حينما تكون التجربة والخطأ أو الملاحظة والتقدير هي السمة البارزة لاتخاذ القرار والصدور عنها إلى الحكم على الأشياء من حولنا دون التزام المنهج الاستقرائي والنبراس الموضوعي الحاكم، بل الأدهى من ذلك هو تهميش تلك المبادئ التخصصية وإغفال تحكيمها؛ ظناً بأنه بمقدور الشخص التشريع التنفيذ عن دراية أو خبرة استقرائية مختزلة..!
حينما تسيطر تلك النظريات على الحس والعقل فحينها دون مواربة تسود العشوائية الارتجالية ويصبح الكل مفوضاً في الحكم، وصياً في التدبير غير مسؤول عن تعبته حتى تتلاشى المبادئ في ظل النظريات النازية بل الأدهى من ذلك التذرع بالانعتاق من المركزية؛ لتصبح الأنصبة كحال المستجير من الرمضاء بالنار! تحت شعار «الكل يجرب» ناهيك عن تفاقم تلك السلبيات في قضية مصيرية حاسمة.. كميدان التربية والتعليم لتدفع الذاتية في صدر الموضوعية مبجلة الأسماء والألقاب على حساب المعاني الراسخة الداحضة للشبه والمبنية على قياس سليم و منمهج واضح وأساس متين.
ولن أستطرد أيها الأحبة في بيان الآثار المترتبة على تبني ذلك المنهج الارتجالي الآنف الذكر وتهميش ما عداه بيد أني ألتفت ببصائركم إلى أحد ملامح اللائحة الجديدة لتقويم الطالب في الصفوف الدنيا في المرحلة الأم الأساس تلك اللائحة الجديدة لتقويم الطالب في الصفوف الدنيا في المرحلة الأم الأساس تلك اللائحة التي إنما أتت لتسمو بأطفال ذلك الصف إلى غاية مطمحها، ونبيل مطمعها، أتت لتنقذ الزهرة من الذبول، أتت لترفع عن التلميذ حرج البيروقراطية، ورتابة الروتين، وصممية التلقين، وسلبية الانغلاق الخانق للمواهب والأفكار، جاءت لتخلص المجتمع من الصور الكربونية و«الاستنساخ» الممقوت، لتلجم صوت الببغاوات الجوفاء؛ لينفتح على إثر ذلك باب للحوار والنقاش، والأخذ والعطاء، دلفت في عقر تلك الصفوف لتخلص من ر كام الأيام، وترسبات السنين.
لتبعث الإبداع في جو من الإمتاع، كان من أسبابها إبان إنبثاقها أن تجهض وحدة المنهج السلبي القديم، الذي أكل عليه الدهر ولم يشرب حتى غصّ به! ولا تزال تغذ السير إلى غاية قصدها حينما تغرس في مدارك كل طفل جملة من المهارات والقدرات المعرفية المقننة؛ لتهيمن على حواسه وعقله وفكره، لتكون الموجه الخفي لسلوكه وتعامله قولاً وعملاً.
عندها يقفل الطفل على قدمين راسختين يفكر بصوت مسموع، عندها تنداح أمامه أبعاد وآفاق لم تكن في الحسبان، عندها تتراءى خواطره وأحاسيسه أمام عينيه بأخيلة علمية منظمة، قوامها وهج عقله، واتقاد ذهنه، ونور فكره.
بفضل الله ثم بفضل المعالجة الدقيقة الموضوعية التي تترسمها تلك الطريقة الجديدة. بسطت يديها ليتخرج عليها المبدعون والموهوبون، لتبني القدرة على التكيف والتوازن، لتشخص وتقيس القدرات العقلية الضرورية للإحاطة بتلك المهارات المختلفة.
أخذت بيد التلميذ نحو طريقة أسلم و أقوم في مجال التعلم، احتفظت بالترفيع لمن يستحقه وبجدارة بعيداً عن النمطية التي اشتمل عليها هيكل الامتحانات القديم، حينما يكون هم التلميذ الخوف من الرسوب لا حب النجاح نفسه!..
الأقداح مترعة، والنوافذ مشرعة نحو منهجية تعليمية أسلم وأفضل في ظل تلك البادرة الفريدة.
كل ذلك لن يتحقق إلا حينما تتضح معالم الطريق، حينما تلتئم الفجوة بين النظرية والتطبيق؛ إذ ان العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل!
دالية رقراقة، وثمار يانعة استوت على سوقها تعجب الزرّاع، بانتظار يدٍ حانية حاذقة مشمرة ترتفع في موسم الحصاد، وتتحدر في موسم البذر والسقي، وفي الوقت نفسه تتربص وجلاً ورعباً؛ من يدٍ طائشة جائشة تفسدها من حيث تدري أو لا تدري..!
باسقة مشمخرة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها شريطة التعهد السليم الصحيح، حينما يتشرب المعلم الذي هو آلية التنفيذ تلك الحيثيات، ويحيط بأنجع السبل، ويلم بأصوب الطرق الكفيلة بخدمة تلك اللائحة.
حينما يعد إعداداً ملائماً يتوافق مع الحقبة، ويواكب المرحلة، حينما يُفتح باب للحوار الهادئ الميداني للتقويم والتطوير والتعديل، حينما يحتوي على ما علق بالمناهج من بقية حشو استشرى تحت سيطرة اللائحة القديمة الهالكة! حينما «يُفذلك» المنهج الكمي فتستأصل شئفة وهنه، وتماط أواذيه المتمثلة في نزر ركام من التدريبات والتمارين المعقدة المقعدة ذات النفس الطويل التي طالما أرهقت أذهان التلاميذ الأطفال، واضمحلت في جنبها بركة الوقت! وأجبرت الفئام من الميدانيين على طريقة المحاضرة والالتفات قسراً إلى بنود المنهج السلبي القديم ومعالمه الملحة؛ لاتضاح كنهها في أذهانهم..!
ثم إني أختم تلك الأحرف بخطوة حقيقية كمثال يأخذ بأناملنا لوضعها على إحدى التجارب الظاهرة المنهجية المقننة في سبيل تقويم الطالب إذ هي غيض من فيض أو ما لا يدرك كله لا يترك كله، ألا وهي ذلك العمل التقني المقدم على طبق اسطواني لامع منبثق من جهد أحد مشرفي الصفوف الدنيا في مركز الغرب ومشرف المرحلة الأولية ببرنامج «المدارس السعودية الرائدة» أحد العاملين بصمت مستغرق ليقدمه تحت مسمى «المرشد المساعد للجنة التوجيه والإرشاد في الصفوف الدنيا» كأحد النماذج المطروحة لخدمة الميدان، فهل لنا أن نطالع حيثياته؟!
وفق الله الجميع للصلاح والإصلاح إنه جواد كريم.
|