Tuesday 14th January,2003 11065العدد الثلاثاء 11 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إضاءة إضاءة
هل يسقط المقامر العنيد!
شاكر سليمان شاكوري

في استطلاع للرأي أجري مؤخراً في إسرائيل، صوّت 31% ببراءة «شارون»، فيما صوّت 42% بإدانته في تهمة الرشوة الانتخابية، التي اعترف بها في حق شارون رجل الأعمال اليهودي «سيريل كيرن» من جنوب افريقيا حين أعلن بأنه أقرض شارون مليوناً ونصف مليون دولار لتغطية نفقات حملته الانتخابية عام 1999، وقد طلبت الشرطة الإسرائيلية من جنوب افريقيا معلومات في القضية، تمهيداً للتحقيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي وولديه عومري وجلعاد. وهكذا ينحرف حزب الليكود 180 درجة عن شعار زعيمه «ارييل شارون» الذي يرفعه تحت عنوان «محاربة الفساد»، وذلك بوصول الفساد إلى شخص الزعيم ذاته وإلى أفراد من عائلته، بعد ان بدأ الإعلان عن أمر الفساد على لسان عضو آخر من حزب الليكود أعلن عن محاولة شراء صوته في انتخابات الحزب بمبلغ 500 دولار! العجيب في الأمر ان شارون حين وقف يعلق على التهمة الخطيرة المتعلقة بفساد ذمته لم يقدم أدلة براءة وإنما حمل الأمر كله على محمل حرب الانتخابات التي يقودها حزب العمل ضده، واستنكر على الحزب ذلك في وقت تتعرض فيه إسرائيل على حد زعمه لاحتمالات ردة فعل من العراق إذا ضربته أمريكا مشيراً إلى احتمال عودة بغداد إلى ضرب إسرائيل بالصواريخ كما حدث في حرب الخليج الثانية، وهو يقصد بالطبع صواريخ اسكود العديمة الأثر المقبوضة الثمن من الحليف الدائم أمريكا! والسؤال: هل هذا هو السبب الحقيقي الذي خفض أسهم تأييد الرأي العام الإسرائيلي لشارون وحزبه إلى أدنى معدل «53%»؟ وهل يتحول هذا الرأي العام في اتجاه حزب العمل؟ أم ان السبب الحقيقي يعود إلى فشل شارون المقامر في تحقيق الأمن الإسرائيلي، تلك المهمة التي خسر الرهان عليها على طول الخط، منذ وطئت قدماه حرم الأقصى الشريف قبل أكثر من عامين، مقامراً على اعتقاد ان الأمر كله لا يعدو غضبة عابرة واعتراض محدود، فإذا به أمام انتفاضة غير مسبوقة، كلما أعمل فيها آلة البطش ردت إليه الصاع صاعين، ورغم التفاوت الكبير في الإمكانيات لصالح الإسرائيليين فقد جاءت ضربات الاستشهاديين الفلسطينيين موجعة ويكفي ان عدد الضحايا في عملية تل ابيب الأخيرة وحدها بلغ أكثر من عشرين قتيلاً ومائة جريح. وإذ نتوقف في دهشة نتأمل أوراقاً تُكشف بعد أربع سنوات على الأحداث المتعلقة بها، نعود إلى الوراء قليلاً حيث نجد الرئيس الأمريكي السابق «كلينتون» يصف ما يجري على أرض فلسطين بأنه صراع بين شعبين «شجاعين»، وقد يكون صمود الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي قبالة تلك الأحداث الدموية وضحاياها على الجانبين ضرباً من ضروب الشجاعة التي لا تنكر، ولكن العمق العرقي والعقدي لكلا الطرفين يفترض معه ان يجعل الطرف الإسرائيلي أكثر حرصاً على السلامة من الطرف الفلسطيني، الذي ينطلق من فوق أرض محروقة، ومن لقمة عيش مهددة مكدودة ويرى له مداً عربياً وإسلامياً، مهما كانت ضآلة فعاليته فإن حجمه محسوب وصحوته مأمولة، وإن كان للحق والحقيقة فالاتحاد الأوروبي حالياً برئاسة اليونان ودول مثل فرنسا وألمانيا وروسيا يؤدون كثيراً من الواجب نيابة عن هذا المد فيما يتعلق بالشأن العراقي الآن على الأقل. جميل ان يتحول الرأي العام الإسرائيلي إلى طريق السلام بعدما تكشفت له الاكذوبة الكبرى التي طالما روّج لها شارون بإحكام قبضته على الفلسطينيين من خلال حملات العنف والتدمير، والمثير ان آخر قناع لهذه الاكذوبة قد تكشف حين كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يجلس على رأس اجتماع يتباهى بأنه ضبط الأمن الإسرائيلي، فإذا به لا يكمل حديثه حتى تأتيه أخبار العملية الاستشهادية في تل ابيب، وكأنها رد فوري على ادعاءاته الكاذبة، وهو الذي جرّ بلاده إلى أسوأ فترة في الصراع من حيث عدد الضحايا، ورغم ان ذلك ينطبق على الجانبين، إلا انه أشد إيلاماً في حق اليهود إذا نظرنا إلى محدودية تعدادهم في العالم كله «13 14 مليوناً» وسواء أكان تحول الرأي العام الإسرائيلي عن شارون بسبب فساد ذمته حيث قامر بقبول الرشوة الانتخابية قبل أكثر من ثلاث سنوات، وبالنظر إلى ضلوع ولديه في قضايا مماثلة، أم كان لفساد عقله ورأيه، بتكرار المقامرة والرهان الخاسر على تحقيق الأمن الإسرائيلي بالمزيد من سيل العنف بحق الفلسطينيين، فإنه تحول محمود نسبياً يمثل الجنوح إلى رغبة السلام الذي قد يحمل لواءه وجه آخر ربما يمثله الزعيم الجديد لحزب العمل، وإن كانت الأصوات المسخية من شارون لا تذهب كلها للعمل، وان كانت أيضاً بوادر الزعيم الجديد لا تبشر بخير، فرغم وعوده المتكررة، بمنحى السلام نجده الآن وقبل الوصول لسدة الحكم يقف في جبهة الرفض لمجرد حضور الوفد الفلسطيني محادثات لندن، التي تستهدف البحث عن مخرج لطرفي الصراع من أزمة مستحكمة. ولكن هل يُسقط العقل الإسرائيلي ذلك المقامر العنيد؟!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved