ما تأسست هيئة استشارية، ولا انبثقت لجان، ولا رُشّح أعضاء، ولا اعتمدت ميزانية. ما عقد اجتماع ولا أرجئ ولا قرر مؤتمرون، ما صدر بيان، ولا وزِّعت جداول، ولا رشحت نتائج: كل ما حصل أن البريد قد فاض على الصفحات الثماني المخصصة للثقافة، فجمعته، مع تصور لملحق غير دوري يعنى بالإبداع الجديد، ويصدر كلما سمح البريد.
وافق عليه الدكتور فهد الحارثي، وصدرت منه ثلاثة ملفات غير دورية، الأول منها في 13 رمضان 1406هـ، ثم أصبح ملفاً شهرياً يعنى بأدب الشباب منذ 17 ربيع الأول 1407هـ .
وضع التصميم الإخراجي له منذ العدد الثاني الصديق الفنان أسعد شحادة، وساعدني على تعبه، وإخراج كامل أعداده الزميل والصديق الخلوق المخرج حسن خزعل، وبقية الزملاء في القسم الفني.
والحقيقة ان الملف الذي قرّر، وببساطة، الغناء دون مقدّمات في الملف الأول «مجموعة من الأصوات الشابة تمسك بمفاتيح الغناء، وتحاول المشاركة في عزف النغم الخالد»، قد أصبح خلال فترة وجيزة قائداً لأوركسترا الإبداع الجديد في المملكة.
لا بل صار مطلباً ملحّاً لمبدعين معروفين في الساحة، يفضلونه للنشر على الصفحات الثقافية كمحمد علوان، وعبدالله باخشوين على سبيل المثال.
جمع الملف فرادة الضوء واللون، التشكيل والتصوير، الشعر والقصة والكتابة الحرة. الأصيل والجديد، الكلاسيكي والحديث، العمود والتفعيلة والنثر.
وتجمع للملف مجموعة فريدة من الأصوات أورد بعضها للمثال لا الحصر: كعبدالرحمن الدرعان، عبدالرحمن موكلي، تركي الناصر السديري، ليلى الأحيدب، عبدالعزيز السويد، عبدالرحمن السعد، يوسف المحيميد، ابراهيم تراوري، هدى الدغفق، هاشم الجحدلي، عواض العصيمي، عبدالمحسن يوسف، عبده خال.
وساهم في إلقاء الأضواء النقدية عليه مجموعة كبيرة من النقاد منهم د. سعد البازعي، د. محمد الشنطي، فائز أبا، د. عالي القرشي، د. سعيد السريحي، علي الدميني.. وكان يساعدني في قراءة القصص وتقديمها الصديق المبدع سعد الدوسري. وقد نمت مع الملحق تجربة فريدة أخرى، وهي قراءة الأصوات لأصواتها كما فعلت ليلى الأحيدب، وغيرها..
جاء البريد بالإبداع من فرسان، وضمد، وجازان، وطبرجل، وثول، وبريدة، وحائل، والقطيف، والقريات، والخرج، وحالة عمار، والباحة. جاء من كل من مكان دون واسطة ولا مقدمات وكان الشرط الوحيد للنشر هو الرغبة في الإبداع والتغريد.
لقد كان ملف أصوات على رغم صغره، كبيراً في طموحاته، جريئاً في لغته وطروحاته. وقد اختار صورة قاتمة لجندي من جنود العدو الاسرائيلي غلافاً لأحد أعداده، ومما جاء في الافتتاحية: «لقد اخترنا غلافنا هذا، لكي لا ننسى أننا مهدّدون، واننا لا بد أن نقاتل، وعلى كل الجبهات. وان هذا هو خيارنا الثقافي».. «وفي أقصى حالات الأمة حرجاً، كان الدفاع لا عن الكيان، بل عن عمود الشعر. وكان الاصطدام لا مع الخارج العدو، بل مع الداخل: العمود/ التفعيلة/ النثر/ القصة/ القصيدة/ اللاشكل/ الواقعي/ البنيوي...».
أو لربما كانت شاهدة القبر التي كتب عليها حنظلة ناجي العلي: «أنا أفكر، إذا أنا موجود» دليلاً آخر على وعي ثاقب مبكر لدى الملف، ولربما كانت وعياً كذلك بالمصير المحتوم الذي سيواجهه، وهو التوقف المبكر.
وقد أوقف مع صنوه ملف الطفل، التجربة الصحفية الناجحة للزميل سعد الدوسري لإنشاء صحافة طفل مميزة مغايرة.
كان السبب الظاهر الذي سمعناه هو أن نجومية الملفين، أو غرق المشرفين عليهما في بحر النجومية مما أدى إلى إغفال صفحات اليمامة الأساسية، أو المطبوعة الأم، وكان ذلك مبرراً كافياً، وهذا ما تمّ.
والحقيقة أن الملفين كانا نجمين بكل معاني النجومية. أما صاحباهما فلم يكونا ليضعا اسميهما وان كان من حقهما على جهدهما وعرقهما. فلقد اكتفيت بوضع اسم «أصوات» أو محمد الحربي، أو م/ح في ذيل الصفحة الداخلية.
واكتفى سعد الدوسري بمجد الصحافيين الصغار أنفسهم.
المهم أن تجربة جميلة مميزة انتهت، بعد أن أثْرت، وأثَّرت، وتركت علامة فارقة في العمل الصحافي الثقافي المحلّي.
وبهذه النتائج تنتهي مرحلة ثقافية مهمة، وبهذه الحلقة تنتهي حلقات الينابيع هذه إلى حين، لنلتفت إلى خطر داهم عام اسمه ثقافة السلام.
|