يقول عدد من المسؤولين الأوروبيين إن الولايات المتحدة تدرس الآن قبول قرار جديد لمجلس الأمن الدولي يفوض التدخل العسكري ضد صدام حسين في الوقت الذي يمكن فيه تزويد الأمم المتحدة بسند في الصراع وفي الإشراف على العراق في مرحلة ما بعد الحرب.
لا تزال المسألة غير أكيدة، مرحلة من الميوعة بسبب أن تاريخ 27 يناير الذي يستمع فيه المجلس لتقرير كبير مفتشي الأسلحة حول استجابة العراق لمطالب الأمم المتحدة الخاصة بنزع سلاحه ينشىء إمكانيات واسعة للتغيير في هذه الأثناء.
ربما تفي استجابة من صدام أو كبير المفتشين، هانس بليكس، بمطالب المجلس، أو تجعله في حالة انقسام أو قد تعدل وجهة الولايات المتحدة عن عمل عسكري يظل ممكنا، لكن في حالة فشل ذلك، فقد انبثقت سلسلة من المؤشرات خلال الاسبوعين الماضيين تقول بأن أعضاء المجموعة الاوروبية في مجلس الأمن يقومون بالتحضير لحالة يمكن فيها للولايات المتحدة الحصول على تفويض صريح من المجلس باستخدام القوة في مقابل شروط معينة، وتفضل كل من بريطانيا، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة بين أعضاء المجلس الدائمين، وفرنسا قرار تمكين معين، على الرغم من أن بريطانيا، مثلها مثل الولايات المتحدة، تعتبر القرار الحالي رقم 1441 كافيا للسماح بهجوم ردا على انتهاك عراقي صريح لموجهات الأمم المتحدة الخاصة بنزع السلاح، باعتقاد الولايات المتحدة أنها تملك بالفعل الأساس القانوني الذي تحتاجه لرد عسكري، وقوة النقض (الفيتو) في المجلس لحجب أية قيود لا ترضى عنها باعتبارها ضعيفة، فإن أي اتفاق سيتطلب أن يكون القرار الجديد مقبولا بسهولة من إدارة بوش، وإذا ما أرضت صياغة القرار واشنطن، فإن تمريره سيعين في إزالة الشك في الداخل (أمريكا) وعلى امتداد العالم حول شرعية القيام بعمل، يستدعي عقوبات دولية صادرة بالإجماع عن الأمم المتحدة شبيهة بتلك التي قامت أثناء حرب الخليج في 1991، وعلى وجه خاص، يخفض التحفظات بين جيران العراق من العرب حول مجاراة حملة عسكرية يقودها الأمريكيون.
إن وجود قرار جديد، من وجهة النظر هذه، سيعيد موازنة السيطرة الأمريكية المتفردة في شأن الحرب وإعادة إعمارالعراق، ويسمح لفرنسا وروسيا بمحاولة إيجاد مكان لهما مرة أخرى في الشرق الأوسط كعناصر سياسية بعد سنوات من تراجع وجودهما. سوف يتجنب قرار من هذا القبيل تهميش مجلس الأمن، محل التأثير العالمي لكل من فرنسا وروسيا، ويمكن الرئيس جاك شيراك، من المحافظة على الأهمية التي اكتسبها في أعين الأمريكيين منذ أعلنت ألمانيا عدم القيام بأي دور عسكري ضد العراق، موثرا عدم التعليق على وجود نقاشات حول قرار جديد.
قال مسؤول أمريكي إنه لم يعتقد أن في وسع أي شخص أن يقول بثقة في هذا الوقت ما يمكن أن ينبثق عن مناقشات مجلس الأمن بعد استماعه لتقرير كبير المفتشين حول انصياع العراق لموجهات الأمم المتحدة الخاصة بنزع السلاح.
رسميا، ظل موقف الولايات المتحدة يقول إن القرار 1441 يوفر كل الأسس الضرورية في القانون الدولي لاستخدام القوة ردا على التحدي العراقي للأمم المتحدة من خلال الفشل في الكشف عن عدم امتلاكه أسلحة دمار شامل، ينص القرار 1441على مناقشة المجلس تقرير كبير مفتشي الأسلحة.
ويشير إلى العواقب الخطيرة بالنسبة للعراق متى لم يكن هنالك انصياع لقرارات الأمم المتحدة الخاصة بنزع السلاح - غير أنه لا يشير إلى قرار إضافي. من وجهة نظر إدارة بوش الخاصة بعدم كفاية السجل العراقي ذي الـ12000 صفحة الخاص ببرامج أسلحته، فإن تفسير واشنطن حول أنه يوفر دليل «خرق مادي» لقرارات الأمم المتحدة قد جرى الافصاح عنه، ولم يعترض أي عضو آخر من الأعضاء الدائمين في المجلس بشكل علني على هذا الرأي، غير أنهم ينتظرون تقرير التفتيش في 27يناير بغية أدلة إضافية.
قالت بريطانيا، من خلال وزير خارجيتها جاك استرو منذ البداية إنها تفضل الحرب في العراق تحت مظلة قرار إضافي، ويفترض على نطاق واسع أن حكومة بلير، في مواجهة قدر كبير من المعارضة في الداخل لحملة ضد العراق، ظلت نشطة في إقامة هذه الحجة للأمريكيين.
وقد أوضحت فرنسا أيضا، التي تتولى رئاسة مجلس الأمن هذا الشهر، أنها تريد قرارا ثانيا، وهي خطوة متقدمة عما طرحته سابقا، من موقف أكثر غموضا يقول بأنه لا يمكن ايجاد رابطة آلية بين اظهار المراوغة العراقية وبداية الحرب، غير أن المسألة ربما تغدو مزعجة - لم يقترب منها شيراك عمليا لأسابيع - فيظل وجود نسبة كبيرة من اليسار الفرنسي، بما فيه أقسام، وليس كل الحزب الإشتراكي، تلوح بأنها ستنظم حملة من أجل أن تبقى فرنسا بعيدة عن الحرب، حتى وإن تبنى المجلس قرارا بالتفويض.
مع ذلك، بدا كما لو أن وزير خارجية فرنسا السابق، هوبرت فيدرين، رغم كونه عضوا في فريق اشتراكي مهزوم لرئيس الوزراء ليونيل جوسبان، يعبر عن تفكير جزء كبير من مؤسسة السياسة الخارجية الفرنسية في حوار إذاعي عندما قال إن قرارا جديدا يعتبر «مرغوبا فيه تماما» بسبب أن المسألة المطروحة تتعلق ببساطة ب«من الذي يقرر في العالم» - «ولايات متحدة» مستعدة للذهاب إلى حرب لوحدها، أم الأمم المتحدة، وفيما يبدو أنه يشير لمعرفته بخطوط قرار جديد محتمل، قال فيدرين إن تمريره في سياق تصميم أمريكا الجلي على الحرب سوف يوضح أن «مجلس الأمن يبقى في يديه تصريف أمر الحرب» و«ما يتبع ذلك»، أي عراق ما بعد الحرب والشرق الأوسط.
بالنسبة لفريدبيرت بفلوغر، المتحدث عن الحزب الديمقراطي المسيحي في السياسة الخارجية في البوندستاغ الالماني، فإن قرارا آخر تتوفر له فرصة جديدة للتمرير في مجلس الأمن «بسبب أنه جيد بالنسبة لبوش وجيد بالنسبة لشيراك». لقد أعطت ألمانيا أيضا إشارة واضحة حول كيفية تفكيرها في الطريقة التي تدار بها حسابات إدارة بوش، وقد أوضح وزير الخارجية يوشكا فيشر الشهر الماضي أن ألمانيا اعتبرت القرار 1441 أساسا كافيا لاستخدام القوة.
ورغم الاعتراضات الأمريكية، تتولى ألمانيا رئاسة المجلس خلال شهر فبراير. الدليل على افتراض ألمانيا أن قرارا جديدا سيتم اقتراحه جاء أيضا من داخل حزب المستشار غيرهارد شرودر، الحزب الديمقراطي الاجتماعي، في اقتراح أشار إلى فكرة إشراف الأمم المتحدة على عراق من دون صدام، وقال هانز اولريتش كلوس، الرئيس الديمقراطي الاجتماعي للجنة الشؤون الخارجية بالبوندستاغ، إن ألمانيا والجيش الألماني يتعين عليهما أداء دور مهم على الأرض في عراق ما بعد الحرب كيما تحافظ على «الوضع الألماني في العالم». في الحقيقة، فإن هذه الرغبة في أخذ موقع متقدم في الشرق الأوسط ما بعد صدام هي التي ربما تعطي الأمريكيين تفويضا للحرب أشد وضوحا من ذلك الذي توقعته إدارة بوش قبل شهر أو اثنين مضيا.
(*) عن «انترناشيونال هيرالد تريبيون» - خدمة الجزيرة الصحفية
|