كانت المدينة المنورة تستظل بظلال الشريعة المطهرة، في عهد ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، وكان راكبٌ يغذُّ سيره، ويحدو ناقته، ثم ينتقل من برٍّ إلى بحرٍ الى برٍّ حتى وصل الى الصِّين، نعم الصين المملكة العظيمة التي تعد من أعظم الممالك آنذاك اتساعا وعدد سكان، وهيبة عسكرية ومكانة دولية كان الراكب يسير، لا يبالي ببعد المكان، ولا يلوي لحصان عزيمته عِنان، لأنه كان يسير، وفي صدره نور القرآن، وفي نفسه ثقة واطمئنان، وفي قلبه يقين وايمان، راكبٌ يرى الدنيا كلَّها بستانا تزهر فيه أوراق الخير، ولكنها تحتاج الى ماء النهر الصافي، والمنبع الذي لا ينضب، والنسيم العليل الذي يثير كوامن الأزهار، ويبعث الأمل في غصون الأشجار.
راكبٌ يحمل رسالة دعوة الى الخير، الى الايمان، الى سعادة الدنيا والآخرة، راكب، غذَّاه الوحي المبين الذي نزل على خير المرسلين في مكة المكرمة، وأتمَّ الله سبحانه وتعالى نزوله في المدينة المنورة، وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم الى ملوك الأرض وسلاطينها برسائله المباركة تدعوهم الى ذلك الوحي المبين، الذي غُذِّيَتْ به روح ذلك الراكب المتجه الى الصين.
راكب يحمل رسالة دعوة الى الله، الى الاسلام، إلى الخير، يحملها وهمَّته أكبر من صعوبات الطريق، رسالة بعثها أمير المؤمنين «عثمان بن عفان» رضي الله عنه الى الامبراطور الصيني تتضمن بلاغا ودعوة الى الاسلام، يا لها من رسالة ويا له من خليفة، ويا له من راكب يحمل الرسالة وفي عينيه اشراقة نور الأمل والحرص على الأجر الوفير من رب قدير.
لقد وصل الراكب بعد مسيرة شهور إلى الصين، ووضع رسالة خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه في يد امبراطور الصين، فكانت الرسالة بابا مفتوحا للتفاؤل بدخول الاسلام الى بلاد الصين، وكانت مفتاحا لبعض التجار المسلمين من العرب وغير العرب الذين هاجروا الى تلك البلاد النائية الغنيَّة للتجارة.
وقد استقرت أسر مسلمة خاصة الأسر العربية - في بلاد الصين واستوطنوها وأصبحوا من أبرز أهلها، وانتشر الاسلام بسببهم في بلاد الصين.
أين سور الصين العظيم؟؟، ياله من سور صغير أمام عزائم الرجال.
تداعت الى الذهن هذه الذكريات التاريخية العريقة في لجسة مع بعض ضيوف الجنادرية من أبناء الصين، حيث تحدث أحدهم وهو الاستاذ «محمود يوسف» عن الاسلام في الصين، وأحوال المسلمين هناك، الذين يبلغ عددهم أكثر من عشرين مليوناً، يعيشون حياة مستقرة الآن، ويتطلَّعون إلى مواكب الدعاة المسلمين ليفقهوهم في الدين، وأشار الأستاذ محمود الى أن الشعب الصيني شعب عملي، ولديه من «الأخلاق الحسنة» ما يجعله قريبا من الاسلام، وان العلاقات بين المسلمين وأهل الصين «الكونفوشيين» قوية متينة، وأن هناك تعليمات في ديانة الصينيين توافق تعليمات الشرع الاسلامي، فمن تعاليم «كونفوشيوس» صاحب ديانتهم ما يتفق مع الاسلام في موضوعات مكارم الأخلاق، وبناء الأسرة، وتحريم الزنا، وشرب الخمر، وغير ذلك من التعليمات التي تسهِّل على الصيني معرفة الاسلام، والدخول فيه.
وأشار الى ان الحضارة الصينية «حضارة مغلقة»، وانه من الصعب على العولمة الغربية أن تنجح في خلخلة المجتمع الصيني، موضحا ان المظاهر الغربية تختفي تقريبا، إذا خرجت خارج العاصمة الصينية، فهناك لا تجد أثرا لأي قناة فضائية غربية، وانما هي قنوات تلفازية صينية عددها سبع وثلاثون تعرض على الناس ما يناسب دينهم وأخلاقهم.
وقد أشار د. محمد بن خالد الفاضل الى جهود دعوية وخيرية للمملكة العربية السعودية بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين، والى دور جيد تقوم به المؤسسات التعليمية الاسلامية هناك، حيث انه زار الصين مع الشيخ صالح السدلان أكثر من مرة.
وأقول: ما أعظم هم أسلافنا الذين وصلوا الى الصين على ظهور الدواب، اذا قسناها بهممنا في عصر «الطائرات».
اشارة
إذا اشتكى مسلم في الهند أرَّقني وإنْ بكى مسلمٌ في الصين أبكاني
|
|