أيها الإخوان.
أشكركم على تجاوبكم في تلبية الدعوة لهذا المؤتمر الذي أرجو أن يحقق أهدافه وأرحب بكم وأثني على جهودكم وأرجو أن نلتقي دائماً في مثل هذه المناسبات التاريخية المهمة.
أيها الاخوة: لقد أكرمنا الله بالإسلام عقيدة وشريعة ودستور حياة، وأوضح لنا من خلاله ما لا يحصى من المفاخر والمحامد، ولست هنا في معرض الحديث عن فضائل شريعتنا الخالدة فهي واضحة وملموسة يشهد بها أعداء المسلمين ومنافسوهم. لكنني أود أن أتحدث بإيجاز عن احترام الشريعة الإسلامية للعمل ومحاربتها للاتكالية والبطالة، فلقد جاءت نصوصها واضحة صريحة في الحث على الكسب المشروع عن طريق العمل.
فقال تعالى: {وجعلنا النهار معاشاً} وقال تعالى { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ}، وقال صلى الله عليه وسلم: (لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه) ونوه بأن أفضل كسب المرء ما كان من عمل يده وكان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وصحابة رسول الله يعملون بأيديهم لكسب معيشتهم (ورعى رسول الله غنماً لأهل مكة بالقراريط) وكانت منزلة الرجل تتوقف على عمله.. وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا رأى رجلاً فأعجبه سأل عنه (هل له حرفة. فإن قيل لا.. سقط من عينه) وانطلاقاً من هذه الحقائق الواضحة تسعى المملكة العربية السعودية بقيادة الفيصل المفدى وهي تعتمد على الشريعة الإسلامية في أمور دينها ودنياها إلى توفير كل الضمانات وتيسير أفضل الأحوال للعامل ورب العمل وهو ما جاءت التنظيمات الأخيرة محققة له.
فالخطة التي تسير عليها بلادنا في رسم سياستها الاقتصادية خطة تستهدف أول ما تستهدف السير قدما بخطى ثابتة مطمئنة نحو مستقبل أكثر إشراقاً، متطلعة إلى كل ما يكفل خير المجموع من رفاهية وعدل واطمئنان وذلك في إطار المبادىء الإسلامية التي يجب ألا نتعداها آخذين في كل خطوة نخطوها هذا الاعتبار وبأن بلادنا دينها الإسلام ودستورها القرآن، ودين الإسلام نظّم حياة الأفراد في المجتمع تنظيما فيه كل الخير لمن تمسك بأهدابه وأناط بولي الأمر أموراً كثيرة يرعى من خلالها مصالح العباد.
واعتباراً لهذا التقدم الملموس في شتى المجالات الذي واكبه انخراط أعداد هائلة من الأفراد في سلك العمل إلى جانب أولئك الذين قدموا من بلادهم ليجدوا مجالا رحبا في بلادنا للعمل ولما نشأ عن ذلك كله من الحاجة الملحة الى إيجاد نظام يعرف الأطراف. فاستحدث مؤسسة عامة للتأمين ونظم بادئ ذي بدء نوعين من فروع التأمين هي فرعا الأخطار والعجز والشيخوخة.
وكانت فكرة النظام من ذلك أن يضمن نوعاً من المعاش الذي يدفع للمصاب أو العامل المسن لكي يكفل للمؤمن عليه بعد انفكاكه من العمل لأحد هذين السببين حياة مستقرة مستبدلاً ذلك بما كان عليه النظام السابق من دفع مبلغ مقطوع في حالة الاصابة للعامل أو ورثته وقد لا يكون لديهم القدرة على استثماره الاستثمار المنتج مما يجعلهم بعد فترة وجيزة بغير مورد، أما وقد تكفلت الدولة عن طريق هذا النظام بدفع معاشات للمؤمن عليه أو من يعولهم في حالة وفاته فإن ذلك يضفي نوعاً من الاستقرار والطمأنينة للمؤمن عليه والذين يستمر الدفع لهم في حالة وفاة عائلهم حتى بلوغهم سن الرشد بل قد تصل السن إلى بعد ذلك في حالة الأبناء الذين يزالون يواصلون دراستهم وبالنسبة الى الأنثى لحين زواجها كما يدفع لها عند الزواج مبلغ مقطوع يكون عوناً لها في بناء بيتها الجديد.
هذا بالنسبة إلى المؤمن عليهم، أما بالنسبة إلى صاحب العمل فقد كان يفاجأ بمخاطر العمل التي لا تكون في حسبانه وينتج عنها اصابة بعض عماله اصابات يتكبد بسببها مبالغ طائلة لتعويض اصاباتهم وتكاليف مداواتهم ومعاش فترة العلاج ولمدة عمل كامل مما يكون في كثير من الأحيان ما لديه من موجودات لا تفي بما عليه من التزامات.
وهذان النظامان بمراعاتهما طرفي العلاقة ينتنج عنهما بالضرورة حفظ الكيان الاقتصادي من أي اهتزاز بسبب اغلاق مؤسسة من المؤسسات الاقتصادية مثلاً لعجزها عن الوفاء بما عليها من التزام،
وقد راعى كل من النظامين وجوب حسن تطبيقهما بما فرضا من عقوبات لمن يخالف أحكامهما، ذلك أن المجتمع أي مجتمع يكون فيه من الأفراد من يحاول الانحراف بتنفيذ الأنظمة ما لم يكن هناك رادع يردعهم عن التمادي في ارتكاب المخالفات، وقد وردت نصوص العقوبات لكي تكفل عدم تجاوز أحكام النظام من الأفراد الذين تجعلهم طبائعهم في مواقف يخالفون معها أحكامه.
وفي الجملة فإن هذين النظامين بما احتوياه من أحكام جاءا لتلائم احتياجات البلاد ولتكون متمشية مع سياسة العامل لهذا البلد الأمين، وجاءت ثمرة من ثمار السياسة الحكيمة التي اختط نهجها القويم صاحب الجلالة الملك المعظم بسهره على مصالح أفراد شعبه الوفي.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
|