تحدثت وسائل الإعلام المختلفة عن تلك الحملة التي يثيرها ويتزعمها عدة أشخاص في أمريكا، أمثال الكاتبة ارينا هوفينجتون، ولوري ديفيد وزوجها لاري ديفيد، بالاضافة الى منتج الأفلام لورنس بيندر، وآري ايمانويل، تلك الشخصية الشهيرة في مجالات الاعلانات وكلاهما من نجوم هوليوود، للترويج للحملة واعطائها زخماً بين الجمهور، تحت اسم «مشروع ديترويت» ويدعو ذلك المشروع الذي تروج له الحملة، الى مقاطعة استخدام السيارات الرباعية الدفع ذات الاستهلاك العالي للوقود بدعوى تحول أموال ذلك الوقود الى المملكة العربية السعودية لتمويل الارهاب.
والذي يهدف ببساطة الى الحيلولة من دعم الاقتصاد السعودي وبالتالي الحيلولة من دعم ما يسمى بالارهاب حسب وجهة نظر تلك الحملة...
لاشك ان هذا الأمر مثير للسخرية فهل السعودية تبحث عن أسواق عالمية لتبيع بترولها؟ وهل البترول سلعة يدلل عليها أصحابها، ويمكن أن تبور؟
لقد كان للعالم تجربة سابقة مع ذلك منذ ثلاثة عقود، يوم ركب المسؤولون في الغرب الدراجات ليذهبوا الى مكاتبهم، والى يومنا هذا تحرص الدول الغربية في تاريخ تلك المناسبة من كل عام، على عرض فيلم وثائقي، يظهر فيه المسؤولون في الغرب وهم يركبون الدراجات، ويتحدثون في الفيلم الوثائقي عن يوم استعملت فيه السعودية سلاح النفط، وأتذكر كل صيف في فرنسا أشاهد على القناة الفرنسية الأولى ذلك الفيلم الوثائقي.
وما يدعو للسخرية أيضا أنَّ هؤلاء لا يمتلكون ولا الحد الأدنى من المعرفة بأسواق النفط العالمية التي تعتمد على السعودية في استقرار أسعار النفط، واستقرار أوضاع السوق العالمية. وهؤلاء لا يمتلكون ولا الحد الأدنى من المعرفة بشؤون الاقتصاد الأمريكي، الذي تعتبر أسواق المملكة من أهم دعائمه، ومن أكبر أسواقه، من أول المواد الغذائية والتوكيلات بأنواعها الى الآلات الكهربائية والسيارات نهاية بالأسلحة والطائرات، كما يقول المثل «من الإبرة.. الى الطائرة»، فمن يمكن أن يهدد من..؟
وعن أي ارهاب يتحدث الأمريكان؟ وهم من عاشوا أكثر من ستة عقود في المملكة العربية السعودية منذ ظهور البترول، آمنين على نفسهم وأعراضهم ومالهم أكثر مما يحظون في بلادهم، فهل وجد أحد منهم يوما عنفاً أو ارهاباً يمارس عليهم؟ ألم نحترم خصوصياتهم ونفتح لهم الأبواب.. فلم يروا منا سوى كل الخير والكرم والطيبة وحسن الضيافة؟! فكيف يتم التنكر لكل هذا التاريخ الطويل معهم؟ فنحن لم نظهر فجأة على خارطة العالم بعد 11 سبتمبر، بل لنا تاريخ طويل مشرِّف شاهد علينا، يعد رمزاً للسياسة الحكيمة والمتزنة ومليء بالمواقف المشرفة ولنا سجل انساني فريد مليء بالمواقف الانسانية وحافل بأكبر أنواع الدعم المادي والمعنوي اتجاه جميع القضايا العادلة في العالم.
فهل ما يقال عن تورط 15 اسما سعودياً في أحداث 11 سبتمبر، يدين الشعب السعودي أو المملكة؟هل 15 فرداً يمثلون الشعب السعودي الذي قوامه 18 مليون نسمة وهل حمل جوازات سعودية لهؤلاء يؤكد ان جميعهم سعوديون؟ ألم يوجد بينها جوازات مسروقة لأشخاص لم يغادروا المملكة ولم يذهبوا لأمريكا في حياتهم وتم التأكد من ذلك واعلانه للعالم أجمع، إذاً هناك من يحرص على ان يجعل المملكة وشعبها متورطاً في الأمر.
لماذا لا يواجهون الحقيقة التي واجهها الشرفاء والمعتدلون في الغرب أمثال «تيري ميسان، وتوم بولين وبروس أكرمان، وجون بلجر، وفريد زكريا، وادوارد سعيد.. وغيرهم..» من الكثيرين الذين أعلنوا صراحة مواقفهم من أحداث 11 سبتمبر ومن خلفيات الحدث والجهات التي تقف وراءه، ومن هم أصحاب النفوذ والأيادي الطائلة داخل أمريكا لتنفيذ أحداث بحجم 11 سبتمبر وعلى ذلك النحو من الدقة؟ ومن المستفيدون أولاً وأخيراً منها..؟إن إشعال الحملات الاعلامية من وقت لآخر ضد المملكة غاياتها وأبعادها معروفة.. فالاسلام هو المقصود من قبل ومن بعد، والمملكة لمكانتها في نفوس المسلمين ولكونها رمزاً للاسلام والمسلمين، فمن يريد محاربة الاسلام والنيل منه فليذهب الى عقر داره.
إن هذه الحملات الاعلامية المشبوهة من وقت لآخر لم ولن تحقق مبتغاها يوما ولن تنجح سوى في شيء واحد فقط، وهو حشد المزيد من مشاعر الغضب والكراهية من العرب والمسلمين اتجاه أمريكا.
لا يريد الغرب ان يواجه حقيقته.. وحقيقة قصور نظرته للآخر عندما يكون مختلفاً عنه أو يخالفه الرأي ولم يروا تحيزهم الذي يفتقد لأبسط قواعد العدالة، ومبادىء الديمقراطية، في تناولهم لقضايا العالم العربي والاسلامي والتفاعل معها وعلى رأس ذلك القضية الفلسطينية، وما صدر بشأنها من قرارات في مجلس الأمن ولم تنفذ منها اسرائيل شيئا، الى جانب الفيتو الأمريكي الدائم لحمايتها، ولم يرَ تجاوزات اسرائيل داخل الأراضي المحتلة والمجازر التي تنفذ على مرأى ومسمع من العالم.
فما زال الغرب لا يريد أن يرى العالم الاسلامي إلا من خلال منظار المركزية الأوروبية، الذي يستمد رؤيته الأساسية من العصور الوسطى، مصرا على التصادم مع ثقافاتنا وحضاراتنا محاولا الانتقاص منها، رافضا الحوار، بالرغم من الادعاءات الكاذبة بعكس ذلك..فالغرب لا يريد ان يرى العالم العربي والاسلامي سوى متهم بأنه ضد الحداثة وأنه من أعداء الديمقراطية وحاقد على العلم والانجازات التكنولوجية، ورافض للحضارة الغربية وفي النهاية.. ارهابيون. ويتناسون عن عمد حقيقة كوننا جزءاً فاعلاً في الحضارة البشرية قديما وحديثا، وما زال يواصل منظرو الفكر الغربي الحديث، كيل الاتهامات للاسلام والمسلمين، وللهيئات الخيرية والانسانية، لمحاصرة جميع الجهود الخيرة التي تخدم الاسلام والمسلمين في العالم، وتتهمهم بدعم الارهاب، حتى رجال الأعمال والأثرياء وأصحاب المؤسسات الضخمة لم يسلموا من الاتهامات بدعم الارهاب، حتى يستولوا على ثروات الدول وحتى الأفراد فيها..لتظل القضايا مع الاسلام ساخنة على الساحة الدولية، ويظل السلاح الأمريكي يستعرض عضلاته، في فلسطين المحتلة على أيدي الصهاينة، كما استعرض عضلاته في أفغانستان، ويهيىء لاستعراض عضلاته في العراق وتهدد أمريكا باستخدام السلاح النووي في ضرب العراق علانية دون حرج أمام المجتمع الدولي.. وغداً أي حلبة جديدة في عالمنا العربي والاسلامي، ستختار أمريكا لاستعراض تلك العضلات...؟إنهم العرب والمسلمون وحدهم من يجوز ضربهم في أي زمان ومكان، وبأي سلاح إن كان، حتى إن كان محرماً دولياً، وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع، لأنهم لا يستطيعون حتى أن يغضبوا.. ولا أن يثأروا لكرامتهم.. ولو الحد الأدنى من ذلك!!...
فاكس 6066701-02/ص.ب 4584 جدة 21421
|