منذ أن بدأت برامج الكمبيوتر المتخصصة في الرسم والتصميم في الانتشار وإعلان الشركات المنتجة لها في المنافسة وتقديم كل جديد والفن التشكيلي وفنانوه يعيشون لحظات الترقب المشوب بالخوف من أن يسرق هذا الجهاز إبداعهم ويقصيهم عن الساحة ويجتذب جمهورهم بما يمتلكه من قدرات عجيبة في تصوير الواقع وإحالة العمل الفني إلى كل أشكال التقنيات والأساليب المغرية للاقتناء ومعالجة كل أسباب النقص والقصور التي تظهر على الكثير من الأعمال التشكيلية .
ومن هنا بدأت الآراء تطرح بين الطرف الأول وهم مصممو البرامج وهم المنافسون للتشكيليين وبين التشكيليين ، فالمصممون يؤكدون ان الزمن القادم هو زمن برامجهم والتشكيليون يصرون على أن ما يقدم من خلال التعامل مع الأزرار والمفاتيح الجامدة الإحساس لا يمكن ان تعوض او يستعاض بها عن أنامل المبدعين المتعاملين مع اللوحة والألوان بشكل مباشر، فهناك فرق شاسع في توظيف المشاعر وتفعيل العلاقة بين الفنان وأدواته وبين ما يمكن القيام به من إجراءات التوجيه على لوحة المفاتيح أو الفارة في الكمبيوتر فالفن التشكيلي بكل إبداعاته لا يزال محتفظا بروحه وقيمته متكئاً على تاريخه وقيمه الزمنية وبما تحفل به المتاحف من أعمال المبدعين فيه الا أن الواقع لا يرحم وقد يتغير مفهوم هذا الفن عند الأجيال القادمة التي سحرت واستسلمت لهذا الجهاز المعجزة.
فالأمر لن يكون مستغربا في حال التغيير خصوصا اذا رجعنا لتاريخ الفن وتعقبنا ما طرأ عليه من تبدلات وتطورات منذ اكتشف الإنسان البدائي الرسم على جدران الكهوف وحتى عصرنا الحالي اذ لم يبق الفن على شاكلة واحدة نتيجة ما طرأ عليه من مؤثرات وثقافات متنوعة ومتعددة من عصر إلى آخر ومن حضارة إلى أخرى في التقنيات والأساليب ، إلا أن ما يؤمل فيه الفنانون ألا يكون التغيير جذرياً و ألا يحدث ذلك في فترة قريبة حفاظا على ما تبقى لهذا الفن الإنساني أداء وتنفيذا وألا تتحول اللوحة إلى منتج آلي لا طعم له او رائحة تبعا لما تحول إليه حاليا من بحث عن الجمال اكثر منه طرحاً لموضوع او تسجيلاً لحدث كما عرف عنه منذ العصور الوسطي وحتى مرحلة النقلة المعاصرة الحديثة ابتداء من ألانطباعيه التي غيرت هي وشقيقاتها مسار العمل الفني التقليدي .
اما من يرى هذا التنافس بعين الحيادية فيقول انه لا يمكن لأي مصمم لتلك البرامج ان يبدع فيها ما لم يكن هو في الأصل فناناً يعرف اسرار المهنة وما تحتاجه من خطوات ومؤثرات تكون أكثر قربا من واقع اللوحه وهذا المبرر قد لا يجد القبول عند المصممين الذين يتعاملون مع مجالهم بأسلوب البحث والتجريب الآلي اعتمادا على ما تمتلكه أجهزتهم من قدرات، مع ان الأصل في كل عمل فني هو العقل فبدونه لن يتم الاستفادة من الجهاز الصامت، كما أن العمل الفني المباشر بين الفنان وإبداعه أكثر صدقا وقربا من عين المتلقي مقابل عمل يتم تنفيذه بالإشارة والتوجيه عن بعد كما ان الكمبيوتر لا يمكنه التعامل مع أسس العمل الفني بالقدرة التي يقوم بها الفنان نتيجة العلاقة الكبيرة بين الاطراف الثلاثة الوجدان بكل عواطفه ومشاعره الفياضة ومن ثم العقل فاليدان.
|