Wednesday 15th January,2003 11066العدد الاربعاء 12 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ازدواجية المعايير ازدواجية المعايير
روبرت فيسك (*)

أعتقد ان الصورة قد تكونت لدي، ان كوريا الشمالية تنتهك كل اتفاقياتها النووية مع الولايات المتحدة وتلقي بمفتشي الأمم المتحدة خارج منشآتها وتتأهب لصناعة قنبلة كل عام والرئيس بوش يقول: إنها قضية دبلوماسية والعراق قام بتسليم تقرير يضم 000 ،12 صفحة بشأن انتاجه من الأسلحة ويسمح لمفتشي الأمم المتحدة بالتجول في طول البلاد وعرضها وبعد عدم عثورهم على أي شيء من المواد الكيميائية الخطيرة خلال 230 زيارة مفاجئة يعلن الرئيس بوش ان العراق يشكل تهديدا لامريكا وانه لم يقم بنزع أسلحته وبالتالي فإنه يتعين غزوه.
منذ فترة ليست طويلة حدث في مجلس العموم ان رئيس وزرائنا توني بلير أعلن - في نبرة مدرسية عادية تستخدم مع التلاميذ الذين يتسمون بالغفلة او البلادة في الفصل بشكل خاص - ان مصانع صدام لانتاج أسلحة الدمار الشامل كانت تعمل لفترة وتتوقف لفترة أما مصانع الزعيم الغالي في بيونج يانج فانها تعمل لفترة وتتوقف لفترة حاليا وتوني بلير يلتزم الصمت.
اذن لماذا نتسامح مع هذا الوضع؟ ولماذا يتسامح معه الامريكان؟ على مدى الايام القليلة الماضية كانت هناك تلميحات صغيرة للغاية بان وسائل الاعلام الامريكية - وهي اكبر داعم لحملة الكذب التي يشنها البيت الابيض وأبرزها استحقاقا للوم - توجه أسئلة قليلة تتسم بالجبن.
بعد اشهر من بدء صحيفة «الاندبندنت» في توجيه اهتمام القراء الى زيارات دونالد رامسفيلد الشخصية التي اتسمت بالحميمية لصدام حسين في بغداد في ذروة استخدام العراق للغاز السام ضد ايران عام 1983 قررت صحيفة «واشنطن بوست» اخيرا ابلاغ قرائها بقدر مما كان يجري وقد اشار الصحفي مايكل دوبسالي الفقرات الخبيثة من قبيل ان الآراء تختلف بين خبراء الشرق الأوسط بشأن ما اذا كانت واشنطن تستطيع ان تفعل ماهو اكثر من وقف تدفق تكنولوجيا بناء أسلحة الدمار الشامل على بغداد.
لقد كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» اكثر الصحف الامريكية جبنا في تغطية احداث الحادي عشرمن سبتمبر في الفقرة الخامسة من تقريرها بالطبع ان مسؤولي وكالة المباحث الفيدرالية قاموا على مدى الاسبوع الاخير باعتقال وتقييد مئات من النساء اللاتي جئن لاخذ بصماتهن وفي بعض الحالات قام المسؤولون بانهاء تأشيرات الدراسة والعمل في الولايات المتحدة وفي حالات اخرى لم يستطع الرجال تقديم الوثائق الكافية الدالة على وضعهم كمهاجرين.
وفي لوس انجلوس نفد ما لدى رجال الشرطة من اشرطة ربط الايدي البلاستيكية في الوقت الذي كانوا يسوقون الرجال امامهم لاغلاق الابواب عليهم وكان الكثيرون من بين الف رجل تم اعتقالهم دون محاكمة او اتهام عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر من المولودين في امريكا.
إن برنامج اليقظة الشامل الامريكي الذي يتكلف 200 مليون دولار سوف يسمح للحكومة الامريكية بمراقبة البريد الالكتروني للمواطنين وتتبع نشاطهم على شبكة الانترنت وجمع المعلومات الخاصة بتحركات كل الامريكيين.
ان صحفيينا لم يبلغونا بما تقوم به الادارة الامريكية حاليا من ازعاج الحكومات الاوروبية بطلب الحصول على مضمون ملفات مواطنيها فقد جاء أحدث هذه الطلبات - واكثرها بعدا عن العقل - في صورة طلب امريكي للسماح للمسؤولين الامريكيين بالحصول على سجلات الكومبيوتر الخاصة بشركة الطيران الوطنية الفرنسية «ايرفرانس» من اجل الحصول على نبذة عن آلاف الركاب، كل ذلك يفوق أشد أحلام صدام حسين والزعيم العزيز كيم ضراوة وشراسة.
لقد وجدت هذه القواعد الجديدة طريقها الى الاكاديميات العلمية ومنها على سبيل المثال جامعة بوردو الصغيرة في انديانا التي القيت بها محاضرات منذ اسابيع قليلة حيث تعكف حاليا - بالارصدة الفيدرالية - على انشاء «معهد للأمن القومي» يعمل به 18 خبيرا من المسؤولين من شركتي بوينج وهيلويت باكارد ووزارتي الدفاع والخارجية لتنظيم «برامج أبحاث» حول «مناطق المهام الحرجة».
إنني في دهشة ترى ماهي تلك المناطق؟ بالتأكيد، لا توجد علاقة بذلك بالظلم في الشرق الاوسط او الصراع العربي الاسرائيلي أو وجود آلاف من القوات الامريكية في الاراضي العربية وفوق كل ذلك ففي العام الماضي قال ريتشارد بيرل- اكثر المستشارين الموالين لاسرائيل شرا في ادارة بوش إنه يتعين تجريد الارهاب من القرائن.
وفي الوقت نفسه فاننا نسير نحو خوض حرب في العراق التي تمتلك البترول ونتجنب الحرب في كوريا التي ليس لديها بترول ان قادتنا يقومون بعمل منكر دون التعرض لعواقبه الوخيمة وفي مثل هذه الحالة فاننا نهدد الابرياء ونعذب سجناءنا ونتعلم من الرجال الذين ينبغي ان يكونوا في اقفاص مجرمي الحروب تلك هي الذكرى الحقيقية للرجال والنساء الذين لقوا مصرعهم بقسوة في الجرائم التي ارتكبت ضد الانسانية في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

(*) عن «الاندبندنت» اللندنية
خدمة الجزيرة الصحفية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved