تغطية سعيد الدحيه الزهراني
في سياق نشاطه المنبري اقام نادي الرياض الادبي امسية قصصية أحياها كل من القاص الاستاذ محمد علوان والقاص الدكتور حسن النعمي والزميل القاص الاستاذ عبد الحفيظ الشمري كما ادارها الدكتور عبد العزيز السبيل. حيث افتتح الأمسية بكلمة رحب فيها بضيوف الامسية وبالحضور من المهتمين بالفن السردي والقصصي.. كما القى في كلمته تقديما موجزا عن ضيوف الامسية منوها فيها ايضا بأهم نتاجاتهم الابداعية والقصصية.. وقبل ان ينتقل الحديث من د. السبيل الى ضيوف الامسية ذكر اننا سنستمع الى النصوص القصصية من ضيوفنا ومبدعينا الكرام وبعدها سننتقل الى المداخلات والتعليقات من الحضور الكرام.
لينتقل الحديث بعد ذلك الى القاص الاستاذ محمد علوان حيث القى نصا قصصيا بعنوان «هاتف».
بعد ان تحدث عن اهم النقاط والمحاور في حياته القصصية وقد جاء فيه:
الى هيلة بنت أحمد:
لا يزال رقم والدي ورقم اخي وارقام الاحباب، تحتل في مفكرة الهاتف مكانها، وبحبرها الذي لم يبهت حتى الآن.
قررت شطب هذه الارقام.. هأنا امتشق القلم، هاهو لعابه يكاد يسيل، لكن رجفة مفاجئة اجتاحت يدي، وخفق قلبي، وجه ابي يحتل الاحرف الدالة على اسمه، وجه اخي يطل من كل حرف من حروف اسمه، الاصدقاء الذين عبروا الى الضفة الاخرى متحدون لأول مرة، واذا بي امامهم وجها لوجه.
كان الجو شديد الحرارة في الرياض، شديد البرودة في ابها وانا في الأتون، اطبقت بيدي اليمنى على غطاء القلم الذي ابتلع سائله وسط ظلام هائل.
حينما مررت بالمقبرة، اشحت النظر بعيدا، وقررت ان اسلك في المرات القادمة طرقا اخرى، وربما تكون اطول قليلا الا انها تقصر على طول الحزن.
الطريق الى بيت عمي لا يسلك سوى هذا الطريق الذي تفرضه امي، وبرغبة صارمة لا يمكن عصيانها، اشحت بنظري عن رؤية المقبرة رفعته الى المرآة الامامية في العربة التي تنقلنا، فاذا بوجه امي يعود بحركة بطيئة بعد ان غابت المقبرة خلفنا واذا بالدمعة الصامتة تفرد جناحيها، وترفرف على الجميع، والعربة مكتظة بصمت اخاذ، يد اخي تجهز على صوت المغني الذي ينبعث من مذياع العربة.
قررت ان اخرج ذات يوم على قدمي، كنت مصمما في البدء على القيام بالتريض لعل وهج النحول الذي فقدته منذ زمن بعيد يعود.
حين وقفت امام الاشارة الضوئية، التفت يسارا فاذا بمسجد الملك فيصل، مر علي زمن طويل حيث اضاءت الاشارة اكثر من مرة وانا مصاب بالذهول الغائم، طيف ابتسامة ساخرة تعبر ملامحي، حيث ان من المفترض ان انعطف يمينا دون الحاجة للوقوف امام الاشارة الحمراء.
ادركت ان هناك سببا غريبا يدفعني للاتجاه قدما، سوف يكون النادي الادبي على يساري، حيث كان يملأ حضوره الطاغي وجوه الاعضاء، لا ادري لماذا راودني شعور غريب بأنني على موعد معه، هاهو الحلاق التركي الذي كان يأنس له يحدثه عن «أبها» قديما..
بعد ذلك القى القاص الاستاذ علوان نصا قصصيا بعنوان «رهوان وبائع الجرائد» حيث جاء فيه:
مر عام، عامان، ثلاثة، ولكن لا خبر. ابي الذي اعتاد ان يوقظني كل صباح، لم يعد يفعل. كان يرى في كل صباح أملا جديدا في حصول ابنه البكر على وظيفة. الوظيفة.. الوظيفة، اصبحت مفردة بغيضة الى نفسي. احمل شهادة جامعية، ولكن بلا وظيفة اشعر انني معاق. نعم، انا معاق بشهادتي أنا لست عالما، ولا اصلح ان اكون باحثا. ولكن مقصدي ان اعيش، اتكسب بشهادتي.
في هذا اليوم، استيقظت قلقا، مضجرا. لاحظت امي هشاشة وجهي بادرتني قائلة:
- متعب أنت يا رهوان؟
- كعادتي يا أمي.
- لا. انت اكثر تعبا. استرح قليلا في فراشك.
- سأخرج.
- وأنت هكذا؟
- نعم.
خرجت مندفعا نحو الشارع، وامي تشيعني بكثير من الدعاء الذي احتاجه انا قليل البخت، سمعت ابي يقولها ذات مساء لأمي. وقال ايضا بحرقة بالغة بأنني تعبت ودرست والتالية جالس في البيت. ابي مسكين، وامي مسكينة، وانا مسكين. ابي مسكين لانه اعتقد ان الولد هو العزوة وضمان المستقبل. وامي مسكينة لأنها تريد ان تفرح بولدها الوحيد. وانا مسكين لأني بلا مستقبل. اختي التي كان يحسبها ابي عبئا عليه تزوجت لم تعد اختي عبئا اصبحت انا العبء الشخص المعاق. فكرت ان اعمل سائقا، او محاسبا، او منظف سيارات. وجدت هذه المهن لا تحتاج الى مزيد من العمال.
توقفت امام بائع جرائد. امسكت جريدة وتصفحتها. نهرني البائع:
- ممنوع القراءة.
لم التفت اليه قال بصوت حاد هذه المرة:
- قلنا ممنوع.
قلت له:
- بقي صفحة واحدة.
اما القاص الثالث فهو الاستاذ عبد الحفيظ الشمري حيث القى نصا بعنوان «صرير أقفال السجن الثانوي» جاء فيه:
ليس هناك ما يخيفني اكثر من ان انظر الى هذه القلعة الحصينة للمدرسة.. كم تفزعني طريقتهم في بناء الجدران، وفتحات النوافذ التي أحكم غلقها، وعلوها الشاهق الأصم لو اعدت النظر في تكوينها العقابي لاخافتني ابوابها الصدئة، بضخامتها، وشراسة ابوابها الفولاذية الصارمة.
منذ ان دأبت الحضور معهن كانت الاقفال هي التي تواجهنا بصرامة. وأقفال اخرى تطوق اي فرصة للبوح خارج ما درج عليه منذ امد.. تثير فزعي هذه الاقفال ويسحقني صرير مفاتيحها لتظل في الذهن حتى آخر اليوم جلبة اصطكاكها المؤذي.
هو.. اعرفه جيدا، الرجل الستيني «الحارس».. ذاك الموكل علينا جميعا هو من يدير المفاتيح، ويحرك رتاج أقفالها.. ببطن ضخم، وسمرة ضاربة. ناتئ عروق اليدين. مصادفة بحتة ان تأملته اليوم وانا انتظر دوري في الخروج من معتقله.. يده ترتجف لحظة ان اخرج المفاتيح من جيبه الواسع وغرزها باضطراب في خاصرة القفل الذي يلتقط طرفي السلسلة الكبيرة.
اعتدنا ان نرى حارس قلعتنا، حادا، حازما، نزقا كما انه لا يألف الحديث حتى مع المديرة التي تصر وبالحاح ان يدير معها شأننا اليومي هذا. كم ضاق ذرعا بالتمرد المحدود لبعضنا.. من يفعل ذلك يقتله الخوف اذ ان امرا من «الحارس» كفيل باقفالها حتى نموت.
رددت احدانا قرب الظهيرة التي قطع فيها الماء «آه.. ليتك تموت وانت تحمل ذنوب العطشى». هللنا لجرأتها. ما كان مني إلا ان تمنيت الموت معه حلا، ومخرجا من هذا المأزق.
بهيئة تناقض ما الفنا رأيته بعيني من وراء سدول حجبي هاشا باشا. لم يقفل علينا بالسلاسل والحديد حينما هم بأداء صلاة الظهر، بل اكتفى بقفله بالرتاج فقط. وبعد ان اختتم القاص الشمري الجولة الاولى من الأمسية القصصية والتي القى فيها كل قاص نصا قصصيا. ابتدأ القاص النعمي الجولة الثانية حيث القى على مسامع الحضور النص الثاني له في الامسية وقد كان بعنوان «حدث كثيب قال».
تلاه القاص الشمري حيث القى نصا بعنوان «الراعي الجسور». ليختتم القاص علوان الامسية القصصية بنص عنوانه «محاولة فاشلة للهروب». وبعد ذلك القى القاص الاستاذ علوان النص الثاني والاخير في الامسية، انتقل الحديث الى د. السبيل ليشكر ضيوف الامسية على ما قدموه وليفتح المجال بعد ذلك للمداخلات والتعليقات حيث كان منها:
- د. محمد ربيع الغامدي قدم شكره للدكتور السبيل والدكتور الربيع والاعضاء.
ادبي الرياض كما تحدث عن الابداع وانه يعتمد على الانطباع الشخصي بشكل كبير كما تمنى ان لو كانت مثل هذه اللقاءات ذات بعد فكري اكثر مما هو ابداعي كما تطرق الى مسألة الحد الادنى من العناية باللغة.
- الاستاذ محمد العثيم اشاد بمستوى الامسية القصصية كما تساءل واجاب عن الادب السعودي هل تغير ام انه مكانك سر لكنه اجاب قائلا: نعم تغير ولم يعد بالشكل النمطي المعروف عنه كما طرح فكرة ايجاد الاضواء الملونة والايقاع او المؤثر الصوتي لان الكلمة وحدها لا تكفي لايصال نفسها كما ان كثيراً من الشباب اليوم لا يفهم الا بهذه الطريقة الحديثة.
- د. صالح الغامدي قدم عدداً من الملاحظات كان من ضمنها ما قدمه عن اللغة عند القاص الشمري وتحديدا التفاوت ما بين اللغة الرصينة القوية العالية وما بين اللغة السهلة او الواضحة او العامية كما اكد على ان هذا التفاوت يأتي بشكل واضح جدا متمنيا ان لو اهتم واخذ بهذه الملاحظة.
- الاستاذ د. محمد عقده القى عدداً من النقاط خلال مداخلاته المكتوبة كان اهمها الاشادة والاطراء بالمستوى الابداعي في قصص عبد الحفيظ فنا ولغة وتركيبا وكل ما يحكي ان يسهم في بناء القصة بناء متكاملا ناضجا وأنيقا.
- د. حسين المناصرة اشاد بلغة الشعر عند علوان وكما تطرق الى الروح الانهزامية او التشاؤمية في النصوص المقروءة في الامسية كما اشاد بالقاص الشمري.. كما خالف د. صالح الغامدي فيما ذكره عن الشمري ذاكرا ان اللغة عند الشمري لغة متميزة وناضجة وانها لغة تعددية محملة بالعديد من الهموم والاشارات وهو ما تناوله د. احمد قطريه في مداخلته ايضا.
- الاستاذ فهد العزيري تناول عددا من النقاط في مداخلته حيث تناول التناقض الواضح في قصة «حدث كثيب قال» وقصة «مدن المدح» كما تساءل عن عدم وضع القاص النعمي للتاريخ على قصة «رهوان وبائع الجرائد» وايضا تناول التشابه الشكلي في قصة النعمي والشمري «حدث كثيب قال» وصفة «الرأي الجسور».
كما تناول قصة الشمري «صرير اقفال السجن الثانوي» متسائلا عما اذا كان الشمري يريد ان يخبر من خلال قصته هذه عن انه تنبأ مبكرا بالحرائق التي وقعت في مدارس البنات.
وبعد عدد من المداخلات المرتجلة والمكتوبة انتقل الحديث الى ضيوف الامسية حيث علق كل منهم على ما سمعه من مداخلات وتعليقات بعدها اختتم د. السبيل الامسية القصصية شاكرا للجميع حضورهم ومشاركتهم.
|