نظرتي للفن كمتذوق تضعني أمام الأمر الواقع.. بأن أعالج وأنتقد.. أمر لا يختلف عليه اثنان بأن الانسان بطبيعته يحب كل جديد.. ولكن يجب أن لا نرحم الفنان عندما تخرج ألحانه مهترئة.. ورديئة!!
الخطأ الذي يقع في براثنه أكثر الفنانين وعلى رأسهم طلال مداح.. ومحمد عبده هو الارتجال.. مع ما يتمتع به هذان الفنانان من شعبية.. ومن شهرة كبيرة مع احترامي للفنانين طلال ومحمد عبده إلا أنني أختلف معهما على هذا السيل العرمرم من الانتاج الارتجالي..
ليس مهماً أن تسمع شيئاً جديداً من الفنان ولكن الأهم نوعية العمل ومقاييسه الجمالية من حيث الكيفية لا الكمية لأن بعض الأعمال الجيدة رغم قدمها إلا أنها تجدد في الأذن مهما طال عليها الدهر.
أعتقد أن أغنية «طال الجفا» لطلال مداح تعادل في ميزان الذوق الفني أربع أو خمس أغنيات من أغنيات طلال التي خرجت بطريقة ارتجالية كانت نفسية طلال تعايش الملل، كذلك بالنسبة «لأبو شعر ثاير» لمحمد عبده خرجت في وقت مناسب وصدرت عن ارتياح ذوقي.. فلم يأت محمد عبده بعمل في مستوى «أبو شعر ثاير»!
هل يعتقد الفنان أن في مواصلة انتاجه تبريراً وتأكيداً لموقفه كفنان؟
أعتقد أن هذه الصفة لا تنطبق إلا عن الباحثين عن الشهرة.. أو المادة.. أو المطالبين بضمهم عنوة لكادر الفنانين! لأن ذلك الاسهال العملي لا يقدم عليه سوى المطنطنين والمتسللين إلى مسرح الفن بطريقة غير مشروعة.. ممن يجدون من الأذواق الحقيرة والمتحجرة، مروجين لضجيجهم وصخبهم الشاذ..
نحن لا نقيم لهذه الفئة وزناً ولا لغيرها أي اهتمام.. لأننا نعرف أن من لا يستحي يفعل ما يشاء!
أما أنتم.. فلا نستطيع أن نرى منكم هذه الارتجالية فنسكت عنها.. وهذه الأخطاء فنشجعكم عليها.. لأن سكوتنا عن الأعمال التي لا تليق بكم تعتبر تقبلا منا لتلك الأعمال.. وكذلك اعجاباً واستحساناً..
إننا عندما نناقش ونتوقف عند أي عمل جديد.. ليس تحاملاً.. أو اعاقة لجهودكم؟ إنما رغبة منا في تقييم الأعمال.. لأنني أخشى أن تفسر هذه الأسطر المتواضعة تفسيراً سيئاً.. وليكن رائدنا الصراحة المتناهية وإلا فقولوا على الفن السلام.
إن أكبر دليل على تذبذب مستوى الفن الغنائي أن أي عمل جديد يطغى على القديم ثم أن عمر الأغنية السعودية قصير.. فهي لا تخلد إلا لفترة وجيزة.. ثم تغيب عن مسرح الواقع.. وهنا يجب أن أتوقف قليلا مناشداً جماهير الفن بأن لا تفسر تمهل الفنان.. وبطء انتاجه.. جموداً وعجزاً.. ولكن يجب أن تنتظر.. ومن ثم تتحسس العمل وتبرز معالمه إن كانت حسنة أو رديئة. في العام الماضي توقف الفنان طلال مداح برهة وأطبق في صمت وأسدل الستار على أعماله الفنية المنتظرة..
فاتهموه بالركود والاعتزال.. وما كان من طلال إلا أن فاجأهم وفجر قنبلته بعد جهد مضن وشاق برزت من خلاله صورة رائعة للون الغنائي وأماط اللثام عن أغنية الموسم الماضي «طال الجفا».
قليلون جداً هم أولئلك الذين يدركون ما يلاقيه الفنان.. وإلى أي درجة ينصهر فيها ذوقه وحسه.. قليلون من يدركون معاناته.. لذا فهم لا يرحمونه عندما يخطئ.
هناك من يحكم على أعمال الفنان.. وعلى ذوقه وكأنه جاء بها من احد الحوانيت فلم تكلفه مشقة وجهداً..
بينما الفنان يعاني حالات قاسية يصارع فيها الألم والأمل.. فيطوى في قلق نفسي..
اللحن إلهام ومصدره الحالة النفسية.. فالقلق..والألم بالنسبة للفنان مصدر إلهام.
حالة مخاض عسيرة يصارع فيها الفنان أحاسيسه.. حتى يتحف أذواقنا، مع هذا هناك من لا يقدر الفن ومن يسيء إليه.
|