشمس في ثمالة الليالي التي تجمعنا ونحن نستسلم فيها لابعاد ما كان يقهقه به الشاعر كامل الشناوي رحمه الله وتتواصل قهقهاته حتى البكاء والنشيج .. فيقول:


حسبنا ما كان، واهدأ هاهنا بين ضلوعي
واحتبس خلف الحنايا
لا تثر لي ذكرياتي
انها قد شيبتني .. شيبت حتى صبايا

وفي كل مرة: انتظر هذا «الفتى» هناك حيث اجده « على «مقهى الحياة» هاربا من مدن تثير الغبار، واشواقه تستدير انعتاقا كهذا الزمن الذي صارت فيه مشكلة الحقل: شح المياه، ومشكلة العقل: شح الفهم، ومشكلة الانسان: شح الخفق الدافىء.
* اذن.. استأذنكم وصاحب «الاثنينية» المشرعة على مبدأ الكتاب المفتوح، لأتحدث عن سمير سرحان الذي طالما اجلسني معه على مقهى الحياة في القاهرة بعد ان جلسنا معا من قبل على مقهى الحياة في جدة يوم كان استاذا في جامعة الملك عبد العزيز في انطلاقة ارتواء القلب من قيمة الحب.
هذا ال«سمير» الممتع حتى في سرحانه حين نكون معا.. يمثل لمشوار الصداقة والاصدقاء في حياتي: بيت الصداقة، وبيت العمر الجميل.. فاذا ذهبت الى مصر ولم اجده: اقفل راجعا.. كأن «النيل» يشيح بوجهه عني، وكأن مسارح القاهرة فقدت دقاتها التي تعلن الافتتاح، وكأن الكتاب اطبق غلافه منعا لقراءته.
وبكل هذا «الوثاق» الذي ربطني به «سمير سرحان» كأنشوطة هدية عيد الميلاد.. ما زلت لا ادري.. من اين اطل عليكم منه وفيه.. من شرفاته، ونوافذه، او من شجرة لبلابه التي تمد فروعها اغصانا نحو وجداننا وفكرنا.
سمير سرحان: تتهم شهادتي فيه دائما بأنها: مجروحة.. لكنها في نفس الوقت - شهادة عقل قرأ له ابداعاته المسرحية واستفاد، وقرأ تحليلاته النقدية.. و(تفطن) وذات يوم كنت اتحدث مع من كان صديقي، الناقد الكبير بحق رجاء النقاش، وهو يدعو الى «فكرة الاقتصاد الثقافي» لأن الثقافة في رأيه.. سلعة رابحة اذا احسن تقديمها، عكس الفكرة السائدة: ان الثقافة خدمة ينفق عليها ثم تخسر».
ولعل جدلي - يومها - طال مع النقاش، لانني اردت ان اطرح عليه امثلة من الواقع في وطننا تؤكد: كيف تم الانفاق على الثقافة ثم خسر من انفق، وكنت اضع امامه «تهامة» مثالا.
وبعد سنوات.. جاء «سمير سرحان» رئيسا لهيئة الكتاب في مصر ليجتهد في تحقيق فكرة «الاقتصاد الثقافي» او اعتبار الثقافة: سلعة رائجة.. ولعل الدكتور سمير سرحان يحدثنا في امسيتنا هذه عن تجربته التي احسبها اثمرت.
* وقبل ان اختم هذا «البوح» الذي اطللت عليكم به، وما زال في وجداني حقل من اشجار واغصان الشجون والشجو عن ضيفنا الليلة.. اود ان اتذكر مع صديقي سمير : تلك النشوة التي شعر بها في السويعات التي جلسها امام من سماه «حكيم الزمان» توفيق الحكيم.. وفي تلك النشوة: احس انه خرج من رحم النور، واقلت من قبضة هذه الدنيا التي صارت تضج بالقتل، والحروب، والتدمير، والتدليس والخداع.
لعلنا - في هذه الامسية - قبل ان تشهق نجمة القمر التي تطارده: يجيئنا ضوء الكلمة من تجربته والمواقف التي انضجته رغم مراراتنا التي نغسلها غالبا ب «لحظة حب» تتبلور خلية للفرح، فلن يستطيع الخريف ابدا ان يمنع عودة الربيع مجددا.
أهلا ب«عمدة الكتاب» في مصر.. وليت للسنين صوتا غير الذكرى وحدها!!
وتحدث د. غازي زين عوض الله قائلا: يسعدني اليوم في هذه الامسية المباركة ان اكون بين كوكبة من رجال الفكر، اتحدث معهم عن فارس الاثنينية وضيفها المقدام.
كما اود ان اشيد براعي الاثنينية الاديب الشيخ عبد المقصود خوجة الذي استطاع بوجدانه العربي العارف لقيمة الابداع ان يدرك دور البيان في صناعة الانسان حيث سارت الاثنينية على مدى اكثر من ربع قرن مؤسسة ثقافية وقلعة فكرية ومنبرا حرا لابداء الرأي والفكر بين طبقة تميزت بفكرها المنير وعطائها المستمر.
واليوم يزداد البدر حضورا واكتمالا وبريقا وتزدان سماء الفكر بنحم النجوم راعي الثقافة العربية والمسؤول عن الكتاب والكلمة الصديق الصافي النقي المبدع الدرامي والناقد العلمي الاستاذ الدكتور سمير سرحان.
تتسامى الكلمات حين تصف هذا العملاق الذي عرفه المثقف العربي بصفة عامة، ونحن في المملكة بصفة خاصة.
هنا جاء سمير سرحان واقام اقساما للغات وقدم المسرح والدراما.
هنا ابدع وترجم وطرح القضايا الاجتماعية فتعلمنا منه كيف نصنع هذا النص الدرامي الحيوي الناطق بصراع الانسان.
هنا تعلمت منه طالبا وصديقا ورفيقا وسميرا لرحلة العمر والعطاء الثقافي.
سمير سرحان هذا الرجل الذي جعل الكتاب عربيا بمعنى الكلمة تتعانق فيه الارواح العربية من الاقطار لتتجاوز الاقليمية وترسم خارطة الفكر العربي بأسلوب شمولي متكامل.
سمير سرحان الذي جعل معرض الكتاب المصري عالميا ينافس المعرض الالماني، ويضارع معارض الغرب والشرق في زهو وحضور باهر.
سمير سرحان الذي جعل الكلمة العربية صوتا له مساحة، وفاعلية في ليالي الفكر القاهرية، حيث تنطلق المشاعر الدافئة في شتاء كل عام، لكي يولد ربيع جديد.
وتكريم عبد المقصود خوجة والاثنينية اليوم لسمير سرحان هو تكريم حضاري للثقافة العربية والعطاء الانساني وهذا هو التكريم المستحق لصناع الفكر واهل البيان.
فشكراً لعبد المقصود خوجة واهلا بسمير سرحان.
وفي نهاية الامسية تحدث الضيف معربا عن شكره لصاحب الاثنينية لما يقدم للثقافة العربية ومثقفيها كما اشار الى ثلاث مراحل من مراحله واصفا اياها بأنها التي ضنعته حتى وصل الى ما وصل اليه فقد تحدث عن تجربته في اول يوم يذهب فيه الى المدرسة بعد ان تخرج من الجامعة ليعمل معلما في احدى المدارس ولكنه لم يستمر فيها الا يوما واحد بعد ذلك تحدث عن موقف استاذه الالماني الذي اشرف عليه ابان تحضير اطروحة الدكتوراة.
كما تناول الضيف تجربة معرض الكتاب الدولي العربي الذي يقام في القاهرة وكذلك المشروع الثقافي وهو اصدار مكتبة الاسرة والتي صدر منها من عام 1994م الى 2002م اكثر من اربعة آلاف عنوان يمثل اربعين مليون نسخة كتاب واربعة موسوعات كبرى.
وختمت الأمسية بقصيدة للشاعر الاستاذ علي حسن ابو العلا جاء فيها:
المدينة المنورة.. مدينة خير الخلق:


مدينة خير الخلق اشتاق أرضها
ويختلج الاحساس ملء كيانِي
معطرة الانسام دوما وحسبها
بها حل خير الخلق من آل عدنانِ
بها يستطيب العيش في كل لحظة
بخير جوار.. في خشوع وايمانِ
اذا جئتها والنور عم ربوعها
وقد فاض منها الطهر في كل أركانِ
تلاقى «قباءً» و«البقيع» وكلها
مآثر للاسلام فاحت بريحانِ
إذا جئت من «باب السلام» محييا
حظيرة خير الخلق فابدأ بقرآنِ
وسلم وغض الصوت عند مقامه
وقل.. يا رسول الله يا خير انسانِ
فأنت شفيع الخلق عند قيامهم
وأنت لنا في الحشر من هول نيرانِ
وسلم على القطبين جيران قبره
تنل كل ما تبغي من الاحسانِ
وبعد بلوغ القصد ردد توسلا
الى ربنا يحميك من كيد شيطانِ
هنالك تصفو النفس مما يضيقها
ويخلو صداها من ذنوب وأدرانِ
وفي «الروضة الغراء» صل بخشية
كأنك في الجنات ضيفا لرضوانِ
وقل.. يا حبيب الله يا خير من هدى
الى البر والاسلام كل زمانِ
اذا زرت في أرض البقيع سلالة
من الآل والأتباع فازوا بغفرانِ
تذكر لآل البيت زوجات من هدى
وأبناءه والتابعين باحسانِ

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved