Tuesday 14th January,2003 11065العدد الثلاثاء 11 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ظل هادئاً وسريع البديهة خلال محاكمته بالمانيا ظل هادئاً وسريع البديهة خلال محاكمته بالمانيا
لا أدلة دامغة تدين المتصدق في أول أكبر محاكمات القرن

* هامبورج - بقلم هوني أكارانا - د ب أ:
ظهر الطالب المغربي منير المتصدق (28 عاما) وهو ملتح يرتدي قميصاً بالياً من الصوف، جالساً وكأنه في منزله الخاص على مقعد بإحدى محاكم هامبورج. حيث كان يصغي إلى روايات شهود عن حياته في مسكن للطلبة في مدينة هامبورج قبل ثلاث أو أربع سنوات مضت.وبدا بالفعل جالسا براحة تامة بعيداً كل البعد عن مشاهد الرعب التي اكتنفت هجمات 11 أيلول (سبتمبر).
ويواجه المتصدق وهو ناج مزعوم من خلية هامبورج الارهابية عقوبة طويلة بالسجن واحتمال كبير للغاية بترحيله من ألمانيا أيضا. ورغم أنه لم يتم خلال محاكمته تقديم دليل دامغ لادانته. فإن الادلة التي قدمت على مدار أسابيع أظهرت أن المتصدق كان صديقا مقربا من ثلاثة طلاب أعضاء بخلية هامبورج كانوا قد قادوا ثلاث طائرات مختطفة ارتطمت اثنتان منها عمدا ببرجي مركز التجارة العالمي في نيويورك بينما سقطت الثالثة في حقل بولاية بنسلفانيا في 11 أيلول/ سبتمبر من عام 2001.
ويؤكد الدفاع على أن المتصدق لم تكن لديه أي فكرة عما كان يدور في عقول أصدقائه. لكن إذا خلصت المحكمة إلى أن هذا الطالب كان جزءا من تلك المؤامرة. فإنه من الممكن إدانته بانتمائه لعضوية منظمة إرهابية. وهي مخالفة يعاقب عليها القانون بالسجن لمدة تتراوح بين عام وعشرة أعوام. وإلى جانب ذلك يواجه المتصدق تهمة الاشتراك والتحريض الجنائي على القتل في أكثر من ثلاثة آلاف مادة من مواد الاتهام وبموجب القانون الجنائي الالماني فإن عقوبة هذه التهمة هي السجن ثلاث سنوات على الاقل. ولا تطبق ألمانيا عقوبة الاعدام.
غير أن إثبات هذه التهم ليست بالامر السهل بالنسبة لممثلي الادعاء الفيدرالي الالماني في هذه القضية على وجه الخصوص. ويرجع سبب ذلك إلى أن الآخرين جميعا في مجموعة هامبورج من الطلبة العرب سابقا إما لقوا مصرعهم أو يختبئون بالخارج. وذلك باستثناء واحد فقط يدعى رمزي بن الشيبة (30 عاما) وهو يمني تم اعتقاله في باكستان العام الماضي وهو محتجز لدى الولايات المتحدة. لكن لن يتسنى له الادلاء بشهادته في ألمانيا. وعوضا عن ذلك أعد الادعاء صورة تخطيطية لمجموعة الشبان وهم يجتمعون إما على مائدة الطعام أو للصلاة أو لعمل صداقات عادية أو تبادل الاحاديث في سكن الطلاب أو تبادل الاجتماعات في الشقق الخاصة بهم في ساعات متأخرة من الليل على غرار ما يفعله الطلبة عادة. والامر المثير للشك هو بقاء المتصدق بالكاد بعيدا عن سر مؤامرتهم نظرا لانهم كانوا يثقون فيه بعدما كلفوه بالاشراف على حساباتهم الجارية بالبنوك. ويقول المتصدق وهو متزوج إن الطلاب العزاب بخلية هامبورج كانوا قد اختفوا تدريجيا من هامبورج إلى جهة لم تكن معلومة له، وبدت معظم التفاصيل تافهة وعادية جداً بغض النظر عن حقيقة أن معظم أعضاء الخلية قاموا على التوالي بزيارة أفغانستان لتلقي تدريبات عسكرية في معسكرات تنظيم القاعدة ومنهم المتصدق نفسه. وطيلة محاكمته والمتهم يصر على أنه مجرد رجل مسلم ورع ليس لديه ما يخفيه لقد تحدث المتصدق طويلا عن أصدقائه الراحلين. ووجه أسئلة إلى الشهود بلغة متقنة بلكنة ألمانية حيث اتسم بسرعة البديهة والظرف لدرجة جعلت ممثلي الادعاء يبتسمون. وظهر مترجم فوري عربي/ألماني جالسا إلى جواره غير أن المتصدق لم يكن يتشاور معه إلا عندما تستعصي على فهمه مسألة قانونية عويصة أو عند إطلاقه همسات تهكمية ساخرة. وبلحيته الكبيرة الخشنة التي جعلته يبدو وكأنه أكبر من كونه في الثامنة والعشرين فقط من عمره. لفت المتصدق الطالب السابق في الهندسة الكهربائية الانظار إلى ثقافته الفكرية والاجتماعية ذات الجذور العميقة عندما تتاح له الفرصة للحديث في قاعة المحكمة. غير أن صبره كان ينفد بسرعة عندما يجد أن المحامين والقضاة ومعظمهم يسبقونه في السن بجيل كامل أقل معرفة ومهارة منه في ما يبدو بخبايا الانترنت واستخداماته.
وقال المتصدق أمام المحكمة في وقت سابق من الاسبوع الحالي إن إسلامه هوإسلام شاب عنده أجوبة لاي مشكلات عصرية أخلاقية عويصة مثل ما إذا كان من الافضل استنساخ أم زرع أعضاء بشرية. وكان ممثلو الادعاء ادعوا بأن إحدى سمات ما أسموه بتشدد الاسلام هو التحريض على القتل وأثناء الليل تقوم السلطات باحتجاز المتصدق الذي جرى اعتقاله في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2001 في سجن مخصص للسجناء احتياطيا على ذمة المحاكمة. ورغم أن الشرطة المسلحة تقوم بدوريات أمام قاعة المحكمة فإن المتصدق يمثل للمحاكمة بدون قيود أو حراسة مشددة. وعندما طلب من أحد الشهود إعداد رسم تخطيطي لمسكن الطلاب حيث كان المتهم يعيش في يوم ما. توجه المتصدق بكل حرية داخل قاعة المحكمة حتى منصة الشاهد وبحث التفاصيل معه بينما كان القضاة وممثلو الادعاء بمعاطفهم الحمراء اللون يتأملونه. وكان رجل آخر يعمل على ضمان أن الامور تسير داخل قاعة المحكمة بكل سلاسة وهدوء وهو رئيس القضاة آلبرخت منتز الذي كان يدير الدفة بطريقة طبيب العائلة بالصورة التقليدية القديمة ورغم التشاحن الشديد بين الادعاء والدفاع. فإن التوتر كان لايذكر داخل قاعة المحكمة برئيس قضاتها منتز. ومع أن شقيقين لمنتز من القضاة كانا يجلسان واحد عن يمينه وآخر عن يساره وهما ينظران بنظرات حادة وأحيانا ما يطرحان أسئلة ثاقبة. فإن منتز بابتسامته وأسلوبه الهادئ يساهم كثيرا في جعل الشهود والمحامين أصحاب المراس الشديد يعملون في هدوء وسلاسة تامة. ورغم أن سير المحاكمة بطيء فإن نزاهتها ملحوظة لكل مراقب، ومع دنو ساعة الحساب، فإن أي طرف لا يستطيع أن يسيء تقدير منتز وشقيقيه القاضيين الآخرين الذين سينطقون بالحكم في القضية في نهاية المطاف.كان منتز قد نظر تجاه المتصدق أثناء المحاكمة في وقت سابق من الاسبوع الحالي وقال إنه سيكون له حديث خطير معه. وأعرب محللون داخل قاعة المحكمة بأن ذلك ليس سوى تحذير بأنه يتعين على المتصدق أن يعترف بكل ما لديه من أسرار قبل أن يكتشف في النهاية أنه من الصعب إمكانية الاعتراف متأخرا في الوقت الضائع.ومحاكمة المتصدق تعتبر أول محاكمة كبرى في ألمانيا في القرن الحادي والعشرين وربما تكون الاخيرة التي يرأسها منتز في حياته بعد أن اقترب من سن الاحالة إلى التقاعد. ورغم أن الاهتمام بالقضية تضاءل منذ أن بدأت وسط اهتمام عالمي في تشرين الاول/أكتوبر الماضي. فإنه من المتوقع أن تسترد الاهتمام الكبير بها في أنحاء العالم في 22 كانون الثاني/يناير الحالي عندما تبدأ على الارجح المداولات الختامية للنطق بالحكم وأبلغ محام موكل عن بعض ضحايا 11 أيلول/سبتمبر المحكمة بأن ستيفن بووش أمين صندوق (عائلات 11 أيلول/سبتمبر) وهي جماعة أمريكية ممن فقدوا أحباءهم سيحضر أيضا ويمارس حقه بموجب القانون الالماني في مخاطبة المحكمة.
كانت زوجة بووش قد لقيت مصرعها على متن إحدى الطائرات المخطوفة التي استخدمت في تلك الهجمات. ومن المتوقع النطق بالحكم في القضية في الاسبوع الاخير من كانون الثاني/يناير الحالي.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved