* الرياض - الجزيرة:
نشرت جريدة «لو موند» الفرنسية في عددها الصادر يوم الجمعة 20 ديسمبر 2002م مقابلة صحفية مع صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود، رئيس مجلس إدارة شركة المملكة القابضة.
وأجرى المقابلة لجريدة لو موند في باريس مارك روش. تعتبر الجريدة أكثر الصحف انتشاراً في فرنسا وأحد أهم المطبوعات اليومية باللغة الفرنسية في العالم. وفيما يلي ترجمة لنص المقال الذي نشر في الصحيفة والذي تضمن نبذة عن السيرة الذاتية للأمير الوليد بن طلال:
* ما هو رد فعلكم على الدعوى القضائية التي قدمها اقرباء ضحايا احداث الحادي عشر من سبتمبر والتي يتهمون فيها ثلاثة من أمراء العائلة المالكة باستثنائك أنت شخصياً بالمساعدة في تمويل تلك العملية؟
- هذه اتهامات غبية فالمملكة العربية السعودية كانت الهدف الأول لأسامة بن لادن قبل الولايات المتحدة وإذا كانت بعض الأموال من عدد محدود من أفراد الأسرة المالكة قد وجدت سبيلها إلى بعض الأشخاص الذين لهم علاقة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر فلابد أن ذلك تم بشكل عفوي ونية حسنة وقد تكون اعطيت هذه الأموال بدوافع خيرية لمساعدة أشخاص في ظروف الشدة وقد علمنا من السلطات الأمريكية أن بعض هذه الأموال قد تسربت من بعض متلقيها إلى بعض المتورطين في أعمال ارهابية ولعل من الجدير أن أشير في هذا المقام إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست بلا خطيئة حتى تلقي بالأحجار فمن المعروف وعلى سبيل المثال أن عدداً من الأمريكيين وعلى مر السنوات خاصة هؤلاء الذين ينحدرون من أصل إيرلندي كانوا يقومون بتمويل الجيش الجمهوري الايرلندي (IRA) بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدين الجيش الجمهوري بأعمال ارهابية ولم تتمكن الولايات المتحدة حتى وقت قريب من وضع حد لتدفق هذه الأموال.
وقد أعلنت السلطات السعودية حديثا انها قامت باتخاذ اجراءات صارمة على المؤسسات الإسلامية الخيرية للتأكد من أن ايداعاتها في الخارج تخدم الأغراض الخيرية فقط أما أنا شخصيا فملتزم بديني الإسلامي وأتمسك مخلصاً بمبدأ مساعدة المحتاجين باعتباره من أهم مبادئ الإسلام.
* لقد ألمحتم إلى موضوع سحب بعض الأموال السعودية من البورصات والبنوك الأمريكية وطبقا للإشاعات فإن هذه الأموال قد بلغت 200 مليار دولار على مدار الأشهر الماضية؟
- إنني اعتقد أن هذه الأرقام مبالغ فيها إلى حد ما نعم بالتأكيد تم السحب ولكن ليس بهذا الحجم ويعزى بعض هذا إلى جو من العلاقات الحالي بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية ولكن ايضا يعزى إلى أن بعض المستثمرين يبحثون عن عوائد أفضل في أماكن أخرى خاصة أوروبا والشرق الأوسط.
بالنسبة لي شخصيا فقد تركت محفظتي بلا تغيير فاستثماراتي طويلة الأجل وتتراوح آفاقها بين خمس وعشر سنوات فأنا لست مضاربا وقد واجهت عددا من الأزمات على مر السنين مثل حرب الخليج الثانية والركود الاقتصادي في آسيا وأمريكا اللاتينية وروسيا، إن استثماراتي موزعة جغرافيا ومتنوعة في قطاعات مختلفة.
على المرء ألا يخلط بين المال والسياسة ففي رأيي أن حظر البترول عن الغرب في عام 1973م كان خطأ فادحاً حيث اضطرت الدول المستهلكة إلى استكشاف مصادر أخرى للطاقة وإلى تنويعها.
* ما رأيكم بفكرة أن الولايات المتحدة الأمريكية بهجومها على العراق تريد الاستيلاء على نفط العراق حتى تخفف من اعتمادها على النفط السعودي؟
- هذا السيناريو لا يوافق المنطق حتى اذا تم استثمار أموال ضخمة في هذا المجال فلا يمكن للعراق أن يحل محل السعودية كمصدر رئيسي للنفط علاوة على ذلك فإن السعودية كانت من أوائل الذين حاولوا أن يضعوا سعراً عادلاً لكل من المنتج والمستهلك وهذا يعني أن يتراوح سعر البرميل بين 22 و 28 دولاراً وهذا السعر سيكون مريحا ومعقولا لكل الأطراف. والفضل يعود لمخزوننا النفطي فنحن الدولة الوحيدة في العالم التي تستطيع زيادة إنتاجها وبالتالي تستجيب للتقلبات المفاجئة للعرض والطلب.
لقد كانت سياستنا النفطية مستقرة وحكيمة دائماً، ففي الأشهر الماضية تجاوزت روسيا المملكة العربية السعودية من حيث الإنتاج وهذا يجعل الأمر ليس سهلاً بالنسبة لنا حيث أن الروس قد يعطوا الولايات المتحدة الأمريكية بعض التسهيلات في مجال البترول مقابل تحقيق مكاسب في ميادين أخرى.
* لماذا تعرقلت المفاوضات التي تعتبرون أنتم طرف فيها بين المملكة العربية السعودية وشركات النفط الغربية بشأن عقد الغاز الضخم بمبلغ 25 بليون دولار؟
- السبب الرئيسي في ذلك أن الشركات العالمية تطالب بعائد مقداره 15% على الاستثمارات بينما عرضت الحكومة السعودية 10% وإذا وافقت السعودية على طلب الشركات العالمية فهذا يعني أن أسعار الطاقة التي يدفعها المستهلك السعودي سوف تزداد مما ينعكس سلباً على اقتصادنا الوطني وعلاوة على عدم رضاء تلك الشركات عن الامتيازات المقدمة لها في مناطق الغاز غير المستغلة فإن بعضها يطالب بمنحه امتيازات في مناطق بها احتياطي مؤكد.
نأمل أن نصل إلى اتفاق مع الشركات التي تقدمت وإن لم يكن معهم فمع شركات أخرى يجب أن نبادر بالانطلاق في استغلال الغاز السعودي فنجاح هذه المبادرة أو فشلها سيمثل مقياساً هاماً للانفتاح الاقتصادي العربي السعودي.
* ما هو رأيكم بالنسبة لبرنامج الشراكة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الشرق الأوسط الذي أطلقه كولن باول وزير الخارجية الأمريكي، والذي يهدف لتشجيع الانفتاح في العالم العربي ونجاحه في المجالين الاقتصادي والاجتماعي؟
هذه الخطوة لا تخلو من الأهمية نظراً لوجود العديدمن نقاط الضعف الحقيقية والملموسة في الوطن العربي إلا أن هذا التدخل المباشر لن يساعد على مواجهة التحديات التي أشار إليها كولن باول في مجال الانفتاح الاقتصادي والتعليم وبناء المؤسسات وتطوير الثقافة المدنية وما يماثلها والحقيقة أن هذه الشراكة تتجاهل إلى حد كبير صلب مشكلتنا وهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والمذابح اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيون إن هذا هو أحد العوامل الرئيسية التي حالت دون تطوير المنطقة فاليوم تتبنى الولايات المتحدة موقفا غير واقعي ونأمل أن تعود إلى الواقع وإنني على يقين عندما يتحقق ذلك أن تعود علاقتنا إلى مسارها الطبيعي وأود أن أشير إلى أنه على الرغم من تعرض السعودية لهجمات بعض وسائل الإعلام وبعض الأفراد والدوائر المعروفة في الولايات المتحدة فإن علاقتنا على المستوى الرسمي مازالت راسخة ومتينة.
* كيف يمكن علاج الركود الاقتصادي الذي يعاني منه الشرق الأوسط عموماً؟
إن الأداء الاقتصادي الضعيف كان نتيجة للركود في القطاع الخاص وحتى نتجنب تكرار مصاعب السنوات العشر الماضية فعلى دول الشرق الأوسط أن تحدث تغييرات جذرية في هياكل اقتصادها والمضي قدما في برامج الخصخصة على أمل أن تجذب تلك السياسة رؤوس الأموال الأجنبية. وهناك حاجة لمراجعة شاملة لجميع الأطر الاقتصادية والتشريعية والمالية.
إن ثقافة إدارة الأعمال السائدة في المنطقة مازالت محدودة وبالتالي تخلق مجتمعات غير قادرة على التفاعل الحيوي مع المجتمعات في بقية أنحاء العالم ونتيجة لذلك فإن المنطقة لم تفشل فقط في استقطاب مبالغ معقولة من الاستثمارات الأجنبية بل أيضا تسببت في هروب رؤوس الأموال المحلية إلى الخارج ومثالاً لذلك فان هناك أموالاً سعودية تستثمر في دول أوروبا وأمريكا واليابان بدلاً من الدول العربية فإذا لم يكن لهذه الأموال الهائلة الثقة في منطقتها فكيف لنا أن نتوقع أن يأتي المستثمرون الأجانب بأموالهم إلى منطقتنا؟
* أنت موضوع على قائمة الأشخاص الذين يملكون أكبر الثروات في العالم هل مازالت فرنسا محوراً لأنشطتكم الأوربية؟
- بالرغم من عدم المرونة في النظام الاقتصادي الفرنسي والتعقيد في التشريعات الاجتماعية فان استثماراتي في فرنسا تقارب الآن مليار يورو إنني أعتقد أن سياسة الحكومة الحالية سوف تسمح في ظل غياب الزامية التعايش السياسي بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في فرنسا بمراجعة بعض التشريعات لتعطي مجالاً أكبر من المرونة في الأسواق وسوف أستمر في الاستثمار في فرنسا ولدي الثقة الكاملة في الرئيس شيراك وبالمناسبة فإن سياسة فرنسا في الشرق الأوسط سياسة مشجعة.
مستثمر صبور يعشق فرنسا:
إنه شخص مثير للدهشة وهو جالس على أريكة كبيرة تحت مصابيح ذهبية في فندق جورج الخامس، ويتحرك الأمير الوليد باستمرار ليكون أكثر ارتياحاً في جلسته كما يقلب مسبحته ونظارته الموضعتين على كومة من الجرائد فهذا الملياردير السعودي يحد بصره أثناء الحدين بإنجليزية يغلب عليها اللهجة الخليجية من حين لآخر ينظر إلى الشاشة المسطحة على يمينه التي تبث على الهواء مباشرة مؤتمراً صحفياً بين الرئيس الأسد ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير.
عندما نتفحص هذا الرجل الذي يمتلك إحدى أكبر الثروات في العالم «20 مليار دولار كما ورد في مجلة فوربز» فإننا نكتشف شخصاً نحيف القوام يرتدي ثياباً متواضعة من بنطلون جينز وقميص مربعات على طريقة «تاتي» وخلال المقابلة التي تمت تحت رقابة العديد من أفراد الحرس الخاص بالإضافة إلى عدد من المرافقين يقوم عازف البيانو بعزف كل الألحان المحببة لهذا الثري الأربعيني ذو النظرة الذكية فرغبات صاحب الفندق تعد أوامر.
فكأن حياة ابن شقيق الملك فهد قد أتت من إحدى الروايات فوالده الأمير طلال بن عبدالعزيز شقيق الملك فهد بن عبدالعزيز عاهل السعودية، ووالدته ابنة رياض الصلح رئيس وزراء لبنان الأسبق وبعد أن أكمل دراسته في إدارة الأعمال في الولايات المتحدة أسس الأمير الوليد شركته الاستثمارية شركة المملكة القابضة والفضل في ذلك يعود إلى قرض من والده بمقدار 15 ألف دولار وبعد فترة قصيرة ساعدته معرفته ودرايته الفنية التي يتمتع بها اضافة إلى الوكالات الهامة التي وفرتها الشركات الأجنبية في الحصول على عقود في أماكن مرموقة سمحت له بتخطي نقطة البداية وفي سنة 1991م فاجأ هذا الرجل غير المعروف في دوائر الاستثمار حينئذ أقطاب الأعمال في العالم بحيازته لنسبة 15% من أسهم سيتي جروب وبناء على طلب من هذا البنك الذي كان يتعرض لضائقة مالية في ذلك الوقت وتبع ذلك حصوله على أسهم من متجر ساكس الفاخر المشهور ومن ثم انطلق على الصفحات الأولى من الصحافة الاقتصادية الأمريكية.
«اجتهد بفكرك .. ثم اجتهد بقوتك» وباعتباره مخلصا لهذا الشعار فليس هناك أحد يتفوق على سموه في اكتشاف الشركات التي تتعرض لسوء تقدير أو تمر بأزمات أو أصبحت لا تجاري عصرها.
فالتوغل الشديد في سوق الأسهم أعطاه المجال لامتلاك أسهم أكبر الشركات المشهورة:
فنادق فور سيزونز- نيوز كوبوريشن ميديا جروب- أيه أو إل تايم ورنر - مطاعم بلانيت هوليود، وفي فرنسا فإن الأمير يعد ثاني أكبر مالكي أسهم يورو ديزين وفي عام 1996م قام هذا الأمير الودود بشراء فندق جورج الخامس وقام بتجديده كاملاً بمبلغ 400 مليون يورو، فهذا الإنسان المحب لفرنسا وهو مواطن فخري بمدينة «كان» حيث يرسو يخته يحب أن يتذكر كيف أن جراحاً متخصصاً من مرسيليا أنقذ حياة ابنه من الشلل بعد اصابة خطيرة اثر حادث مائي وقع له.
|