قصة حقيقية تقطِّع نياط القلب
تلك هي قصة ذلك الابن في مدينة الدمام الذي قاطع والده سنوات طويلة.
لم يره ولم يكلمه ولم يسلم عليه وهما في مدينة واحدة، ثم في«صحوة عقلية» ذهب لوالده في المسجد في شهر رمضان الماضي ليعترف ويعتذر ويبكي أمام المصلين.
دعوني أضع أمامكم هذه الحادثة كما رواها مندوب صحيفة«الوطن» بالدمام ثم تأتي قراءتي لهذه الواقعة المؤثرة وأبعادها وآثارها وماذا يمكن أن يخرج به العاقل منها في حياته وعلاقته مع الآخرين وبخاصة أقرب الناس إليه.. هذه هي الواقعة:-
«فوجىء عدد من المصلين بأحد المساجد في مدينة الدمام بعد الانتهاء من صلاة العشاء وانتظارهم لأداء صلاة التراويح بشاب في العقد الرابع من عمره ينزل إلى أقدام والده طالباً منه أن يسامحه ويعفو عنه بعد إقلاعه عن التدخين، وتأتي بداية القصة حينما شاهد الوالد ابنه قبل 12 عاماً يدخن وما كان من الوالد سوى أن يحلف بالله بأنه لن يرضى عن ابنه مدى الحياة ومحرم عليه وجهه بعدما تعب الوالد في تربية أبنائه تربية صالحة على الشريعة الإسلامية، ومع مرور الوقت وعلى الرغم من تدخلات عدد من الأقارب والجيران وإمام المسجد ليعفو الوالد عن ابنه ولكن لم تجد كل المحاولات، وما كان من الابن إلا أن يعلن أمام والدته وإخوانه بأنه مقلع عن التدخين عاقداً يمينه بحيث لا يعود إليه مرة أخرى، ومن ثم حاول الابن عدة مرات أن ينتهز الفرصة ويقابل والده تلك الليلة ويطلب منه العفو، وفي إحدى الليالي المباركة لم يكن من الابن إلا أن أخذ أولاده الثلاثة الذين لم تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات إلى المسجد الذي يصلي فيه والده وذلك وقت صلاة العشاء في سبيل أن يعطف الأب على ابنه وأحفاده وحينما فرغ الإمام من الصلاة ما كان من الابن إلا أن توجه إلى والده ومعه أولاده وسقط عند قدميه وطلب من أبيه العفو والرضا عنه والدموع تنسكب على وجهه مرددا عبارة«حياتي يا أبي منذ ذلك الوقت كلها تعيسة في وجهي أنا وأسرتي ولم يبارك الله لنا في شيء» فما كان من الأب إلا أن أكب- باكياً- على ولده وأحفاده وسلم عليهم وعفا عنهم والدموع تنسكب من أعين كثير من المصلين نتيجة ما شاهدوه من موقف أحزن وأفرح الجميع في وقت واحد، وما كان منهم إلا أن تقدموا إلى الابن مهنئين إياه ودموع الفرح تنسكب على خديه». ا ه.
***
* هذه هي الحادثة المؤثرة التي لم املك دمعة فرت من عيني بعد قراءتها.
أما حديثي عن هذه الحادثة وأبعادها فيتمثل في هذه النقاط:
أولاً: أجزم حد اليقين أن مشاعر متناقضة من التأثر والألم والفرح.. جميعها سكنت جوانحكم وأحداقكم وأنتم تقرؤون تفاصيل هذه الواقعة البالغة الأثر.
ثانياً: لا جرم أن الأب بحكم غيرته على فلذة كبده انفعل وغضب، وكفانا الله شر الغضب الذي كان نتيجته ذلك اليمين الذي حرم فيه على نفسه رؤية فلذة كبده.
ثالثاً: كان على الابن أن يسعى- دونما يأس- إلى التواصل مع والده بأية طريقة وعن طريق أي شخص له علاقة خاصة بأبيه.
رابعاً: الإنسان لا يستطيع أن يتصور أن هذا الابن يكبر ويتزوج ويخلف ويمرض ويحزن ووالده لا يعلم عن أحوال ابنه وكذا الشأن مع الابن الذي لا يتصور الإنسان أنه مع والده في نفس المدينة ولا يعرف عن أحوال حياته وصحته ومرضه طوال اثني عشر عاماً وفي مجتمع إسلامي مبني على التواصل مع الابعدين فكيف الأقربين..!!
خامساً: إن على الأبناء أن يدركوا محبة وغيرة آبائهم وأمهاتهم عليهم، فهم حتى عندما يقسون عليهم إنما يهدفون إلى رحمتهم وصلاحهم وسعادتهم، ولعل هذا الإحساس يقف حائلاً بينهم وبين الوقوع بالأخطاء.
سادساً: إن أية ممارسة خاطئة تكون نتيجتها مثل هذه «الآلام» التي تكسر القلوب وهذا ما حصل بالنسبة للابن والأب بسبب تعاطي«شرب الدخان» الذي استشعر الاب قبل اثني عشر عاماً مدى أضراره الصحية والاجتماعية على ابنه وفلذة كبده، ومن هنا كان تأثره وغضبه، ومن هنا كان هذا الألم والندم اللذان سكنا مشاعر الابن وبالتأكيد سكنا- قبل ذلك- قلب الوالد وإن لم يبدها.
سابعاً: وأخيراً إن أي انفعال سريع وخاطىء تكون ثمرته المرة الألم الشديد، والندم المهلك كما حصل لهذا الأب الذي كان من المؤكد أنه كان يتلظّى على نار الألم لعدم رؤية ابنه وكذلك الأمر بالنسبة للابن الذي كان يكتوي- هو الآخر- على أوار الشجن ولهذا السبب لم يستطع الابن الصبر أكثر مما صبر، فكان ذلك الموقف البالغ التأثير عندما هرع مع أولاده إلى والده في أحد بيوت الله وأمام الناس وانكبوا على جبين والدهم تقبيلاً واعتذاراً وبكاء.
ويقف القلم هنا عن مزيد من القراءة والتعليق.
و { رَّبٌَ ارًحّمًهٍمّا كّمّا رّبَّيّانٌي صّغٌيرْا } [الإسراء: 24]
****
أصدق الكلام
وّلًيّخًشّ الذٌينّ لّوً تّرّكٍوا مٌنً خّلًفٌهٌمً ذٍرٌَيَّةْ ضٌعّافْا خّافٍوا عّلّيًهٌمً فّلًيّتَّقٍوا اللّهّ وّلًيّقٍولٍوا قّوًلاْ سّدٌيدْا} [النساء «9»].
* ف 014766464
|