Wednesday 15th January,2003 11066العدد الاربعاء 12 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

العزلة..!! العزلة..!!
إبراهيم عبدالرحمن التركي

(1)
** لم ينكسر في «حمد الحجي» و«فهد العسكر» و«جمال حمدان» شكلٌ «خارجي» بل أحاسيس «داخلية»..!
** وعلى الرغم من أنهم ثلاثة «متباينون» في حياتهم وتوجهاتهم لكنهم «اعتزلوا» او «عزلوا» فقرأوا «العالم» بصورة «أخرى»..!
** لم يكن عالمهُم مألوفاً لمن تسكنه شهوةُ «المتعة» «المادية» أو «الحسية»، فقد عاشت عقولهم عبقرية «الحضور» وطُهر «الغياب»..!
*. ليسوا وحدهم.. بل إن المفارقة الأهم هنا هو ان معظم «الأطباء النفسيين» من الغرب ومن الشرق هم في حالة غير مستقرة نفسياً.. كما هو الشأن مع العديد من نماذج التفرّد الانساني المبدع.. فهكذا عرفنا «كولريدج» و«ميسمير» و«يونغ»، وبالمناسبة فللدكتور «عبدالرحمن بدوي» رحمه الله كتاب عن «شخصيات قلقة في الاسلام» تختلف اسباب ومظاهر ازماتها «الذهنية» فليعد إليه من شاء استزادة..! ويكفينا منهم في هذا الاستشهاد انهم ارقام فاعلة في صناعة حكايات التاريخ..!
(2)
** «المدخل» يقودنا في الخاتمة الى «المخرج» حين لاتعوقنا «الأنفاق» عن النفاذ من ضيق «البدايات» الى عتمة «النهايات»..!
* «تشاؤم العقل» مصطلح أوجده «غرامشي» ونقله عنه «هشام شرابي» بصفته المسؤول عن اشكالات «القلق» و«التوتر» و«الخوف» و«اليأس» و«التوجس» و«التحسس» التي يعاني منها «المبدع» كما «النمطي»، و«المتميز» مثلما «العادي»..!
** وفي «العالم العربي» و«الاسلامي» ووسط ادواء «الجوع» و«الفقر» و«القمع» و«المرض» و«الهزيمة» فإن البحث عن «عقل متفائل» خيالٌ رائعٌ قد يصلح موضوعا لفيلم «سينمائي» مثير..!
** اقترح «شرابي» مصطلحاً مضاداً لتشاؤم العقل وهو «تفاؤل الارادة»، ولكنه لم يبيَّن: كيف تأتي الارادة وسط ركام «الإحباط» ينقله الأمس الى اليوم، واليوم الى الغد، والجيل الى الأجيال..!
(3)
** الرقم يقول إن أقل من 15% من بني يعرب هم من لهم الحق في الحد الأدنى من الحياة الكريمة في «الصحة والغذاء والتعليم»، وبمثل عابر فقد قدر خبراء منظمة الاغذية والزراعة حاجة الانسان من «الغذاء» يومياً كما ينقل «شاكر النابلسي» في «الزمن المالح» ل2350 سعرة حرارية و45 50 غراماً من البروتين الحيواني، ولكن 1 ،2% فقط من «العرب» هم من يمكنهم تناول 3000 سعرة وأكثر من 35 غراماً..!
** لايهم هنا سوى دلالة «الرقم» على مؤشر «المشكلة»، وربما تم الخلوص منه الى اشكالات أقسى تتصل بالاحتياجات «المادية» و«النفسية» والاجتماعية و«السياسية» و«الثقافية» تدفع «المتفائل» الى «التشاؤم» و«المتشائم» الى «القنوط» ليردد مع «عبدالرحمن شكري»:
لقد لفظتني رحمة الله يافعاً
فصرت كأني في «الثمانين» من عمري..!
** «مُل المقام» في رأيهم فقد اختلطت «الصور» وانعكست «الادوار»، وأضحى التفكير في «الغد» مقلقاً بل «مؤلماً»..!
** تجاورت «المقارنة» بين «المبدأ» و«الخُبْز»، وعرف الناس من تجاربهم القاسية أن «المبادئ» تتغير، و أن من عُدَّ بالأمس «خائناً» كرم اليوم بصفته «حكيماً» أو «بعيد نظر»، أما «رغيف الخبز» فلا يزال كما هو «مدوراً»، «مقوراً»، «مقمراً»، وأنه قبل «الحب» وبعد «الحرب»، يسبق المبادئ، وتضيع بسببه الكرامة «والحقوق» وتبرّر «الدناءة» و«العقوق»..!
(4)
** «المعادل» المقابل لأزمتي «المبدأ» و«الخُبْز»، هو «الإرادة» التي تدرك أن الحياة دور «تاريخي» يؤهل فيه «الانسان» لاستكمال أدوار سابقة في بناء «تراكمي» لا مكان فيه «ليائس» او «بائس» ولا «لمحبط» او لطابور «خامس»..!
** سقطت بغداد قبل «ثمانية قرون» وسقطت «قرطبة» بعدها بقرنين ونصف «أي قبل خمسة قرون تقريبا»، وسقطت «الخلافة» وهي الرابط الوحدوي الاخير على الرغم مما اثير او يثار حولها قبل اقل من قرن.. وفي هذه المسافات مراحل «غائمة»، كما تلتها حقب «معتمة» غاب فيها من سماء الأمة الاسلامية «الحق» و«العدل»، ووئدت «الحرية» و«المساواة»، وحين توجد محاولات «متناثرة» لرفع شعارات النهضة «بلغة» «الارادة» فإنها لاتلبث ان تقمع، وربما تحول «الشعار» الى «شجار»، و«الارادة» الى «بلادة» أو «وسادة للاحلام دون السعي» و«للتلذذ بغياب «الوعي»..!
(5)
** يعاني «الجيل العربي الحالي» من شعور مركب بالاحباط والتشاؤم والخيبة والفشل والالم، يدفعه إلى الايمان «بعدم الجدوى»، وهو إحساس قاتل حين يتجذر، وربما أدى الى شتات، او عزلة..!
** وإذا كنا في زمن مضى قادرين على ان نعد «النماذج» التي قادها اليأس الى الكآبة والاعتزال فان هذا الزمن لن يمنحنا ذلك فقد امتدت ازمة الوجود والانتماء والفعل لتمس قطاعا عريضا من الشباب العربي المرزوء في يومه وغده..!
(6)
** عرف في «مدينته» حكيماً وشاعراً عامياً انتقل الى الدار الآخرة يقصر دون رؤاه وتحليلاته الفلسفية الوجودية كثير من «العارفين»..!
** ويروي عنه صاحبكم ضمن ماسمع من روايات انه كان جالساً على قمة «نفود» مع أحد «أصفيائه» وفي أثناء تأملاته حرث في «الرمل»، ووجد «زجاجة عطر» يحتفي بها «المُغيَّبون» فقال لحظتها.. لقد ضاع شبابنا بين «تطرفين»..!
** أكملوا رؤيته ان شئتم..!
(7)
** لم يستطع ان يُحْيِي لكنه استطاع ان يميت.
** بذا وصف الامام محمد عبده رحمه الله الوالي «محمد علي باشا»، وقال إنه كان تاجراً زارعاً .. جندياً باسلاً .. ومستبداً ماهراً.. لكنه كان لبلاده قاهراً ولحياتها الحقيقة معدماً..!
** وربما أوضح «تشخيصه» دور «المثقفين» الذين بعث بهم «محمد علي» إلى «أوربا» تلخيصاً لمحور هذه المقالة، فقد رأى انهم تحولوا إلى آلات تصنع له ما يريد دون ان تكون لها إرادات فيما تصنع..!
** عبارة تغني عن ألف عبارة.. ولعلها اذا استعدتموها تختصر كثيراً من القول حول «الوهن» و«الوهم» و«الهوى» الذي انحدر «بالأمة».. وتضاعفت بسببه «الغمّة»..!
** يبقى أن «الارادة» سواء في «تفاؤلها» كما نادى «شرابي»، او في تصدرها للفعل مثلما ألمح «الشيخ» هي الحد الفاصل بين الانتماء و«الارتماء»، وبين «الحياة» و«الوفاة»..!
(8)
** لا عجب بعد ان رأيتم «العقل» في «الجنون»، «والوصل» في «الفصل»، و«التفاعل»، في «الاعتزال» و«الانعزال»، والقيادات الفكرية تنسحب إلى «الظل»، أو «تدور الى «الخلف»، لكنها بذلك وعلى الرغم من ذلك لا تُسْقط خطوط «الرفض» و«المقاومة» و«الاصرار» «بالمتوازنين» و«المتأزمين»..!
** الأمة لم تمت، ولن تموت، لكنها قد تبقى في «المرحلة السريرية» زمناً قبل أن تتحرر من «الخوف» وتنفخ فيها «الارادة».!
** المريض قد يعافى.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved