تقسم أدبيات الاقتصاد المعاصرة والهيئات الدولية المتخصصة دول العالم وتصنفها تدريجياً إلى دول صناعية متقدمة ودول نامية ودول العالم الثاني أو الثالث وربما الرابع أو الخامس. ويرتكز هذا التقسيم على مؤشرات حضارية مختلفة مثل نسبة الأمية والرعاية الصحية الأولية والخدمات البلدية وعدد الإذاعات والمطبوعات وأطوال الطرق المعبدة وغيرها بالنسبة للفرد الواحد.
وقد يأتي التصنيف الدولي للدول العربية، أو بعضها، باعتبارها من دول العالم الثالث، أو ما يشار إليها، عربياً، بالدول النامية، وترتبط أسباب هذا التصنيف بمدى بعد هذه الدولة أو تلك عن نموذج الحضارة التي تمثله الدول الصناعية المتقدمة. وعليه، فكلما بعدت دولة عن ذلك النموذج، وتخلفت عنه انحدر تصنيفها.
المشكلة في هذا التصنيف انه يثير مشاعر كل فئات الدول غير الصناعية المتقدمة، وهي محدودة تتركز في شمال الكرة الأرضية. لذا، فهي مشكلة دولية وان كانت لها حساسية خاصة للدول العربية التي تفترض، أو يُفترض أن تكون لها صناعة متقدمة أو صناعة، فقط على الأقل.
وإذا تحرينا الموضوعية وأحسنّا تقدير المؤشرات الحضارية في الدول العربية، وسعي هذه الدول في تحقيق التنمية الاقتصادية واستغلال مواردها المتاحة، قد نرضى بأن نكون دولاً نامية رضاء تقف معه همّة صادقة بعبور مساحة التخلف الحضاري التي تفصلنا عن الدول الصناعية المتقدمة.
هذه الهمّة الصادقة، لا بد وأن تنطلق من أساس يشحذها ويجعلها قادرة على تحقيق الهدف. هذا الأساس هو ذلك الذي يستطيع أن يأصّل تلك الهمّة ويدفعها للعبور. ولن يكون هذا الأساس غير التعليم النوعي، اذ لا يمكن أن ترقى أمة إلا بالعلم والعلماء. ولذا فان الإنفاق على التعليم ومؤسساته من أجل تطويرها وتوفير الإمكانات اللازمة لها، يجب أن يحتل الأولوية في مخصصات التنمية الاقتصادية في الدول العربية.
وإذا كانت بعض السياسات التنموية تتطلب تجربتها، فان قطاع التعليم الأولوية في مخصصات التنمية الاقتصادية قد أثبت نجاحه على أرض الواقع في اليابان ليجسد تجربة ناجحة، تستطيع الدول العربية أن تخضعها للدراسة والبحث عن رسم استراتيجيات التنمية الاقتصادية للاسترشاد بها وتأصيلها طبقاً للواقع والإمكانات.
اقًرأً بٌاسًمٌ رّبٌَكّ الّذٌي خّلّقّ } [العلق: 1] ، ثم في الآية: {ن» وّالًقّلّمٌ وّمّا يّسًطٍرٍونّ} [القلم: 1] ، ففيهما دعوة إلهية بالأخذ بالكلمة المقروءة والمكتوبة، وهما أساس البحث العلمي ووقود العلماء الذين فضلهم الله عن غيرهم: { قٍلً هّلً يّسًتّوٌي الذٌينّ يّعًلّمٍونّ وّالَّذٌينّ لا يّعًلّمٍونّ إنَّمّا يّتّذّكَّرٍ أٍوًلٍوا الأّلًبّابٌ} [الزمر: 9] بل وقد حثنا، عز وجل على التضرع والدعاء للارتقاء في درجات العلم: وقل رَّبٌَ زٌدًنٌي عٌلًمْا (114)} [طه: 114] .
(*) رئيس دار الدراسات الاقتصادية - الرياض
|