كان أمراً منطقياً بالنسبة إلى بلادنا الصاعدة ان تستكمل بسرعة جميع المقومات الحضارية الحديثة، في جميع نواحي حياتنا وبخاصة في النواحي الصحية، التي توليها حكومة جلالة الفيصل المعظم حفظه الله، كل رعاية وعناية واهتمام.
ولاشك ان العلاج الطبيعي، يعتبر من أهم أنواع العلاج الطبي، الذي بدأت آثاره وفوائده تسترعي الانتباه، الأمر الذي جعل الكثير من دول العالم المتطور تفرد له كليات خاصة، حتى بدأ هذا اللون من العلاج الناجع، ينتشر في انحاء العالم، وأنشئت جمعيات كبرى للعلاج الطبيعي وبدأ العلاج الطبيعي ينافس عن جدارة، ضروب العلاج الاخرى، التي تقوم أساسا على الأدوية والكيماويات.
ولما كانت بلادنا ولله الحمد حافلة بالمواهب والكفاءات، التي تجد الفرصة والتشجيع في عهد نهضتنا الزاهرة بقيادة جلالة الفيصل المفدى، فقد كان طبيعيا ان يتقدم لملء هذا الفراغ، شاب سعودي من ألمع شبابنا واكثرهم نشاطا ووعيا، كرس كل جهده وماله وعلمه ودراسته وخبرته، لكي يؤسس هذا النوع من العلاج في بلادنا، فكان له ما أراد، ونجح في انشاء دار ضخمة للعلاج الطبيعي بمدينة الرياض.
أنت تقصد هذه الدار في شارع الملك فيصل بالرياض، فتطالعك لافتة كبيرة تدل عليها وتعرف منها ان الدار تقوم بتقويم شلل الاطفال، وعلاج الروماتيزم، والاعصاب وازالة السمنة، والعلاج بالاشعة البنفسجية والحمراء، وكثير غير ذلك من ألوان العلاج.
وانت بعد ذلك تصعد السلم فتجد ان الطابق الثاني بأكمله تقريبا «ثلاث شقق» قد غص بأحدث ما ظهر حتى الآن من اجهزة العلاج الطبيعي، آلات صغيرة واخرى متوسطة واخرى كبيرة، أحواض للماء حمامات بالبخار، كراسي كهربائية ومغناطيسية حمامات الكهرباء والبرافين لعلاجات الروماتيزم اجهزة للتدليك بالكهرباء، قسم للعلاج الفيزيقي بالتمارين الرياضية وبالاجهزة الطبية الحديثة، قسم للاشعة القصيرة «الشورت ويف»، وقسم آخر للاشعة البنفسجية والحمراء، اقسام خاصة لازالة السمنة، قسم لامراض الظهر، اقسام لعلاج الشلل والروماتيزم بالاجهزة المغناطيسية، وقسم خاص لعلاج شلل الوجه بالعلاج الطبيعي.
يا الهي! كل هذا الاستعداد الضخم!
ولكن صاحب ومدير الدار، الاخصائي السعودي كمال ادريس، يبتسم في تواضع، ويقول لك: ليتني استطيع استكمال ما في ذهني من مخططات!
يقول ذلك، بينما تشتمل الدار - فيما تشتمل عليه - على اربعة اجهزة للعلاج بالمغناطيس، تبلغ قيمة كل جهاز منها ثلاثين الف ريال سعودي!
وتعود لتمعن النظر في هذا الرجل الواقف امامك، وانت تفيض اعجابا بهمته ونشاطه واخلاصه، فاذا بك امام انسان تأسرك شخصيته الهادئة، تشع عيناه بذكاء شديد، مستنير، وشخصية فذة، وثقافة عالية، وخبرة طويلة. وتمضي مع الاخصائي كمال إدريس عضو الاكاديمية الامريكية للعلاج الطبيعي الى داخل عيادته الواسعة، فتصادفك عند المدخل غرفتان للاستقبال والانتظار عن يمين ويسار، اثثتا بعناية وفخامة، احداهما للرجال والاخرى للسيدات، فهذا الرجل - بالمناسبة - حريص على دينه غاية الحرص، ولا عجب في ذلك، فهو ابن الشيخ الفاضل عبد القادر ادريس، من وجهاء الطائف، وصاحب فندق العزيزية بها.
بعد ذلك تعرف ان الاخصائي كمال ادريس، رغم انه لا يزال مدينا بمبالغ كبيرة من اثمان تلك الاجهزة، فانه يصر اصرارا عجيبا على علاج الفقراء من الروماتيزم ومن الشلل مجانا بصفة دائمة.
اما الذين يدفعون اجور العلاج، فانه يتقاضى منهم اقل من التسعيرة التي حددتها وزارة الصحة السعودية.
وانت بعد هذا وذاك..
تشاهد زحاما من الناس رجالا ونساء.. يدخلون الى دار العلاج الطبيعي ويخرجون منها.. بعضهم يحمل اطفالا يعانون شللاً في الاطراف، وتسألهم : كيف الحال؟!
فيجيبونك والامل والسرور في أعينهم: حمدا لله، وشكرا على ان هيأ لنا هذا الرجل، وهذه الدار.
بل الأكثر من ذلك، انني شاهدت سيدة اجنبية تخرج من الدار، وعرفت انها ألمانية فسألتها عن شكواها، فقالت «انني اشكو آلاما في عظام الكتف، ولقد تعبت من التردد على عدد من الاطباء، واخيرا اكتشفت هذه الدار.. وانا اتحسن بشكل ملحوظ.. انني لا أصدق نفسي.. انها معجزة.. معجزة!!».
تلك هي دار العلاج الطبيعي بالرياض، في سطور قلائل، ولا يسعنا ونحن نحيي جهود هذا المواطن الصالح، الاخصائي كمال ادريس، الا ان نناشده افتتاح فروع لمؤسسته النافعة هذه في باقي مدن المملكة وليكن الفرع الاول في مدينة جدة، مهما كلفه الامر، حتى ولو استدعى ذلك تشجيعا ماديا وادبيا من وزارة الصحة السعودية، وعلى رأسها الوزير الشاب المخلص الذي يفيض نشاطا ووعيا وحبا للخير، معالي الشيخ حسن آل الشيخ، وكذلك سعادة الدكتور هشام عبد الغفار، وكيل وزارة الصحة، الذي اثبتت التجارب انه الرجل المناسب في المكان المناسب.. والله الموفق.
| 
