* تغطية - سعيد الزهراني:
في سياق النشاط الثقافي الذي يقدمه مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة أقيمت مساء أمس ندوة بعنوان «موقف الإسلام من الارهاب» شارك فيها كل من سعادة الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي، وسعادة الدكتور مراد هوفمان المفكر الإسلامي، وسعادة الدكتور سيد عطالله المهاجراني، وقد أدارها سعادة الدكتور راشد الراجح، حيث استهل الندوة مرحباً بضيوف الجنادرية من أرباب الفكر والثقافة ومرحباً بالضيوف المشاركين في الندوة وبالحضور. لينتقل بعد ذلك للحديث عن موضوع الندوة موجزاً في ذلك بعدها انتقل الحديث إلى سعادة الدكتور التركي بعد أن ألقى الدكتور الراجح نبذة مختصرة عن أبرز ملامح حياته العلمية والعملية والثقافية حيث قدم د. التركي ورقة عمل جاء فيها:يدعي بعض أعداء الإسلام - زوراً - أن هذا الدين يتبطن في تعاليمه أشياء تحث على اعتماد منهج العنف في التغيير، وأنه يحرض أتباعه على ممارسة أساليب ارهابية في قمع أعدائهم واخضاعهم لسلطانه، وينشر دعوته بهذه الطريقة، ويستدلون على هذه الدعوى عادة ببعض الآيات والأحاديث التي تأمر المسلمين بالجهاد في سبيل الله، وتحثهم على بذل النفوس والأموال في سبيل نشر الهداية بين الانسانية قاطبة، وتبليغ دعوة الإسلام ورسالته الخاتمة إلى الناس جميعاً، كما يستدلون في كثير من الأحيان بصور من واقع بعض الجماعات الإسلامية، وما تسلكه من المسالك في نشر فكرتها والدفاع عنها، ويصرون على تصوير حقيقة الإسلام بهذا الواقع.. وقد اشتدت هذه الحملات عبر أجهزة الإعلام الغربية خاصة، ومن خلال الخبر والرأي والتحليل، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وتفككه إلى جمهوريات مستقلة، وانتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب، وكأن المقصود من ذلك هو اظهار الإسلام في أعين الغربيين بصورة عدو جديد مرتقب حل محل الشيوعية في تهديد الحضارة الغربية، ومواجهتها فيما وصلت إليه من القيم الجديدة في بناء المجتمعات، وأنه الخصم الذي لا يقبل التعايش السلمي مع الغير في أسرة دولية واحدة!!ولا شك أن فريقاً من أولئك المدعين يجهلون الحقيقة تماماً، ويتصرفون بمقتضى الظروف الإعلامية المضللة التي أسهمت في تكوين هذه الصورة المشوهة المختلفة عن الإسلام والمسلمين، في نفوسهم، والأمل في تراجع أمثال هؤلاء عن مواقفهم، معقود على ما يقدم لهم من بيانات على خطأ الفكرة التي يحملونها في الأساس، وهنا تقع مسؤولية كبيرة على عاتق المسلمين، حكومات وشعوباً ومنظمات، في تبديد الضباب المخيم على ضحايا الإعلام الغربي، ووضع الصورة الحقيقية للإسلام أمام أعينهم،وقد خطت المملكة العربية السعودية خطوات طيبة موفقة في هذا المجال، بما تنظم من أعمال ثقافية وفكرية في الداخل والخارج، ومن خلال استضافة العلماء والمفكرين الإسلاميين وغيرهم من العلماء الغربيين المنصفين، وفي هذا الصدد يقول سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز ونظراً لما للمملكة العربية السعودية من ثقل روحي وثقافي واقتصادي وحضاري، فقد بدأت في اتخاذ سياسات رصينة تهدف إلى تحسين صورة المسلم أمام العالم. عبر تأثيرها في المؤسسات الاقليمية والعالمية، ولعب سياسيوها ومفكروها وتنفيذيوها، دوراً كبيراً في اقناع دوائر السياسة الأمريكية والأوروبية بضرورة فصل التصرفات الفردية عن الإسلام ديناً وحضارة، كما عملت في تصحيح المفاهيم الغربية عن الإسلام، بانشاء المساجد والمراكز الإسلامية والمدارس والكليات والكراسي العلمية في مختلف أنحاء العالم.
التسامح الديني
بعدها انتقل الحديث إلى د. مراد هوفمان حيث ابتدأ حديثه بالشكر والاشادة بمهرجان الجنادرية بما يطرحه من قضايا ثم انتقل إلى موضوع الندوة حيث تناول عدداً من النقاط في حديثه ذات العلاقة بالارهاب والإسلام والآخر.
فقد تطرق الدكتور هوفمان في حديثه إلى القرآن ذاكراً أن أعداء الإسلام يقولون إن في القرآن آيات تجعلكم ارهابيين وغير متسامحين في سورة البقرة والتوبة وغيرهما.
هؤلاء طبعاً يقرؤون بطريقة انتقائية غير صحيحة فالإسلام دون أدنى شك دين تسامح وأمن وسلام.
لينتقل الحديث بعد ذلك إلى سعادة الدكتور سعيد عطالله المهاجراني حيث ألقى كلمته بعد أن قدمه د. الراجح وقد ابتدأ كلمته بالآية الكريمة قال الله تعالى:{مّن قّتّلّ نّفًسْا بٌغّيًرٌ نّفًسُ أّوً فّسّادُ فٌي الأّّرًضٌ فّكّأّنَّمّا قّتّلّ النّاسّ جّمٌيعْا وّمّنً أّحًيّاهّا فّكّأّنَّمّا أّحًيّا النَّاسّ جّمٌيعْا}.
إذا ما تعمقنا في مفهوم الآية الكريمة، يمكننا أن نَخلُص إلى أن الله سبحانه وتعالى هنا إنما يضع لنا اطاراً واضحاً لمفهوم استخدام القوة في غير محلهِ بما يؤدي إلى الارهاب الذي نحن بصدد البحث عن تصور مشترك له في هذه الأيام.
فمفهوم الارهاب الذي يتم تداوله اليوم في أكثر من مكان وعلى أكثر من صعيد إنما تتم مناقشته في سياق أعمال استخدام القوة ضد الآخر ولما كان استخدام القوة ضد الآخر أمراً بات شائعاً على يد أكثر من طرف ولا يعرف بسهولةٍ من البادئ في استخدام هذه القوة وهل يتم استخدامها للهجوم أو للدفاع وفي سبيل الحق أم في سبيل الباطل، فإن مفهوم الارهاب ربما ذهب ضحية النزاعات الكثيرة المنتشرة في العالم والتي تستخدم فيها القوة بشكل واسع كما ضحية اضطراب مفهوم الارهاب.فإذا ما افترضنا أن جزءاً أساسياً من مفهوم الارهاب إنما يرتبط باستخدام القوة في غير موضعها، وإن استخدام القوة غالباً ما يؤدي إلى قتل النفس البشرية، وهما أمران قد يشتركان مع أعمال أو ممارسات أخرى قد لا تعني بالضرورة استخدام للقوة في غير موضعها وإن أدى ذلك إلى قتل النفس البشرية، عندها لا بد أن نفرِّق بين مبدأ استخدام القوة مع الآخر وبين قتل النفس البشرية بغير حق، وهنا يبدو ان الله سبحانه وتعالى أراد التمييز تماماً بين الأمرين وان تتم إدانة أعمال العنف التي تؤدي إلى قتل النفس البشرية ابتداء من أي هجوم وتعدٍ على الآخر، أو لغرض من أغراض الفساد في الأرض وتالياً الإخلال بالسنن الكونية المتعارفة والمتفق عليها.
وهذا بالذات هو ما يمكن وصفه بـ«الارهاب» في عصرنا الراهن: أي الاعتداء على الفرد أو الجماعة دون مبرر أو دليل يهدف القتل العمد والتصفية الجسدية وليس دفاعاً عن النفس، أو بهدف افساد في الأرض واخلال بالسنن الكونية، وهذا الأمر هو ما ينطبق على كل عمليات الاغتيال أو الفتك الفردي أو الجماعي، ابتداء، أي هكذا ومن دون سببٍ أو دليلٍ دفاعي يذكر.
إن مثل هذه الأعمال في المنظور الإسلامي هي ارهاب وعمل مذموم وخطير ليس فقط لا يمكن أن يلقى أي تجاوبٍ من المسلمين بل ويُعَّدُ بمنزلة تصفيةٍ للجنس البشري كله يُحرَّم على المسلمين التجاوب معه كما هو واضح في معنى الآية ودلالاتها.
|