.. تمثل مسألة السعودة، وتوطين الفرص الوظيفية في شتى القطاعات العامة والخاصة، هاجساً وطنياً، غاية في الأهمية والحساسية عند كافة المواطنين، لأن هذه المسألة، إذا ما أخذناها مأخذ الجد، فسوف نجد فيها من الحلول التي نبحث عنها، الشيء الكثير.. الكثير. فالحلول التي تقدمها لنا على الصعيد العام هنا، لا تتوقف فقط عند حل مشكلة البطالة بين الشباب وكفى، وإنما هي تمتد بآثارها الناجعة، إلى المساهمة في الحلول الأمنية والسلوكية والأخلاقية والثقافية. لأن ظواهر استشرت، مثل السرقات والمخدرات، وما ينشأ عند البعض، من مواقف سلبية تجاه البنية الأخلاقية والثقافية للمجتمع، إنما هو نتاج طبيعي لتفاقم البطالة في صفوف أبناء الوطن، ومما يضاعف من خطر هذا الأمر، تزايد الشعور بالغبن، خاصة عندما تكون مئات الآلاف من الفرص الوظيفية والعملية، مشغولة من غير مستحقيها من السعوديين.
.. هذه نظرة عامة، وفي حالة محاولة البحث عن تفسيرات منطقية لظاهرة ارتفاع معدل الجريمة في المملكة في السنوات العشر الأخيرة، فإن البطالة وحدها تكاد تتصدر الصورة المسببة لكثير من الظواهر السلبية في المجتمع، بما فيها النزوع إلى التشدد والتطرف في بعض المواقف الحياتية اليومية، وفي هذا مدعاة لاستغلال الشباب من قبل المغرضين، وتسخيرهم لخدمة أهدافهم الذاتية بوسائل أقل ما يقال عنها أنها قذرة. والصورة تبدو سوداوية أكثر، إذا عرفنا أن«09/0» من السعوديين- حسب تصريحات لوزير العمل والشؤون الاجتماعية- عاطلون من العمل، أو بمعنى أوضح، لا تتوفر لهم الفرص الوظيفية والعملية التي تحقق لهم الانسجام الحياتي وسط مجتمعهم، وأن من بين أكثر من ستة ملايين مقيم من غير السعوديين في المملكة، مليونين، بدون عمل واضح مشروع..!
.. إن المتتبع لخطوات تنفيذ برنامج السعودة على كافة الميادين، لا يسعه إلا المناداة ببذل المزيد من الجهود في هذا الاتجاه، ثم العمل والمثابرة، على تفعيل آلياته، والتسريع في تنفيذ خطواته، لأن مصلحة الوطن والمواطنين، تتطلب ذلك وتلح عليه.
.. وفي سياق هذا البرنامج على مستوى المملكة، لفت نظري ذلكم التقرير الذي نشرته صحيفة«الجزيرة»، بعددها يوم الاربعاء الموافق لليوم الثامن من شهر يناير الحالي 2003م، وهو صادر عن«اللجنة العليا للسعودة بمنطقة الرياض»، وفيه من الأرقام والنسب ما يبعث على الارتياح، وما يدعونا لطلب المزيد والمزيد من منطقة الرياض، وكذلك من بقية المناطق، فإذا كانت منطقة الرياض بما نشرته مؤخراً، من إحصاءات ومعلومات عن جهودها في تنفيذ مخطط السعودة، تعد رائدة في هذا العمل الوطني، فهي كذلك من وجهة نظري، ذلك«النموذج» الذي ينبغي أن يحتذى به في كافة المناطق في المملكة، فما أحوجنا اليوم، إلى إظهار الشعور بوطنية هذا القرار، وإلى إبراز روح التصميم المدعوم بحزم السلطة، والمعزز بعزم الرجال المنفذين لهذا المخطط، وأن نرى هذا، في كل امارة ومحافظة ومركز، وفي كل جهة عامة كانت أو خاصة، وحتى ينسحب هذا الشعور الدافىء بصورة عامة، فيؤمن الكل بوطنية هذه الجهود، وأحقية أبناء البلاد بفرص ووظائف بلادهم.
.. لقد حققت«منطقة الرياض» بدون أدنى شك، نسباً عالية وسارة، في كثير من المناشط الخاصة، شملت «2330» محلاً للخضار والفواكه، حيث وفرت بذلك،«4660» فرصة عمل للسعوديين، إلى جانب توفير فرص أخرى في مناشط عديدة مثل: «الأثاث والذهب والملابس والمفاتيح والحراسات والعقار»، وغيرها. وأمامي في هذا التقرير، جدول مختصر، لما تم إنجازه في هذه المنطقة، اطلعت عليه، ثم دعوت الله مخلصاً، أن أطلع في القريب العاجل، على اثني عشر جدولاً مماثلاً من المناطق الأخرى، لكي يطمئن قلبي كمواطن، على سير العمل في آليات سعودة الوظائف، وجهود توطين الفرص المهنية لشبابنا، في كافة المناطق، فهذا هو الجدول، الذي يمثل نسب ما تحقق على صعيد السعودة في منطقة الرياض:
1- مباسط الخضار والفاكهة في العاصمة«95%».
2- مباسط الخضار والفواكه في المحافظات«100%».
3- محلات الأثاث المستعمل «95%».
4- مباسط الملابس النسائية والإكسسوارات «69%».
5- محلات الذهب في العاصمة«53%».
6- محلات الذهب في المحافظات«60%».
7- محلات قص المفاتيح«50%».
8- الحراسات الأمنية«80%».
9- أسواق الأعلاف والأغنام والإبل«80%».
.. هذا إذن.. مؤشر مهم، يبعث على الأمل، ولأن منطقة الرياض بقيادة الأمير سلمان بن عبدالعزيز، هي صاحبة الريادة في قيادة هذه الجهود المباركة، وهي صاحبة السبق، في ميدان كشف نشاطها بأرقام وإحصاءات، فهي قبل غيرها، تستحق الشكر والثناء، على ما بذلته حتى اليوم، والأمل معقود على ما هو منتظر منها في المستقبل، وذلك حتى تكتمل حلقة «السعودية للسعوديين»، ليس على مستوى المناشط الخاصة فقط، وإنما على الصعيد العام أيضاً، ذلك أن فرصاً وظيفية في بعض الدوائر والمصالح العامة، لا يستهان بعددها أو بمكانتها، هي اليوم مشغولة بمتعاقدين من غير السعوديين، وهذه صورة غاية في السلبية..! لأن من يسعى ويعمل لسعودة الوظائف، ينبغي عليه أن يطبق هذا المبدأ على نفسه أولاً قبل غيره، ونحن نعرف كم من الوظائف مشغولة بغير مستحقيها من أبناء الوطن، في جهات كثيرة محسوبة على القطاع العام، وفي مقدمتها على سبيل المثال، المساجد، وخاصة تلك التي تدار من قبل أصحابها، ثم جماعات تحفيظ القرآن ومدارسها، والجمعيات الخيرية، وفي جهات بلدية وزراعية وصحية كثيرة، إلى جانب كم كبير من القطاعات الخاصة، مازالت بعيدة عن آلية السعودة، مثل مكاتب السفريات، ومكاتب العقار، وخدمات السيارات والنقل، ومحطات الوقود، والمكتبات التجارية، والمطاعم والأسواق العامة، والمدارس الأهلية.. إلى غير ذلك كثير مما ينبغي حصره بدقة، وشموله في آليات التنفيذ حسب الأولوية، ثم مراعاة مسألة التستر تحت مظلة رسمية أو أهلية في هذه الجهة أوتلك، ويمكن أن ينظر إلى عمليات التستر، وإلى نسبة البطالة بين العمالة الوافدة في البلاد، من زاوية أنها تشكل عاملاً مشتركاً بين مزاحمة السعوديين في أرزاقهم بأقل الأجور من ناحية، ومساهمتها غير الخافية، في توطين الجريمة، وتأصيل وتنظيم أساليبها المختلفة.
.. لقد حان الوقت، لكي نعمل بقلب واحد، وشعور واحد، تحت شعار:«السعودية للسعوديين».. وأن نستلهم من تراثنا قول أجدادنا الأماجد، الذين أسسوا لهذا البنيان قبلنا فقالوا:«ما يبني في البير.. إلا حصاها»..!
FAX 027361552
|