Wednesday 15th January,2003 11066العدد الاربعاء 12 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ورحل الأستاذ القدوة فارس التعليم والمنبر ورحل الأستاذ القدوة فارس التعليم والمنبر
إبراهيم بن حسن الدهيمان/مشرف التوجيه والارشاد في الادارة العامة للتعليم بمنطقة القصيم

الحمد لله الذي كتب الفناء على كل شيء حيث قال:{..كٍلٍَ شّيًءُ هّالٌكِ إلاَّ وّجًهّهٍ..} والحمد لله على قضائه وقدره وكلنا سائرون علي هذا الطريق لحكمة أرادها الله عز وجل وفي كل يوم يموت خلق كثير:


كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
يوما على آلة حدباء محمول

ولكن العبرة بالعمل الصالح وحسن الختام نسأل الله ان نكون كذلك ، ولكن عندما تتلقى خبر وفاة عزيز ، أو صاحب فضل عليك لاشك أن وقع المصيبة سيكون أعظم وأشد من غيرها.
والشخص عندما يتحدث عن عزيز عليه بعد وفاته فان ذلك لذكر محاسن ذلك الرجل، وللتذكير بالدعاء له، ففي صباح يوم الثلاثاء الموافق 4/11/1423هـ تلقيت خبر وفاة الشيخ/ محمد بن عبدالله الطاسان الذي خدم التربية والتعليم لما يربو على 36 عاما، وفارس منبر الاعياد والجمع والصلوات لما يزيد على 52 عاما في جامع السحابين في منطقة القصيم الذي وافته المنية في ذلك اليوم.
هذا الرجل الذي اتشرف بأنني تتلمذت على يديه في المرحلة الابتدائية في بداية الثمانينات من الهجرة والذي كنا نطرب لاسمه المشتهر بيننا «المطوع» والشيء الذي أودُّ ان اتطرق اليه لاشك انه مهم للملتحق بالتربية والتعليم حديثا.
هذا الرجل كان يدرسنا مواد التربية الاسلامية ويركز رحمه الله على تلاوة القرآن الكريم تلاوة صحيحة خالية من اللحن، لدرجة ان المتخرج في الصف السادس في ذلك الوقت يؤم الناس في صلاة التراويح. وكان يوجد في ذلك الوقت في مدرسة السحابين الابتدائية التي كان يدرس بها بعض الاخوة المعلمين الوافدين من البلاد المجاورة وكانوا يتفنون في التعذيب والاهانة والضرب للطلاب واذكر ان احدهم اشبع احد الطلاب ضربا لانه لم يستطع نطق كلمة المحيط الاطلنطي فقط.
وكانوا يحملون عصا غليظة وياليت الضرب مع الكف لكان الامر أهون وإنما مع أصابع اليد من الخلف اما منظر الدم في الاصابع فشيء طبيعي في الحصة. واكثر الطلاب هرب من المدرسة بسبب هذا العمل المنفر للطلاب من بعض هؤلاء الوافدين اما معلمنا القدوة رحمه الله فكان لا يلجأ الى العقاب البدني اطلاقا. وعقابه لنا عندما نخطئ في التلاوة يكون على صورة ضربة خفيفة بسيطة جداً في مسواك كان يحمله. هذه الضربة اليسيرة تحمل لنا معاني الود والابوة والنصيحة الامر الذي جعلنا نحبه ونقدره ونحب المواد التي يدرسها لنا. لا يحمل العصا مطلقا ولكن كان لديه من الوقار وضبط الفصل الشيء الكثير، يهتم بالتوجيه باستمرار ويستغل الفرص والمناسبات للتوجيه. واذكر ان احد التلاميذ في الصف السادس لديه عادة وضع اصبعه في فمه، فيمر عليه رحمه الله بهدوء وبدون ان يشعر به احد فيخرج الاصبع من الفم، بدون تعنيف او احراج للتلميذ.
وكان يدخل في بداية الحصة، ولا يخرج الا في نهايتها، ننتظر قدومه للفصل بكل شوق وارتياح، تجد السرور على محياه عندما يحس ان طلابه اتقنوا المادة او حفظوا السورة. فمن توجيهاته الخالدة التي مازالت عالقة في رؤوس طلابه استشهاده وهو يدرسنا القرآن الكريم بقول ابن عباس رضي الله عنه.. اذا سمعت قول الله عز وجل {يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا..} فأرعها سمعك فانها إمَّا خير تؤمر به أو شرُّ تنهى عنه.
لا يسب ولا يشتم ولا يرفع صوته، ويطلب من الطالب الاعادة اذا اخطأ فاذا لم يستطع طلب من زميله تصويب الخطأ، وكان رحمه الله يتفقد ملابسنا في الشتاء، ويزور اباءنا في المزارع خارج اوقات الدوام ويخبرهم عن المستويات الدراسية والسلوكية.
لا يحمل شهادات عليا وانما شهاداته وقدوته نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في التربية والتعليم والتوجيه في تدريسه بركة ولنصيحته قبول واشهد الله اني احبه في الله، واسأل الله ان يجمعني به والمسلمين في الجنة.
تراه دائماً هاشَّا باشَّا ليس لديه تحيز، انما العدل سيرته لا يعنف احداً، الابتسامة لا تفارق محياه في الفصل واثناء الفسح لا يجلس في الفصل في اثناء الشرح.
يمر على كل واحد منا يتابع قراءته لانه يحمل هم تربية الجيل ويطلب منا وضع الاصبع على الآية التي يقرؤها.
اما خطبه وتلاوته للقرآن فشيء عظيم كم ابكى الناس في التراويح، وكما ابكاهم عند ختمه للقرآن وفي خطب الاعياد والاستسقاء وغيرها. زرته قبل وفاته رحمه الله بأيام، وكان يسأل عن الاحوال، وعن بعض زملائه والكبار في السن، اما الشيء المفرح ولله الحمد، ونسأل الله تعالى ان ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم:« سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ومنهم: «ورجل قلبه معلق في المساجد» حيث انني عدته في المرة الاخيرة قبيل وفاته بأيام وذكر لي احد ابنائه انه كان يوقظهم للصلاة آخر الليل عندما يفوق من الاغماء فيقول لهم الصلاة وجبت اذهبوا الى الصلاة، الله اكبر وهو يعاني من المرض الشديد كم لدينا امثال هذا الرجل القدوة في هذا الزمن الذي اصبحت فيه الصلاة ثقيلة على كثير من الناس.
كما اذكر انه اجرى عملية جراحية قبل خمس عشرة سنة تقريبا فزرته في المستشفى، وسألته عن احواله الصحية فحمد الله وشكره، الا انه بكى في نفس اللحظة فقلت له مالذي يبكيك يا ابا عبدالله فقال: ان الطبيب قال لي انك لن تستطيع امامة الناس في شهر رمضان بعد اسبوع وتحتاج الى نقاهة وانا لي اكثر من 40 سنة لم اترك صلاة التراويح في مسجدي.هكذا يكون المربي قدوة يحتذى به في اخلاقه وسلوكه وسيرته افنى عمره بين المسجد والمدرسة وعند وفاته اكتظ المسجد للصلاة عليه وامتلأت المقبرة عند دفنه مع قصر الوقت بين خبر وفاته والصلاة عليه، وتأثر الناس لرحيل هذا الشيخ الذي فرض حبه واحترامه على الجميع بحسن خلقه ومعاملته الطيبة لانه كان ومازال وسيظل والداً للجميع بأخلاقه ومعاملته وانني بهذه المناسبة اقترح على ابنائه جمع خطبه المتناثرة الغزيرة في الجمع والاعياد في كتاب يستفاد منه لعلها تكون من العمل النافع الذي يبقى للانسان بعد وفاته كما اقترح ان تبوب الخطب حسب موضوعاتها نسأل الله تعالى ان يتغمده بواسع رحمته وان يجعل قبره روضة من رياض الجنة وان يصلح اولاده وان يهدينا جميعا الى الطريق المستقيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved