* الرياض - الجزيرة:
«خيول الفجر هي نبضات قلبي تركض في ساحات حبي خيول نراها جميعاً نحن المسلمين» بهذه الكلمات بدأ الشاعر المبدع الدكتور عبدالرحمن بن صالح العشماوي حديثاً من القلب لجريدة «الجزيرة» صور من خلاله مراحل إنتاجه الإبداعي لنص «أوبريت» الجنادرية لهذا العام أو «نشيدها المسرحي» كما يحلو له أن يسميه.
في هذا اللقاء تحدث د. العشماوي عن الإخراج الفني لهذا العمل وما حمله من رسالة ومضامين كانت مثار إعجاب وتقدير كل من حضر جنادرية هذا العام واستمتع بفعالياتها.
فتعالوا معنا إلى نص هذا الحوار:
* نريد منك في البداية أن تحدثنا عن انطباعك حول حفل افتتاح الجنادرية وخاصة الأوبريت؟
الجنادرية مهرجان كبير يتم التجهيز له بطريقة ممتازة، حيث يبدأ العمل للجان المهرجان القادم من بعد نهاية المهرجان الماضي، وقد أدركت هذا الأمر بنفسي، ولا شك أن عملاً جاداً للإعداد سيؤتي - بتوفيق الله - ثماراً جيدة، وميزة الجنادرية انها تحظى بعناية سمو ولي العهد من حيث الإشراف وبعناية سمو الأمير متعب بن عبدالله مباشرة، فهو يتابع الأمور بنفسه مع اللجان، ثم ان هنالك مجموعة من الرجال الذين يتابعون العمل باهتمام كبير ودقة وإحساس بمسؤولية العمل.
ومن مزايا الجنادرية أن هنالك لجنة استشارية مكوَّنة من عدد من المتخصصين والمثقفين تُعنى باختيار الموضوعات والأشخاص الذين يشاركون في الندوات والمحاضرات من داخل العالم العربي وخارجه.
أما حفل الافتتاح لهذا العام فهو حفل متميِّز من حيث التنظيم الأفضل، ومن حيث المسرح المتطور جداً الذي أقيمت عليه فقرات الحفل، بما فيه من سهولة الحركة، والتغيير للشكل حسب المشاهد الإنشادية والتمثيلية.
ومن حيث المادة المقدمة في هذا الحفل بدءاً من كلمة الأمير متعب بن عبدالله التي أشار فيها إلى أهمية طرح معاني الإسلام السامية وإبلاغها إلى العالم وخاصة العالم الغربي الذي أطلق هجمة عنيفة - غير موضوعية - على ديننا العظيم، ومروراً بكملة وزير التجارة ثم قصيدة د./ خالد الحليبي، وهي قصيدة عربية فصحى قوية المبنى والمعنى، ثم قصيدة خلف بن هذَّال التي تمتاز بتدفقها وسلاسة إيقاعاتها وكلماتها، ثم بالنشيد المسرحي، وأنا أميل إلى أن يطلق عليه هذا الاسم لحرصي على استخدام اللغة العربية الفصحى في كل لقاءاتنا الكبيرة.
إن كلمة «الأوبريت» لها دلالاتها الفنية، ولكن لا يمنع أن تستخدم كلمة «النشيد المسرحي» وتنقل إليها تلك الدلالات، وهذا النشيد المسرحي، كان عملاً كبيراً بلاشك توافرت له إمكانات كبيرة، ولا شك أن الجوانب الفنية التي أحاطت بالكلمات التي كتبتها قد أسهمت في نقل إيحاءات النص الشعري ومعانيه بصورة ممتازة، مع أنني أتوقف عند بعض الجوانب الشكلية التي أرى أنها لم تكن منسجمة مع روح العمل ودلالات النص الشعري إلى حدٍ يمكن أن أصفه بأنه كبير.
ومن أهم تلك الجوانب الشكلية «الرقصات المصاحبة» للإنشاد، حيث إن معظمها لم يكن مناسباً للأداء وإيحاءات النص..
* هل ترى أن المخرج هو السبب؟
يا أخي الكريم أريد أن أحدِّد بعض المعالم وهي: أولاً: هذا العمل الإنشادي ناجح جداً قويٌّ جداً، ونحن لا نصادر عمل المبدعين، فالألحان ممتازة ومناسبة لأوزان المقاطع وقوافيها، ود. عبدالرب أخبرني منذ البداية أنه متفاعل مع الأبيات الشعرية بشكل كبير، وقد أجاد في اختيار الألحان المناسبة للمقاطع الشعرية.
والأداء للأناشيد كان ممتازاً من المشاركين حيث بدا تفاعلهم مع النص الشعري ومعانيه، ويطيب لي بهذه المناسبة أن أقول للفنانين «محمد عبده، وصباح فخري، وأحمد الحريبي» إنَّ الساحة الثقافية والفنية بحاجة إلى انتشال الذوق الفني من نماذج الغناء المتكسِّر في ألحانه وأنغامه، الضعيف في لغته، الذي يكرِّس التَّراخي في همم المسلمين في عصر تتقوَّى فيه همم أعدائهم، وها أنتم رأيتم كيف كان استقبال الناس للإنشاد العربي الفصيح، بمعانيه الإسلامية الشاملة، ولمستم كيف كان صهيل خيول فجر الخير جميلاً ومؤثراً، فما أجدركم بقدراتكم الفنية العالية، بالعناية الكاملة بهذا الاتجاه الجميل.
وأعود إلى «النشيد المسرحي» الذي يطلق عليه الأوبريت فأقول، ومن عوامل قوَّته وجود مخرج ذي تجارب طويلة مثل «نجدت إسماعيل أنزور» فهو مخرج ذو قدرات عالية، ولديه روح ذات شفافية، وقد ذكر لي في لقائه الأول معي حينما أسمعته مقطعاً من النص، انه يشعر بالتفاعل من أعماقه، هنا في جريدة الجزيرة يؤكد هذا.
وأنا أقول للأخ نجدت: آمل أن توجِّه قدراتك الفنية الاخراجية إلى ما يحقق التوجيه الأرقى والأسمى، وها أنت ترى في «إنشاد الجنادرية» لهذا العام مدى النجاح الكبير الذي تحقَّق، ومدى الآفاق البعيدة التي فتحتها الرؤية الإسلامية أمامك، وما عليك إلا أن تتأمَّل هذا الأمر، وتنطلق في ميدان الكلمة الإسلامية الصافية، والرؤية الإسلامية السليمة، وأعود إلى القول: ان الجهد الفني في إخراج «خيول الفجر» كان كبيراً وقوياً ومأخذي على تلك الرقصات هو أنَّ طريقتها كانت تعتمد على بعض الحركات التي لا تناسب أجواء «الإنشاد» ولا إيحاءاته، ولا الفروسية والبطولة التي تصوِّرها الكلمات ولا الآفاق الروحية التي تفتح أبوابها الأبيات.
* ما رأيك في المشاهد التمثيلية؟
كانت مناسبة ووصلت رسالة «هذا هو الإسلام» ورسالة «خيول الفجر» وكانت لغة الممثلين الفصحى سلسة، وفي هذا العمل المتكامل أكبر دليل على سلاسة لغتنا العربية الفصحى، وجمالها.
* كيف اخترت عنوان «خيول الفجر» فقد كان موفقاً؟
خيول الفجر هي نبضات قلبي تركض في ساحات حبي، خيول نراها جميعاً نحن المسلمين المتصلين برب العالمين، تركض إلى قلوبنا كلَّ يومٍ خمس مرَّات في صلواتنا الخمس، وتركض إلى آذاننا في أصوات الأذان الذي ينطلق من ملايين المآذن في أنحاء العالم، وقد برز ذلك في أصوات المؤذنين التي تعالت بعد أحد مقاطع الإنشاد، خيول الفجر.. أصالة وقيم ومبادئ وسماحةٌ ورحمة ووفاء، وعزَّة وكرامة وشمم، ورؤية إسلامية صافية لما يجري في هذا الكون. ولهذا ما ان أبلغني صاحب السمو الملكي الأمير «متعب بن عبدالله» - وفقه الله لكل خير - بعنوان «هذا هو الإسلام» حتى شعرت في اللحظة نفسها أن خيول الفجر تعزف ألحان ركضها وصهيلها أمام عينيَّ، وما خرجت من مكتبه الكريم إلا وأنا أردِّد مع نفسي «خيول الفجر»، «نعم» خيول الفجر، وهو عنوان سبق أن تراقص على لساني في مرات سابقة فالحمد لله الذي يسَّر ذلك، فكلُّ ما يجري لنا من الخير إنما هو بعونٍ من الله وتوفيقه.
* ما تعليقك على من يقسو في نقده عليك؟
أهلاً وسهلاً بالنقد البناء الهادف وقد قلت:
إنْ قدَّم الناسُ أشواكاً إليك فلا
تَنْظُر إليها وقدِّم أنتَ أفوافا
* ما تعليقك على قول من يقول إنّ الإسلاميين سيطروا على الجنادرية هذا العام؟
يا أخي الكريم نحن في المملكة العربية السعودية أصحاب مبدأ واضح، ودولتنا إسلامية واضحة الهدف والرسالة، وقد قالها وزير الداخلية سمو الأمير نايف وفقه الله واضحة «نحن دولة إسلامية ولسنا دولة علمانية»، وراية التوحيد تخفق بأعظم كلمة في الوجود وأوضح عبارة «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، والمسألة ليست سيطرة أحد على شيء كما ورد في السؤال، المسألة مسألة رسالة موحَّدة قائمة على التصور الإسلامي الصحيح للكون والحياة والإنسان تحمله هذه الدولة بعيداً عن المبالغات، والمزايدات والشعارات، وعن التعصُّب والتحزُّب وضيق الأفق، وهذه الرسالة «إسلامية» تستوعب الوجود كلَّه، وتخاطب البشر كلَّهم، وهي تجري دون تكلّف على لسان الجميع، ولاة الأمر والعلماء، والمثقفين والأدباء وطلاب العلم وغيرهم، رسالة تتميَّز بها المملكة العربية السعودية، لا مغالاة فيها ولا مصادرة لحقوق أحدٍ من البشر.
هذا هو الخطاب السعودي الإسلامي، خطاب الجميع، فكيف يظن واهم أنَّ هذا الخطاب الموحَّد لجميع أهل هذه البلاد المؤمنين بدينهم وشموليته، يُعدُّ من باب سيطرة الإسلاميين محدِّداً بذلك زاوية حادَّة، ومضِّيقاً بذلك أمراً واسعاً؟؟ هذا الذي تقول في سؤالك وَهْمٌ يعشِّش في أذهان بعض المسكونين بوهم الثقافة الغربية، والرؤية التائهة البعيدة عن روح الإسلام والمواطنة الصالحة.
الذي يجري في الجنادرية - وهي موضوع هذا اللقاء - عملٌ جماعي متكامل ينطلق من تعاون وتكاتف بين المسؤولين والعاملين معهم في هذا المجال.
وعنوان: «هذا هو الإسلام» يوضِّح ذلك أجمل توضيح.
وعنوان: «خيول الفجر» يعبِّر بإيحاءاته الفنية عن هذا المنهج.
لقد سمعت تعليقاً من د. نبيل لوقا وهو نصراني مصري وعضو في مجلس الشعب المصري، على محاضرة الشيخ صالح آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية وكانت بعنوان «هذا هو الإسلام» سمعت من د. نبيل تعليقاً كان جميلاً في التعبير عن عظمة الإسلام منهجاً للحياة صالحاً لكل زمان ومكان، وكان واضحاً في بيان عدالة الإسلام وشموليته وإنصافه، وتحدَّث بعاطفة جيَّاشة عن شراسة الحملات الغربية الموجهة إلى ديننا الحنيف ورسولنا عليه الصلاة والسلام وعن عدم موضوعية آراء كثير من أصحاب الكلمة والقرار السياسي في العالم الغربي، ثم أشار إلى الدور الكبير الذي تحمل مسؤوليته هذه البلاد المملكة العربية السعودية، في مواجهة تلك الهجمات وبيان حقائق الشرع الإسلامي، ونشرها بين الآخرين.
هذا كلامٌ من رجل نصراني مصري نشكره على مناصرته للحقِّ، ودفاعه عن الحقيقة وبحثه عنها، أوجِّهه إلى من يتحدث - واهماً - عن سيطرة الإسلاميين على الجنادرية لعله يفقه ويفيق من وهمه.
* ماذا تريد أن تقول في آخر هذا اللقاء؟
أولاً : أشكر الله عز وجل الذي يسَّر لنا سبل الخير، وأوضح لنا طريق الرشاد، وهدانا إلى دينه الحق، ثم إني أشكر كل صاحب جهدٍ مشكور على كل عملٍ قدَّمه في هذا المجال أو غيره، وأخص بالشكر صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله، والدكتور عبدالرحمن السبيت والأستاذ فيصل المعمر ود. سلطان البازعي ود. إبراهيم بن محمد أبو عباة والأخ جابر القرني، وغيرهم من الاخوة الذين أسهموا في إنجاح هذا المهرجان بعد توفيق الله، ومن أسهموا في إنجاح هذا «النشيد المسرحي» ألحاناً وإخراجاً وأداءً وأوجه الشكر الصادق إلى كل من أبدى إعجابه بنص «خيول الفجر»، وإلى كل من وجَّه إليَّ كلمة تقدير وإشادة، أوكلمة نصحٍ وتوجيه.
ثم إنني أقول لمن يتصدَّون للنقد: كلمة النقد مسؤولية كبيرة، والموضوعية في النقد واجبة، وإذا فرَّط الناقد في الموضوعية والعدل في حكمه فقد حوَّل النقد إلى تحامُلٍ ومصادرة وهذا لا يجوز شرعاً ولا يصح عرفاً ولا عقلاً.
هنالك إيحاءات كثيرة في هذا العمل، وجوانب إيجابية كبيرة، وهناك ثغرات لا يخلو منها عمل بشر، فلا بد أن نصحح مسيرة النقد الأدبي والفني عندنا، ونبتعد عن الأحكام الجاهزة التي تبتعد - بدورها - عن الحقيقة.
وأخيراً أقول: أسأل الله أن يحفظ لنا ديننا وقيمنا وأن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين جميعاً من كيد الكائدين.
كما أنني أشكر الأستاذ سليمان العيسى على حسن تقديمه لخيول الفجر بصورةٍ دلَّت على تفاعله معه ، وهذا شأن المذيع المتمرِّس الذي يحسن تقديم كلِّ مادةٍ بما تستحق.
|