يتملكني من الأسى مداه ومن الغضب أشده في كل مرة أبتاع فيها آلة تقنية مستوردة ثم أتصفح كتيب «مرشد» التشغيل الملحق بها (Manual) فلا أجد فيه للغة العربية أي أثر، يحدث ذلك في وقت يتم فيه - في مثل هذه الكتيبات - منح العديد من اللغات الأخرى نصيبها من الشرح والإبانة، وفي ذلك ما فيه من الاعتراف والتقدير اللازمين حضاريا، يحدث ذلك في وقت تجد فيه أن بعضاً من هذه اللغات المذكورة هامشية نوعياً وكمياً.. وأقصد بالهامشية النوعية هنا عدم تمتعها بما تمتعت به اللغة العربية من التاريخ والحضارة.. بينما أعني بالهامشية الكمية انخفاض أعداد المتكلمين بها مقارنة بأعداد من يتكلم العربية من العرب والمسلمين على حد سواء.
أذكر أنني قد ابتعت في آن أربعة من الأجهزة التقنية المتعلقة بالحاسب الآلي، وعلى الرغم من أنني - مثل غيري ممن يتكلمون اللغة الانجليزية - أجد في قراءة المرشد الانجليزي سهولة أكثر مما لو كان في اللغة العربية، فقد غضبت أشد الغضب في كل مرة تصفحت فيها «المانيوال» ولم أجد للغة العربية وجوداً، وغني عن القول إن بواعث موقفي العاطفي هذا أكثر من أن تعد أو تحصى، من ضمنها حقيقة أن اللغة العربية تعتبر من اللغات الجوهرية التي أثرت وأثرَّت - حضارياً - في سيرورة وصيروة وكينونة «انسانية» هذا الكون كافة بمختلف مشاربها ومتباين عقائدها وثقافاتها، وهذه حقيقة ثابتة لا يجحدها إلا عدو مغرض أو جاهل معرض.
فاللغة العربية هي الوعاء الذي احتضن اسهامات اليونانيين، وهي الأداة التي قومت وصوبت الخاطئ منها، وبها تم تطويع النظري منها وتحويله إلى عالم التطبيق، ومن خلالها تم «جرد» وعزل الفلسفي المجرد من هذه الاسهامات وفرز الصالح/ الايجابي منها عن الطالح السالب، بل أضيف إلى هذا النتاج العظيم اضافات ونتائج ونواتج واستنتاجات أعظم وأعظم.. ليقدم إلى الغرب على طبق من ذهب حضاري/ علمي لم يسبق له مثيل تاريخياً، بل إنه لولا اللغة العربية - وطبيعة العلم التراكمية - لما قدر صانع هذه الآلات على صناعتها أساساً، ويكفي أنه حتى هذه اللحظة التاريخية فإن المعادلات الرياضية التي قادت إلى اختراع مثل هذه الآلات تكتب بأرقام عربية، بل إن الأرقام التسلسلية لمثل هذه الاختراعات تزهو بهذه الأرقام أيضاً.
بالطبع من المحال في هذه العجالة استعراض ما يكفي من المبررات ويشفي من التعليلات لموقفي «الاحتجاجي» ضد ظاهرة اغفال اللغة العربية في الكتيبات التوضيحية المعنية.. لذا وانطلاقاً من حقيقة ان ما يحويه جيب الانسان هو الأقرب إلى ذهنه.. دعوني أكتفي بالقول انه بوسع المنطلقات الاقتصادية وحدها تأكيد غباء مثل هذا الاغفال المغفل لا سيما في ضوء حقيقة ما يمثله في العدد «غثاء سيلنا» العديد من قوة استهلاكية للمنتجات الغربية.
المعاملة بالمثل أضعف الايمان في مثل هذه الحالة.. عليه فمن الواجب اشتراط اضافة اللغة العربية إلى الكتيبات الارشادية للمستورد من الغرب والشرق على حد سواء.. وإلا منع استيراد السلعة.
|