التوجهات، والتوجيهات، في أمور القطاع الخاص، وأُمور «السوق» تبدو واضحة لدى القيادة العُليا.
* والمشاكل، والحلول، واضحة، أيضاً، لدى القطاع الخاص، ولدى المتعاملين في «السوق».
* والتحليلات والاقتراحات، والمبادرات، تبدو، واضحة، أيضاً، لدى المراقبين للموقف «السُّوقي»، المتابعين لأنشطته، المهتمين بأموره، نظريّاً، وعمليَّا.
* ومع ذلك فإن هناك شعوراً عاماً، بأن ثمة بُطئاً في الاستجابة، وتهاوناً في التنفيذ، وتداولاً مطوَّلاً في أروقة الأجهزة الحكومية، واجتماعات لجانها، واستشارات خبرائها.
* معضلة الإصلاح الاقتصادي، تعرض عادةً، في إطار غياب التوجهات القيادية، والإرادة السياسية، مع اعطاء دور ثانوي، هامشي، للاستعداد البيراقراطي، والتأهب التكنوقراطي.
* وغالباً ما يقول البيروقراطيون، والتكنوقراطيون، بأن دراساتهم جاهزة، وحلولهم موجودة، واداراتهم على أتم الاستعداد، وأنهم ينتظرون التوجيه ويترقبون الاشارة.
* ومع ذلك فإن الواقع، في كثير، من دول العالم الثالث، وفي عدد أكبر من الدول العربية يقول غير ذلك.
* هناك، حلقة، موجودة، وغير مفقودة، بين توجهات القيادات العُليا، وارادتها وبين التنفيذ والتحرُّك نحو الأهداف الواضحة، والمعلنة.
* وهناك حلقة، موجودة، وغير مفقودة، بين تطلعات القطاع الخاص، وإرهاصات «الأسواق» وإمكاناتها، وطاقاتها، وبين تحقيق تلك التطلعات وتمكين تلك الإرهاصات، وإتاحة المجال واسعاً، للمشاركة بالامكانات الهائلة، في مشوار النمو الاقتصادي، والتنمية الفاعلة، ودعمٍ أكثر فعالية، لمشروع الاصلاح الاقتصادي.
* المتابع، لمشروع الاصلاح الاقتصادي، في العالم الثالث، وفي الدول العربية خاصة، يكاد يشير، إلى تقاعُس، الجهاز البيروقراطي الحكومي، عن الارتفاع إلى مستوى التوجهات القيادية العُليا، وفشله في الاستجابة، الموقوتة والمناسبة، إلى ارهاصات «السوق»، وتطلعاتها.
* هذا الفشل، أوالتقاعُس، لا يبدو في هيئة إعلان صريح، بالمعارضة أو التهاون، أو إبداء رأي مُعاكس في التوجهات النظرية، والفلسفية حول تفعيل «الأسواق»، أواعطاء دور أكبر، للقطاع الخاص، والمبادرات الخاصة.
* الذين يعرفون، البيروقراطية الحكومية، يعلمون، كيف يستطيع هذا الكائن العتيد، ان يغتال «المشاريع» بالحديث الناعم، ويجهض المبادرات، بإعلان النوايا الحسَنة، ويئد، الأفكار الجديدة، وغير المألوفة بحثاً، ودراسةً، ولجاناً، واستشاراتٍ، وأروقةً، وتمَتْرُساً خلف المواقف، وتخنْدُقَاً، للدفاع حتى الرمق الأخير، عن حُدود «الولاية» والاختصاص.
* هذه البيروقراطية المنيعة، تَعتقد أن لها حق النقض ومشروعيته، وهي بلا شك، تمتلك قوته، ونفوذه، وسيدفع الثمن باهظاً، من يتحداها، أو يناصبها العداء، أو يخالفها وجهة النَّظر،
* في بعض الدول النامية، استحوذت البيروقراطية الوطنية، على هذا الحق وتلك السُّلطة، في إطار «المشروع» الاشتراكي، الذي «شلَّح» القطاع الخاص وأقام مؤسسات القطاع العام، وكرَّس، جبرُوته ونفوذه.
* وقد تم ذلك بالطبع، تحت شعار تملُّك الدولة لوسائل الانتاج، وتحقيق مجتمع الكفاية، والوفرة، والعدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، إلى آخر تلك المفردات الذائعة الصيت، في ذلك الزمان.
* وقد نجحت تلك البيروقراطية الوطنية، في تحقيق بعض تلك الأهداف، وفشلت في كثير، ولكن الأمر، انتهى بها إلى ان تعضَّ بالنواجذ، وتتشبث بالأظافر، بالامتيازات، والمصالح، وبالأساليب والأفكار القديمة. كل ذلك بالطبع، تحت شعارات نبيلة، ومبررات فاضلة.
* وفي دول أخرى، مثل المملكة، ودول الخليج الأخرى، اكتسبت البيروقراطية الوطنية، قوتها ومشروعيتها، لأنها نجحت، تحت ظروف صعبة وأمام تحديات كبيرة، في إدارة مشروع تنموي، ونهضوي عملاق، وساهمت هذه البيروقراطية، في تنمية القطاع الخاص، ورعايته وتشجيعه، وإرساء البُنية الأساسية والتنظيمية والتمويلية، التي كفلت له المكان، والنضج اللذين يتمتع بهما الآن.
* وفي كلْتا الحالتين، فإن الواقع المحلي والعالمي يقول، والتحديات المستقبلية تنذر، بأن عهداً قد انتهى، ومرحلة قد انقضت، وأن على البيروقراطية الوطنية أن تُرخي قبضتها، وتدع الأمور تسير، وأن القطاع الخاص الوطني، والأسواق الوطنية، هم ورثة صالحون، وأبناء مباركون وراشدون.
* «العيال» كَبروا، ونضجوا، وهم أهْلٌ للثقة، وأقدر على العمل في «زمانهم» الجديد.
* في بلادنا وافق خادم الحرمين الشريفين على تشكيل مجلس اقتصادي أعلى، وهيئة استشارية اقتصادية من القطاع الخاص، تحت رئاسة مباشرة من سمو ولي العهد.
* وفي «إعلان» المدينة المنورة الاقتصادي، أكد سمو ولي العهد، بما لا يقبل الشك أو الغموض، التوجهات الاقتصادية الاستراتيجية للدولة.
* وقد نزل الأمير الجليل، بنفسه إلى الأسواق، ليؤكد احترامها وتقديرها، والرغبة الواضحة في تحريرها، وتفعيلها، وازالة العقبات عن طريقها.
* وعلى البيروقراطية الحكومية أن تسمع، وتنصت، بآذانها، وعقلها وقلبها.
* ولا تكون، كالذي استمع، والقلْبُ في صَمَمٍ
|