Wednesday 15th January,2003 11066العدد الاربعاء 12 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مركاز مركاز
توظيف الوهم
حسين علي حسين

يقبع الآن في السجن رجل جرَّ معه مئات الأشخاص إلى الإفلاس، ورغم مضي عدة سنوات على سجنه، فقد عجز الجميع عن إجباره على رد حقوق الناس، وقد كان هؤلاء الناس من عدة دول، بعضهم مات، وبعضهم ما زال يتجرع الصبر، ومعه الآلام، حزنا على أمواله، التي جمعها ثم أودعها، باردة ومجمدة، في خزينة الاجهوري، والذي لم يقصر - والحق يقال - في فرش الورود أمام الجميع، فالفوائد عالية، وهي كل يوم في علو أكثر، حتى اكتشف أمر مؤسسة الاجهوري، ومعها العديد من المؤسسات، التي كانت تتاجر مع الناس، في بضاعة اسمها الوهم، ورأسمالها أراض في الصحراء واستثمارات في إسبانيا، والإسكندرية، وبلاد تركب الأفيال، حتى إذا حصحص الحق، تكون الغلة في مكان أمين، لا تطاله يد وزارة التجارة، أو غيرها من الجهات المختصة بسهولة.. ولأن الناس لا تتعظ، وتجري دائما وراء من يعطيها، أو يعدها على الأقل، فقد تعددت المآسي، وكل يوم أو شهر أو سنة، تأتينا الأخبار، بشركات توظيف الأموال، وكلها تتدثر بالدين، فهذه مرابحة، وتلك مشاركة، مستغلين الطبيعة الدينية لمواطنينا، الذين يهربون ما استطاعوا، من كل ما يأتي متدثراً بالربا أو الفوائد البنكية!
قبل أشهر اكتشفت جمعية من هذا النوع في المدينة المنورة، وكانت هذه الجمعية تقدم فوائد كبيرة لمن يشترك معها وصلت إلى أكثر من 50%، ومعها مزايا متعددة، كأن يكون من حق صاحب المال سحب ما دفعه في أي وقت، لكن هذه الميزة تتبخر حالما تدخل الغلة، أو مبلغ المساهمة، إلى صندوق الجمعية، وهكذا عندما فاحت رائحة المماطلة، وتدافع الناس لطلب حقوقهم، هرب أو توارى عن الأعين، من وعد بتقديم أرباح تصل، كما قلنا، إلى أكثر من نصف المبلغ، الذي تم توظيفه، وقد أغلقت - الآن - أبواب هذه الجمعية التعاونية، بالضبة والمفتاح، وبداخلها أو حولها أو في الهواء حقوق الناس، ومنهم الطماع الذي كان يأمل في أرباح كبيرة لأمواله بأي طريقة، ومنهم الموظف الغلبان، الذي كان يأمل في بناء فيلا، وشراء سيارة فارهة، والنزهة في بلاد الله الواسعة، مثل غيره من الهوامير، ومنهم الأرملة التي تأمل في توظيف ما تركه عائلها، لكي تستطيع أن تربي أبناءها، وتجهزهم للمستقبل، بأيسر وأقصر الطرق، هؤلاء جميعاً، يعضون الآن أصابع الندم، على إقدامهم بطوعهم، واختيارهم، تقديم سلال بيضهم كلها إلى حوت، ليبلعها دفعة واحدة، وبالتأكيد سوف ينتظرون طويلا، حتى يرمي هذا الحوت، بعضاً من هذه السلال، ولو في صورة مبالغ صغيرة، فالحدأة كما يقولون في الأمثال - لا تخلف كتاكيت، إنها تأكلها فقط!!
وهناك جمعية مشابهة، في المنطقة الجنوبية، صفيت وما زال الناس ينتظرون نتيجة التصفية، لكن الطامة الكبرى والمتمثلة في ال(25) شركة التي جمدت أموالها في المنطقة الشرقية، والتي يحرسها ويغذيها، من أموال أناس طيبين، ثلاثة أشخاص، نعم ثلاثة أشخاص، وكان بإمكان هؤلاء الثلاثة، أن يؤسسوا ثلاث شركات، لكنهم إمعاناً في التعمية، وحتى لا يتضح حملهم الكاذب بسهولة، وزعوه على عدة بطون، كل بطن يضم عشرات الملايين، أما كيف تستثمر هذه الملايين، التي كانت تنمو بسرعة هائلة، فليس هناك سوى شراء البنوك والجمعيات الزراعية، ومحلات المواد الغذائية، في دول تفتقر إلى أدنى مقوم من المقومات التجارية، وكانت الحجة أن هذه الدول النامية، تدر فيها مثل هذه الأعمال التجارية، أرباحاً طائلة، أكبر بكثير من الأرباح التي قد تأتي، لو استثمرت هذه الأموال في المملكة، خاصة وأنهم وعدوا الناس الطيبين، بأرباح صافية، تصل إلى أكثر من 60% ولا أحد يسأل، إذا كانوا يعطون الناس 60% كم يأخذون لأنفسهم!!
ما هي مسؤولية مؤسسة النقد، إزاء مثل هذه المؤسسات؟ هل المطلوب أن تطرق أبواب الناس لتحذرهم، أو تنصحهم، بعدم التعامل إلا مع البنوك المرخصة، ثم تقول لهم بصريح العبارة، إنها غير مسؤولة، عن أي أموال، يتم إيداعها أو تسليمها، لجهات غير مرخصة، لاستثمارها في حالة فشل تلك الجهات، في الايفاء بتعهداتها للمواطن؟ لو قامت مؤسسة النقد بذلك، لوجدت منا اللوم، وإن لم تقم بذلك وجدت منا اللوم أيضا.. وننسى أو نتناسى أن الجهل بالقوانين لا يعفي المخطئ من العقوبة، والعقوبة أخذها من أودعوا أموالهم في شركات وهمية، ويجب أن يأخذها مضاعفة من ورطوا هؤلاء البسطاء! مع البحث عن وسيلة مأمونة، مثل الجمعيات المرخصة، والموجودة فعلا في العديد من الدول، لتشغيل أموال ذوي المدخرات البسيطة، والذين يرغبون في تنميتها، بعيداً عن البنوك، التي باتت تأخذ الكثير، ولا تعطي سوى القليل، لكنه قليل مضمون، وإن كان مجحفاً، وهو عكس ما تفعله شركات توظيف الأموال، التي تبدأ كالمطر، وفي لحظة يتحول هذا المطر، إلى طوفان يلتهم الجميع!

فاكس: 4533173

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved