*** لن يكون في قدرتي أن ألهب فتيل الركض لأعنَّة الجياد وحدي...
هذه أيديكم تمتد كي تشعل الوقدة... لتركض القافلة...
هذا لكم...
*** أما ما هو لي فأقول: كتبت الثريا تقول: «أولاً لكِ وحدكِ: لن أكتب شيئاً في مدحكِ .......... فالكتَّاب عندي نجمة... ثم بدر... ثم شمس.. وكلُّ شمس بدر..، وليس كلُّ بدر شمس.
ثانياً: أبث لكِ شيئاً من أحلامي فأقول: أكتب بعضاً من الخواطر، مع أنَّ أحلامي أكبر من مجرد خواطر...، الجميع أشار عليَّ بنشر هذه الخواطر.. لكنّي أمانع.. لأنَّي أخشى عدم قبولها، وبالتالي نشرها...، معلمتي: أتمنى أن تكون لي زاوية أنشر فيها خواطري وآرائي، لكنّي أخشى ألاَّ يتحقق لي ذلك، وتكون كتاباتي مجرد خواطر عابرة، تُنشر مع عدة خواطر «تُحشى» بها صفحة من الجريدة دون أن يلتفت إليها أحد مع علمي بأنَّ الشيء يبدأ صغيراً.. ثمَّ يكبر شيئاً فشيئاً... ولكنّي لا أتمنى أن تطول فترة الصغر هذه الكلُّ يشير إليَّ بالنشر لكنّي في حيرة وتردد...
وحينما رأت إحدى معلماتي هذه الحيرة تعلو محياي... عرضت علي أن أرسل لكِ بعضاً من هذه الخواطر... طمعاً في الحصول على رأيك فيها... والذي يمثل لي الكثير.. وأيضاً الحصول على مساعدتك، لقد عرضت علي هذا الرأي في شهر شعبان الماضي.. أخذت أفكر.. وأفكر... ترددت كثيراً... ولكن بعد أن قرأت ما كتبته للأخت «آمنة علي آدم» أحسست بأنَّ الكلام موجَّه لي أنا... ويدعوني لكِ.. عندها فقط... قطعت الشك باليقين وقررت الكتابة لكِ.. لعلكِ تنقذين ما تبقى من موهبتي، وتسقين وردة ما انتشر عبيرها!!... وصدقيني لقد كتبت هذه الرسالة في اليوم نفسه الذي قرأت فيه ردكِ... أو إفضاءكِ لآمنة... وأنا عاجزة حقاً عن شكركِ.. وشكر المعلمة التي أشارت علي بالكتابة لك... سأنتظر ردكِ بفارغ الصبر، فما أرسله يمثل لي أوَّل محاولاتي فمن هنا بإذن اللَّه سأبدأ... وإنِّي أتمنى أن أسمع رأيكِ بل أقرأه بكلِّ صراحة فخواطري هي: «خواطر ليل لا تنتهي» و«بين الخيال والواقع» و«إليكَ يا أبتي»...
*** ويا الثريا: رسالتكِ وحدها تنمُّ عن أسلوب جميل، وقدرة لغوية تفوق كثيراً قدرات من لهم الباع الطويل في الكتابة، وهي جزء من أدب الرسائل الذي افتقدناه في خضمِّ التعامل مع الاختزال التعبيري في زمن الآلة، وشغب الحياة ورهق التداخل. لكِ أسلوب جميل.. وخيال أجمل، ومادة الكتابة اللُّغة والخيال، تلك هي بوتقة الفكر التي تصنع المبدعين، والإبداع يا صغيرتي يحطُّ رحله في معيَّتكِ، فاحرصي أن تنتقي له بيئة مناسبة ومناخاً ملائماً، وعناية تليق به... يحتاج منكِ لذلك كثافة القراءة، واستمرارية الكتابة، ولقد سعدتُ جداً برسالتكِ، وكما خرجتْ من هذه البقعة على الصحيفة مجموعة من الأسماء المشرقة في صحافتنا، وبين كاتباتنا النابهات، فإنَّني لن أتخلى عنكِ كي تأخذي مكانكِ ذات يوم بين أعمدة الصحف بل في دور النشر، عليكِ الثقة في قدرتكِ، والثقة في ضرورة اقتحامكِ بوتقة الكتابة والنهل من روافدها ومن ثمَّ التفاعل معها، بهمة عالية، وبزوَّادة ثرية... فالقلم كلَّما سعَيْتِ له، تجدين في مقابله إقبالاً منه... فهو لا يجفو إلاَّ من يجفوه بينما هو النهر الذي يرفدكِ كلَّما جلستِ إلى ضفافه تنهلين وترفدين...
سأضع لكِ خواطركِ في مكان ما من هذه الصحيفة فهي تتبنى الأقلام الواعدة بكثير من الاهتمام... ويسعدني أن أمتع إحساسكِ بجمال ما كتبتِ بهذه الخاطرة التي تحدثت فيها عن رمز الأب في أبيكِ فمرحباً بكِ يا الثريا حيث تقولين:
«رأيتكَ يا أبتي في البوادي.. على ضفاف غدران المطر
فوق أشجار السدر.. وفي كلِّ حبة «نبق» رأيتكَ... في الغار.. على سفوح الجبال... في هامة الإبل رأيتك... رأيتكَ حراً في الفضاء تحوم، ولمحت عينيكَ في عينيه
أبي: سمعت صوتكَ في حفيف الطلح... في حنَّة البكرةِ الولوع بأمها...
في هزة الريح لأعمدة بيت الشعر... بصوتِ رعد في سحابة...، في طلقات «الشوزن» سمعته... وفي طقطقة الحطب أثناء اشتعاله...، أرهفت سمعي لصوتكَ حيث يلتقي الفنجان بالدلة... وحين يضرب سيف يماني أخاه... أبي... شممت ريحكَ في النسيم الذي عقب المطر... في خزامى الأرض.. في النفل والأقحوان... رأيتكَ».
*** فيا الثُّريا...
هلا أتيتِ يا بنيتي بجميل عباراتكِ كي تستقيم لكِ قناة البوح... ويتقلَّدك القلم؟.
فأفضي باسمكِ ولا تتردَّدي.
|