ألا يبدو أنَّ صناعة «الفضيلة» لم تعد من أبجديات المفردات...، وقد هبت عاصفة التداخل فاختلطت الأبجديات؟
والعالم الذي كان يبحث عن المدن الفاضلة، ويسعى إلى بذر الفضيلة فسائل في رياض الأرض وأوديتها، قيعانها، وصحاريها، مسافاتها وآمادها، بين ذرات كونها المترامي فوق رؤوس الخلائق وتحت أقدامهم... عليه الآن أن يضع قدميه في أوَّل محطات الحقيقة، ويغادر قوافل الأحلام، ويشحذ همم الحفر في تربة الواقع كي يعمل على صناعة الفضيلة، لا الحلم بها... إنَّ المدن الفاضلة الحلم... كان الإنسان يعزِّز حلمه بخياله، وبحزمة من قيم التعايش التي كان لايزال فيها رمق الاستمرارية لأبجديات الأخلاق الفاضلة... مايبرِّر أن يرسم حلماً كي يبني مدناً... لكنَّ الفقر، والحرب، والطبقية، والأميَّة...، والعطش، والخوف... تبعث كلُّها في وقدة نارها المشتعلة في الواقع القائم أوليَّات ما على الإنسان المعاصر أن يفعله كي يُبْقِي على رمق الحلم...، فلا يذهب هذا الرمق في فجيعة اختلاط الأوَّليات، وتداخل الأبجديات..
صحيح أنَّ هناك بعض الإشراقات... لكنَّ الأصح أنَّ الانطفاءات في واقع البشر تشتدُّ... مع مَقبل كلِّ ثانية، وإدبار ما قبلها...
الناس لا تزال تموت
والبيوت لا تزال تُهْدَّم على رؤوس ساكينها..
والأرض لا تزال تشكو شحَّ المياه فيها...
والبطون لا تزال تئن جوعاً...
والحلوق تشكو الجفاف...
بل النفوس والقلوب والعقول... تشكو فراغها من... ومن.... ومن...
إنَّ البشرية من العار عليها أن تبقى رهينة «المجاملات»، أو «التجاهل»، أو الاعتراك مع الكلام دون الفعل...
وإنَّ البشر من العار عليهم أن يبقوا مرهونين لحلم الفضيلة، ولا يعملون لها. وله.. وإنَّ البشر من اللاَّئق بهم أن ينشدوا أخلاقيات العيش، ويعملوا على بذرها في مواطىء أقدامهم ومساحات أحلامهم، ومحيط أنفاسهم... إنَّه على البشر السلام إن بقوا يتراهنون على السّبق وهم متخلفون في «فضائلهم».
فاقدون لأبجدياتها... خالطون بين أوليَّاتها.
|