Monday 13th January,2003 11064العدد الأثنين 10 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

«حول مشروع الشراكة الأمريكية.. الشرق أوسطية» «حول مشروع الشراكة الأمريكية.. الشرق أوسطية»
يوسف بن محمد الضبيعي

المتابع لما يجري على الساحة السياسية الدولية حالياً، عليه أن يتوقع حزمة من مبادرات أو خطط أو مشاريع سياسية تصدر هنا وهناك وبالذات من الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة المفاجآت كالعادة والمعنية «بالطبع» بشؤون العالم كله.
فمازالت أحداث تفجيرات سبتمبر تلقي بظلالها على سلوك السياسة الأمريكية حيال دول العالم، فمن المشروعات السياسية التي طرحتها الولايات المتحدة مؤخراً مشروع «الشراكة الأمريكية.. الشرق الأوسطية «كما أعلنها «باول» وزير الخارجية الأمريكي وقال انها مبادرة من أجل الشراكة.. وقال: إن واشنطن خصصت مبلغ 29 مليون دولار للمساعدة في تحقيق برنامج للاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط وفقاً للرؤية الأمريكية.
وعن أسباب تخصيص هذا المبلغ قال السيد باول.. انه مخصص لتنفيذ الاصلاحات المقترحة، وتحسين صورة الولايات المتحدة في هذه المنطقة، اضافة إلى مبلغ مليار دولار تقدمه واشنطن حالياً كمساعدات وهبات لدول عربية.
وقد حاول كولن باول اظهار واشنطن بمظهر الحريص على مصالح شعوب المنطقة في مواجهة الأنظمة الفاشية والدكتاتورية والشمولية وفقاً لتصريحاته، وشدد في مبادرته على أن الولايات المتحدة ستعمل مع الأنظمة العربية وفق ثلاثة محاور اقتصادية، وثقافية، وسياسية، وتتضمن هذه المحاور تقديم أشكال مختلفة من الدعم الاقتصادي والمساهمة في اجراء تعديلات سياسية، وتنمية دور المرأة في المجالات المختلفة، والنهوض بمستوى التعليم والثقافة.
في مبادرته تلك والتي ألقاها في أكبر معاهد التحليل السياسي الأمريكية «معهد هيرتج» بواشنطن، تحدث عن العديد مما أسماه بالقضايا السلبية العربية مستعرضاً ومشخصاً الأوضاع العربية، فذكر أنه يوجد ملايين من الأميين العرب، وأن أكثر السيدات العربيات جاهلات يعانين الفقر والجهل والمرض، وان هناك تنامياً للفساد والرشوة والمحسوبية في كثير من الدول العربية، ثم عرج على الوضع الاقتصادي العربي والصادرات العربية وقال: اننا وضعنا شروطاً جديدة للمعونات والمساعدات تتضمن تصوراً أمريكياً يتعلق بتنفيذ برنامج معني بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ومما قال أيضاً: أنهم سوف يستعينون بعدد من نشطاء حقوق الانسان وبعض رجال الصحافة المرتبطين بعلاقات وثيقة بالسفارات الأمريكية في العالم العربي «بمعنى أنهم سوف يجندون العديد من الصحفيين العرب جواسيس للسفارات الأمريكية».
أما حول أهم القضايا التي تهم العالم العربي والتي ستسعد تلك الدول لو تدخلت الولايات المتحدة فيها بحلول عادلة وهي قضية الصراع العربي الإسرائيلي والتسوية السلمية فإن باول لم يعرها اهتماماً.. ولم يفت عليه أن يقول: انها تعاني مأزقاً شديداً بسبب أعمال العنف التي يقوم بها النشطاء الفلسطينيون.. مشيراً إلى أن بلاده ستفعل أي شيء لأنهاء ما وصفه بالارهاب الذي تقوم به فصائل فلسطينية.. مشدداً بقوله على أن هناك شرطاً أساسياً لتحقيق أي تقدم في المسار السلمي لهذه القضية، ألا وهو اختيار الفلسطينيين زعيماً جديداً أو القيام بثورة في مؤسساتهم، وعند تحقيق الفلسطينيين لهذه الشروط على حد زعمه فإن واشنطن ستطالب إسرائيل بتنازلات مؤلمة».
بيد أنه بنظرة ثاقبة وهادئة لهذه المبادرة نجد أنها صيغت بشكل حذر وبمهارة فنية ودبلوماسية فيما دعم قوله بأرقام واحصائيات وردت في تقرير بعنوان «التنمية الانسانية العربية» الذي أصدره البرنامج الانمائي للأمم المتحدة وصاغه للأسف كثير من المفكرين العرب بدليل أنه لاقى حين صدوره نقداً من العديد من الأصوات العربية.
وفي قراءة سريعة في مبادرة «الجنرال باول» نجد أنها تنقسم إلى شقين الأول منها «تشخيصي» للحالة العربية، والثاني «برنامجي» طويل الأمد، ومن خلال ملامحها وصياغتها نجد أن الهدف من تلك المبادرة ليس الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وغيره كما أعلن.. لكن تبدو الرؤية خلاف ذلك، فهي في رأيي مبادرة طويلة الأمد وتستهدف «استمرار» التحالف الأمريكي - الغربي» وفق التوجهات الأمريكية لتطبيق المنظومة الأمريكية في المنطقة.
قد يكون لهذا المخطط مراحل مختلفة لتطبيقه وفق الرزنامة الأمريكية، كما لو كان سيتم البدء بدول الخليج الست ومعها مصر، حيث يتم من خلال ذلك مراجعة علاقة هذه الدول بالتحالف الأمريكي مع تحديد أهم المطالب الأمريكية الاستراتيجية التي تأتي في مقدمتها بقاء القوات الأمريكية أطول مدة ممكنة بالمنطقة والحفاظ على المصالح الأمريكية الاستراتيجية من خلال الاستثمارات المهمة والنفط كسلعة دولية، بل قد تسعى أيضاً الولايات المتحدة بممارسة ضغوطها على تلك الدول حتى تدخل هذه الأنظمة إلى «حظيرة الديمقراطية الأمريكية».
أما المرحلة اللاحقة في نظري فستكون تطبيق هذه المبادرة مع سائر الدول العربية وفي مقدمة تلك الدول سوريا ولبنان اضافة إلى العراق وهو - أي العراق - أحد أضلاع محور الشر الذي أعلنته الولايات المتحدة. هذا سيأتي في ظل تجميد مشروع محاسبة سوريا في الكونغرس مقابل قبول تطبيق هذه المبادرة، والتعجيل بالتسوية مع السوريين حول حزب الله في لبنان، وستجمد الولايات المتحدة المعونات الاقتصادية الممنوحة للحكومة اللبنانية حتى يتم ادخالها منظومة الاصلاحات الأمريكية.
وفي النهاية ستسعى الولايات المتحدة إلى ادخال بيقة الدول العربية الأخرى تباعاً كالدول العربية في القارة الأفريقية لمشروع الشراكة ذاك مثل الصومال، وموريتانيا وجيبوتي، كحل مشكلة الحكومة السودانية مع المنشق قرنق في جنوب السودان واقرار تسوية حاسمة بين الفصائل الصومالية المتنازعة في الصومال، وتسوية الأوضاع المدوية في الجزائر والتعامل واقعياً مع الأنظمة الراديكالية في ليبيا واحتواء الأنظمة في المغرب العربي..
ان طرح هذه المبادرة بهذه الصيغة وبهذا التدخل لا يمكن أن يكون وراءه إلا «لوبي» من صقور الإدارة الأمريكية المعروفة.. وان الواضح من وراء هذه الشراكة هو اعادة رسم الخريطة العربية وربطها بالمصالح الأمريكية طويلة الأجل.
ولا يخفى على الولايات المتحدة بان اصدار هذه المبادرة أو الشراكة في هذا التوقيت له بالطبع أهداف استراتيجية نستقرئها من قراءتنا لها، فهي تسعى بلا شك وبكل قوة إلى ضرورة تفتيت أي معارضة عربية لضرب العراق كهدف استراتيجي في ظل الارسال المتواصل للقوات والبوارج الأمريكية إلى المنطقة، وهناك يبدو جانب آخر للتوقيت هو أن الولايات المتحدة تسعى إلى أن يتخلى بعض الدول العربية عن ضرورة تحقيق تسوية سلمية في الشرق الأوسط في الوقت الحالي على الأقل، وان تعيد الدول العربية التي لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل «شهر العسل» بعودة السفراء إلى تل أبيب، واعادة الحياة لمسار التطبيع معها وممارسة ضغوط على الفلسطينيين لوقف ممارساتهم التي تعتبرها واشنطن «ارهابية» لأن الأولوية في «الأجندة» الأمريكية في الوقت الراهن هي تغيير النظام العراقي ونزع أسلحة الدمار الشامل.
وفي شخصنة هذه المبادرة المليئة بالألغام هناك بعض الأسباب الداخلية والخارجية التي دعت «باول» إلى اعلان مبادرته هو عدم تناغم «الجنرال باول» الواضح مع جناح الصقور في الإدارة الأمريكية وعلى رأسهم ديك تشيني ورامسفيلد اللذين مافتئا عن توجيه اللوم والانتقادات على مسلكه بتوجيه إدارة هذا المشروع من الخارجية الأمريكية لارضاء لوبي المحافظين الذين ينتقدون الدول العربية لتوجهاتها المعادية لإسرائيل على حد زعمها وبسبب تحفظ الدول العربية على هذه المشاركة باستثناء دولة خليجية واحدة، بل أستطيع الجزم أنه رفض ضمني من جميع الدول العربية.
ان اهمال باول لقضية العرب الأولى وهي قضية التسوية السلمية في الشرق الأوسط يعتبر خطأ كبيراً، لأنه بداهة المنطقة العربية لن تنعم بأي استقرار أو بمشاركة شعبية «التي يريدونها» من دون اعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، ومن دون ذلك فإن أي حديث عن المشاركة أو المبادرة أو الاصلاح يعد كلاماً فارغاً ودون مضمون.
ان ما تريده واشنطن من هذه الشراكة هو فقط شغل الرأي العام العربي بمشاريع وهمية لتبلبل شعوب وقادة المنطقة العربية في فخ أنها تسعى إلى اصلاح الأوضاع فيها ولا يعدو كونه وسيلة من وسائل «الدولة العظمى» لممارسة ضغوط على هذه الدول لاقناعها بأنها قد تتضرر من معارضتها لحملة تغيير النظام العراقي، وان هذه المعارضة قد تجعل هذه الأنظمة تواجه المصير نفسه.
الولايات المتحدة الأمريكية «بلد الحرية» «ربما سابقاً» تسعى لاصلاح الأوضاع بالعالم العربي على طريقتها!! تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وتسعى لتدويل مشكلاتها الخاصة مثل مشكلات الأقباط في مصر، ومسيحيي جنوب السودان، وغيرها من القضايا السيادية وبحجة الاصلاح فهي بهذا تضرب بعرض الحائط أهم مبادئ القانون الدولي الذي ينص على عدم التدخل بشؤون الدول الداخلية.
ان أبلغ تشبيه وجدته لهذه المبادرة وأنا أقرأها وأفحصها يميناً وشمالاً هو «دس السم بالعسل» ومحاولات فرض النموذج الأمريكي على العرب بأي طريقة أو وسيلة سواء كانت مبادرة أو شراكة أو دعوة، ضرب من ضروب المستحيل على منطقة ذات حضارة عريقة وتراث عربي وإسلامي قوي، ولن تحقق هذه المبادرة أهدافها التي من أهمها تحسين صورة أمريكا في المنطقة، لأن هذه الصورة لن تتحسن طالما لم تتغير السياسة الأمريكية ذات المكاييل المتعددة والمنحازة والواضحة لإسرائيل، وبدون تغيير هذه السياسة لن تقبل الدول العربية أنظمة وشعوباً هذا الطرح الأمريكي. ومن مبدأ احترام الرأي الآخر فعلى الرغم مما ذكرته وسطرته في هذه الرؤية التحليلية لتلك المبادرة إلا أن هناك البعض يرى أن لا خلاف حول تلك المبادرة من حيث دعوتها للاصلاح فالكل ينشد الاصلاح بصورة عامة ويعزون هذا الرفض كما جاء من حيث البرنامج المقترح من زاوية متطلقاته ورؤاه وأدواته وأساليب تنفيذه التي هي أمريكية الصنع بالأول والآخر. والله المستعان،،،

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved