في جلسةِ حوار مع د/ سليمان تو، وهو رجل صيني ذو ثقافة جيدة، يعمل في الجامعة الإسلامية في الصين، بالرغم من أنه غير مسلم، في تلك الجلسة معه دار حوار طويل حول المسلمين في الصين، والعلاقات بينهم وبين غيرهم من أتباع الديانات الأخرى «الكونفوشوسية» و«البوذية»، فتحدث الرجل بحديث طويل، وتكلَّم بلسان عربي فصيح تشوبه الغُنَّةُ الصينية، ولكنه يجيد استخدام الفصحى بقليل جداً من الأخطاء فهو أفضل من كثيرٍ من أبناء العربية الذي يلوون بها ألسنتهم في هذا العصر، وقد أخبرني د/ سليمان بأنه تعلم اللغة العربية في الشام ومصر، وفي معهد اللغة العربية في بكين.
تحدَّث د/ سليمان عن أهمية الإسلام للعالم، وأنه الدين الذي تصلح أحوال الناس بمبادئه وتعاليمه، وتحدَّث عن أهمية القرآن، وقيمته الكبرى في توجيه مسيرة البشرية إلى الخير والصلاح والسلام، وتحدَّث عن ضرورة مواجهة الهجمة الثقافية والفكرية الغربية بالثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي المعتمد اعتماداً كاملاً على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد لفت نظري أن د/ سليمان لا ينطق باسم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يتبعه بالصلاة والسلام عليه، وتحدَّث عن «الأخلاق الكريمة» التي تنادي بها ديانة «كونفوشوس»، وقال إنها توافق الإسلام، فديانته تنادي باحترام الأسرة وتحريم الزنا، وتنظم الحياة الاجتماعية على احترام حقوق الآخرين، وعلى احترام العقل وعدم إضاعته بالخمر وغيرها من المسكرات، كما تدعو ديانته إلى الصدق وتنهى عن الكذب، وإلى العدل مع الجميع دون تفريق، لقد كان يتحدث عن هذه الجوانب وأنا أتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق».
وشارك في الحديث الأستاذ «محمود يوسف» وهو رجل علم صيني مسلم فأشار إلى أن رسالة عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى امبراطور الصين كانت فاتحة خير لدخول الإسلام إلى تلك البلاد النائية، وأن عدداً من المسلمين دخل إلى الصين في القرن الأوَّل الهجري، السابع الميلادي، وبرغم قلة عددهم إلاَّ أنهم استطاعوا أن يقدموا دينهم إلى أهل الصين بطريقة ممتازة، وفي القرن السابع الهجري، الثالث عشر الميلادي كثر عدد المسلمين في الصين لأن الغزاة التتار والمغوليين نقلوا إليها عدداً كبيراً من الأسرى العرب، والترك، والفرس بعد سقوط بغداد، ثم قال الأستاذ محمود ضاحكاً، إن المصائب التي حلَّت بالمسلمين في بغداد وغيرها بسبب الغزو المغولي، كانت فوائد للإسلام والمسلمين في الصين، وقال: لقد استوطن أولئك الأسرى الصين، ونحن نعد خلفاً لهم، وقال أ/ سليمان تو: إن البوذية دخلت إلى الصين قبل ألفي سنة، بعد «كونفوشوس»، وقبل وصول الإسلام إلى الصين.
وأذكر هنا أن الرحَّالة المسلم «ابن بطوطة» قد زار بكين وأشار في رحلته إلى أخلاقهم الحسنة، وطريقة حياتهم وبناء الأسرة عندهم بصورة تطابق الصورة التي تحدَّث عنها د/ سليمان، والأستاذ محمود.
حينما سمعت كلام د/ سليمان، قلت له: لم يبق بينك وبين الإسلام إلا أن تنطق بالشهادتين وتغنم الدخول فيه، فضحك قائلا - إن شاء الله - فقلت في نفسي، إن الله يهدي من يشاء، وتذكرت قول الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمية بن أبي الصلت حينما سمع شعره الديني مع أنه مات كافراً «آمن لسانه وكفر قلبه».
ودعوت الله سبحانه وتعالى له بالهداية.
سألنا الأستاذ محمود عن العالم الصيني المسلم «محمد مكين» فقال هو أبرز علماء الإسلام في الصين في القرن الميلادي الماضي، حيث درس في الأزهر الشريف، وتفقَّه في أمور الدين الإسلامي، وحفظ القرآن، وأتقن علوم الحديث، وأجاد اللغة العربية، وهو الذي ترجم معاني القرآن الكريم إلى الصينية ترجمة قويَّة متقنة كلَّ الاتقان تُعدُّ من أفضل ترجمات القرآن الكريم التي ترجم بها إلى اللغات الأخرى.
وكان لمحمد مكين أثرٌ كبير في نشر الدعوة والعلم الشرعي في الصين.
أقول: ما أعظم هذا الدين وما أكبر مسؤوليتنا نحن المسلمين تجاه من اعتنقه من اخواننا في العالم، وتجاه من لم يعتنقه، لأنه نَبْعٌ ترتوي به قلوب الظامئين.
إشارة:
وفرق بين زقومٍ وشوكٍ وبين ثمار أشجار النخيلِ
|
|