* القاهرة - مكتب الجزيرة - شريف صالح:
الكتابة لديها رحلة معرفية لاكتشاف الذات والتواصل مع العالم تبحث عن الجذور دائما ولعل هذا هو ما جعلها ترى العالم أجمل على حد قولها أنها الأديبة سحر الموجي استاذ الأدب الانجليزي بجامعة القاهرة صدر لها «دارية» رواية و«سيدة المنام» مجموعة قصصية التقيناها في هذا الحوار الذي تحدثت فيه عن اعمالها ومشوارها وتجربتها الخاصة.
* تعملين مذيعة بالإذاعات الموجهة ومدرساً للأدب الانجليزي بجامعة القاهرة .. ومع ذلك اتجهت الى كتابة القصة .. لماذا؟
- الكتابة بالنسبة لي هي محاولة للفهم حتى أراني وأرى العالم بشكل أفضل وأجمل على الورق فهذا العالم الفوضوي تحكمه أوضاع جمالية نحو مزيد من الفهم فهى رحلة معرفتهم لاكتشاف الذات والتواصل مع العالم والبحث عن الجذور .
* لكنك تأخرت مقارنة ببنات جيلك من الكاتبات؟
- ربما أكون بدأت الكتابة متأخرة على عكس الكاتبات والكتاب الذين طالما راودتهم رغبة الكتابة منذ الأيام الأولى لكن ما كان يراودني كان دوماً غيمات مبهمة وأحاسيس كنت أظنها الحقيقة يصاحبني وقتها شك أن هذه ليست بالحقيقة انما مجرد كيان مبتور وكان يحكم عالم تلك المرحلة الأخر وليس انا صدقت صورة رسمها لي الآخرون ولسنوات كثيرة هى كل عمري ما قبل الكتابة أخذت في حشر ذاتي داخل اطار الصورة المحددة سلفاً وفي لحظة خارج المألوف وعندما أتممت الثلاثين وجدتني أمسك القلم وأحاور نفسي بعيداً عن الصورة المحدده سلفاً لى والتي كثيرا ما كانت تشعرني بالأسف والندم والشعور بأن ثلاثين عاماً أفلتت مني هباء حين خرجت من هذه الصورة رأيت نفسي أكثر رضا عن انجازاتي ووجدتني أقيم حتى تجربة اكتئابي على نحو ايجابي لقد فقدت طعم الحياة عندما كنت الآخر ولم أكن انا وعادت لى القدرة على الابتسام عندما حررت الطفلة في داخلي وبدأت ذاتي تشكل الكلمات وبدأت أقرأ نفسي فيما أكتب
* من خلال مجموعتك القصصية سيدة المنام , وروايتك الأولى «دارية» يبدو هناك حنين دائم الى الماضي؟
- بلا شك هناك حنين الى الماضي لكنه لا يجعل من الحاضر متاهة تتآكل تحت وطأتها الذات فهذا الحنين هو تأمل للذات وجذورها ومراحل تطورها بحثا عن أرض تقف عليها الذات في مواجهة الحاضر في رواية « دارية» أتيحت الفرصة لى كي أتأمل حوارات « دارية» مع « سيف » تقابل روح الفن الحرة مع قهر عالم تحكمه حسابات الأشياء أتأمل هذا التنافر واوقن أن «دارية» لا بد ان تختار الحياة والكتابة وتترك وراءها أشياء ليست جميلة تحنطها في كلمات
* ولماذا تبدو الشخصيات في نصوصك شديدة التعلق بالأحلام وفك رموزها؟
- تعلمت ان أحترم عالم اللاوعي في عقلي وأعتبر الحلم بابا مفتوحا على حقيقة ما في قصتي. حلم سيء ليس أكثر أن تصحو البطلة من حلم جميل زارت فيه قصر محمد على بالمنيل وتشربت مسام روحها حضور الزمن الجميل نافورات رخامية نواريس منطلقة في اللون السماوي للسيراميك ثم تستيقظ البطلة على انقلاب الحلم الى كابوس وتتحول حوائط القصر الى سجن ربما تمثلني هذه البطلة قبل الكتابة وقبل احتراف عالم الحلم وفك رموزه على أنها رسائل حياة بالمقابل نجد البطلة الفلاحه في قصة منام مبروك تلتقي بايزيس في الحلم وتسمى ابنتها على اسمها وتدرك أن الحلم ليس كابوساً بل كقوة كامنة فينا .
* تتسم لغتك القصصية بقدر كبير من الشعرية والجمال . فهل تعتبرين نفسك شاعرة ضلت الطريق الى القصة؟
- أعتقد أننا لا نضيع الجمال وانما نستقبله فقط فالجمال موجود ومستقل عنا لكن يكمن الفرق في أجهزة استقبالنا ودرجة حساسيتنا فالنيل موجود والقاهرة الفاطمية ببيوتها العتيقة ومآذنها والبحر والسماء كل هذا موجود ورائع بالمقابل هناك تلوث النيل واهمال آثارنا الاسلامية فهذا أيضا موجود والمهم على أى موجة يضبط الكاتب جهاز استقباله الانساني .
* قدمت أطروحة الدكتوراه عن الشاعرة الأمريكية هيليدا دوليتي. ما سر اختيارك لهذه الشاعرة تحديداً؟
- هيلدا دوليتل (1886-1961) لم يكن لها وجود حقيقي في التاريخ الأدبي الغربي قبل الثمانينيات من القرن العشرين اذ اقتصر وجودها على بعض القصائد التي تنتمي الى المدرسة التصويرية أما قصائدها الملحمية الطويلة فقد أسقطت من الذاكرة الى أن أعادت حركة النقد النسائي اكتشافها.
- اعتقد أن أعمالها الشعرية تصلح نموذجاً لبحث الشاعرة عن هويتها وتعد تمثيلا حقيقيا لصوت نسائي له معاناته كفنانه وامرأة تكتب صوتها في إطار ثقافة أبوية تبدأ الشاعرة في دواوينها الأولى رصد صورتها الموروثه كأنثى كائن هش وجميل لكنه قادر على مواجهة عنف عناصر الطبيعة والاستمرار في الحياة ويفصل بين مرحلتها الأولى والثانية عشرون عاماً كابوس خلالها كابوس حربين عالميتين واتجهت الى النثر والسير الذاتية كنوع من العلاج النفسي يؤهلها لرؤية تعقيد الواقع المرير .
وربما ينبع اهتمامي بهيلدا دوليتل الى الرغبة الدفينه في البحث عن هوية الذات وأظن أن قيمة الدراسة تكمن في اعتماد منهج علم النفس التحليلي عند يونج خاصة لتحليل تجربة الشاعرة.
* وهل دراستك لهيلدا دوليتل في الدكتوراه ولتيدهيوز في الماجستير أضافت الى ابداعك أم أخذت من هذا الابداع؟
- دراستي للأدب أعطتني مفاتيح الكتابة وفتحت روحي على ابداعات حضارة أخرى لا تقل شأناً عن الحضارة الغربية بل تزيد لا تؤثر في الأكاديمية كمبدعة طالما أنني أطلقها لحظة الكتابة فيخرج الجزء المجنون الحر المتمرد في على الورق وأعود أصالحها عندما أعيد قراءة النص كدارسة للأدب لا كمبدعة.
* اخترت دراسة شاعرة في الدكتوراه .. وعنوان مجموعتك القصصية الأولى « سيدة المنام» وعنوان الرواية «دارية» .. هل يعني هذا أن رؤيتك للعالم لم تنطلق من وجهة نظر نسوية؟
- الكتابة عندي كما قلت رحلة معرفية لاكتشاف الذات والتواصل مع العالم ومن الطبيعي أن أحاول البحث عن جذور هذه الذات الأنثى في تجلياتها المختلفه بدءاً من الأم والجدة والمرأة العادية في معترك الحياة.
الأنثى بطبيعتها مبدعه وأنا أحاول ابراز هذه البديهة المطموسه وفي نفس الوقت يفترض أن تكون الكتابة النسائية ذات طابع انساني بعيداً عن الخطابية أو محاولات اضطهاد الآخر للدفاع عن النفس أظن أنني تجاوزت هذه المسألة لأنني نشأت على تراث فني ذي طابع انساني فلم يتشكل وعيي على أعمال نوال السعداوي أو لطيفه الزيات وإنما على كتب نجيب محفوظ ويوسف إدريس.
|