ذات مساء دلفت إلى غرفتها الصغيرة وجلست على مكتبها وانكبت على مراجعة حصيلتها الدراسية لكنها لم تستطع اكمال مذاكرتها بيد أنها من المتفوقات دراسياً.
رمت بمحاضراتها من بين يديها وقبعت منزوية في احد أركان غرفتها وبدا على جبينها شحوب رهيب. ضاعت أفكارها وتشتت، بل ضاع في الغرفة عطرها الهامس، شطحت بعيداً بخيالها لتعيد في ذاكرتها ما سمعته اليوم من كلمات مخجلة أثارت شجونها وبددت أفراحها وهددت حياتها وقتلت آمالها الصغيرة والتي ما زالت في المهد.
سمعت أحداهن تقول وتهمس للأخرى: أما آن لتلك المعاقة الانعزال والإنطواء والاختفاء عن المجتمع؟ ولمَ تكمل تلك المعاقة تعليمها؟ ولمَ تشق زحام الكون وتحضر كل صباح وهي بهذا الشكل؟ الكثير منهن يتحدثن ويرمين بالكلمات هنا وهناك وهي منصتة تتجرع ما تسمعه وكأنها تتجرع علقماً.
* كان خدها صباحاً قد تورد نشوة وفرحاً وعيناها قد التمعا سعادة وتفاؤلاً وأملاً كل ذلك قبل أن تسمع تلك الكلمات الجارحة الجافة ولكن حين سمعتها أكفهر وجهها ومشت بخطوات متعثرة هبطت من السديم وأصبحت أشبه بشجرة منعت من الماء فذبلت أوراقها وجفت عروقها وانحنت أغصانها.
بل أصبحت كالطائر الجريح لقد اغتيل الأمل بداخلها وهو ما يزال طفلاً صغيراً يتطلع للحياة.
دارت بخاطرها أفكار مرعبة وهواجس مخيفة فغرقت في بحر من الدمع والألم، بل لقد تفجرت أنهاراً من دموع.
|