Monday 13th January,2003 11064العدد الأثنين 10 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أطلال الوقت تعيد القصيبي إلى ذاكرة الجمال الشعري أطلال الوقت تعيد القصيبي إلى ذاكرة الجمال الشعري
قصائد عن الرياض والمنامة والهفوف وبيروت وبطل التوحيد تثير في الجمهور نبضه الوجداني

* الرياض - عبدالله السمطي:
مارس جمهور الشعر قدراً كبيراً من أفق التلقي في استقبال نصوص الشاعر الدكتور غازي القصيبي فقبل الأمسية بوقت غير قليل أوشكت قاعة الملك فيصل على الامتلاء ومع بداية الأمسية لم يتبق فيها سوى مقاعد قليلة، غازي القصيبي لن يمر من هنا مرور الكرام سيجلس سيتغنى شعرا، سيوصل مضامين، ويجدد أفكاراً، ويلتقي وجها لوجه مع انطباعات القراء حول قصائده.
هكذا دلف القصيبي إلى باب القاعة مساء أمس كان في استقباله د.عبدالرحمن السبيت، وفيصل العمر، وسلطان البازعي. وكان في استقباله أيضا جمهور عريض متعطش للشعر بأعاريضه وأضربه وصوره وتركيباته.
استهل د.حسن الهويمل مدير الأمسية بكلمات حول تجربة القصيبي، ورأى أنه شاعر مغامر، متحرك، له أسفاره ومدائنه، وذكرياته، تحدث عن مدائنه شعراً، وعن حبه لقومه، وكان بالموانئ الأربعة، وغنى لليلاه شعرا. ولما كانت المدينة عنده كيانا متضخماً -فيما يبين الهويمل- قتل الطبيعة وزرع الضجر، عبر عن ذلك شعرا.
وقال الهويمل: شاعر هذا المساء متعدد المواهب، دخل من أبواب الشهرة والمجد، وهو لم ينم ملء جفونه عن قصائده كالشاعر المتنبي بل غامر وتحرك وجرب وجدد..
وتحدث الشاعر غازي القصيبي في البدء بكلمة جاء فيها:
أشكركم على حضوركم معي هذا المساء ولعل هذا الحضور ينفي الإشاعة التي تتردد، بين الحين والحين، وتقول إن الشعر لفظ آخر أنفاسه واتجه إلى متحف من متاحف التاريخ.
كل شعر هو تفاعل مع زمان ومع مكان بل أذهب أبعد من ذلك فأدعّي ان كل فن هو تفاعل، من نوع أو آخر مع زمان ومع مكان وعندما ينفلت عمل فني من قيود الزمان والمكان يحول إلى تهويمات سيريالية لايفهمها سوى الفنان نفسه وقد لايفهمها الفنان نفسه. والتفاعل مع المكان والزمان هو بالضرورة تفاعل مع البشر الذين يقطنون مكاناً ما أو يسكنون زماناً ما والبكاء الشهير على الاطلال في تراثنا الشعري قديمه وحديثة ليس إلا بكاء على فراق أحبة سكنوا أمكنة حولها غيابهم إلى أطلال وقد فضح شاعرنا الذي تحدث عن حب من سكن الديارا سر هذه العلاقة.
من هنا، أقول: إن الحديث عن المكان والزمان لابد ان يكون في الوقت نفسه حديثا عن بشر.
ولقد رأيت ان يكون لهذه الأمسية محور ينتظمها من بدايتها إلى نهايتها هو محور المكان.
المدن التي عرفتها وعشت فيها وكتبت عنها ولابد للأمسية ان تكون انتقائية فالأماكن التي كتبت عنها لايمكن ان تحشد في أمسية واحدة (لايتسع الزمان للمكان) لا أطمع في تعريفكم بكل مدينة عرفتها وكتبت عنها ولكني أرجو أن تلمسوا عبر الحديث عن بعض هذه المدن تلك العلاقة الوثيقة التي تشد الشاعر أي شاعر إلى المكان وأحسبكم في الوقت نفسه سوف تلمسون تلك الصلة الحميمة التي تشد الشاعر أي شاعر بالزمان.
المدن، كالبشر يصعب ان نتصورها في معزل عن أزمنتها وسترون في عدد من القصائد ان الحديث عن مدينة ما قد يكون عن المدينة في زمن ما وقد يتجاذب المدينة زمنان أو عدة أزمنة. المدن التي عرفناها في صبانا غير المدن التي عرفناها في شبابنا غير المدن التي نعرفها في كهولتنا وإن بدت في ظاهرها وفي كثير من معالمها ثابتة لا تتغير. لابد لشعر المدن ان يبدأ بمكة المكرمة والمدينة المنورة في مكة ولد رسول الهدى عليه الصلاة والسلام وفيها تنزل القرآن، وإليها تهوي قلوب المسلمين كل عام وتتجه صلواتهم كل يوم فهي سيرة في سيرة كل مسلم ومدينة في مدينة كل مسلم وإلى المدينة المنورة هاجر رسول الهدى عليه الصلاة والسلام وفيها أقام أول مجتمع إسلامي مبني على أول دستور مكتوب وفيها التحق بالرفيق الأعلى وهي، بدورها، مدينة محفورة في دموع العيون وخفقات القلوب في العالم الإسلامي أدناه وأقصاه.
وألقى القصيبي القصيدة الأولى بعنوان:
أخت مكة:


تلك الثنيات... فأذكر مطلع القَمَر
واخشعْ مع الألقِ الطافي على الذِكَرِ
في يوم مولده.. أو يوم بعثتهِ
أو يوم هجرتهِ.. ماشئتَ من عِبَرِ
في سيرةٍ لم يْر التاريخ توأمَها
برغم ما أبصرت عيناه من سِيَرِ
بطيْبة الطيبِ.. أرسى الحق دولته
فالكون في موعدٍ ثر مع القدرِ
تلا الرسولُ كتاب الله.. فالتفتتْ
دنيا بأكملها.. تصغي إلى السُورِ
وجنّد الكفر ما للكفر من عُدَدٍ
فخرَّ في قاعِ بدرٍ.. دونما أثرِ
كتائب الله.. ترعاها ملائكة
تسير ما بين منصورٍ.. ومنتصر

* قصيدة التوحيد:
القصيدة الثانية تتحدث عن ربوع الوطن، عن كل مدينة وعن كل قرية، عن كل قمة وعن كل سفح، عن كل مرتفع وعن كل واد، عن كل قطرة ماء وعن كل حبة رمل. إنها قصيدة التوحيد، في مئوية التوحيد، مهداة إلى بطل التوحيد جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه.
وعنوان القصيدة «أغنية للفارس والوطن» ومنها:


اسرجْ حصانكَ.. قرنُ الشمس ينتظرُ
وهَزَّ بُندك.. يسمعُ خفَقهُ الظفَرُ
تنفّست لهُفَةُ الصحراء عن نَبأ
عذبٍ.. كما سال في قلبِ الظما.. المَطرُ
هل جاء؟!... ماست بها الكثبانُ والهةً
هل جاء؟ غنَّى بها في الخيمةِ السمَرُ
الفجرُ.. لاحت رياضُ العزِّ.. وابتسمت:
«هنا التقى فارسٌ.. والشعبُ.. والقدرُ»
تغفو الجزيرةُ حيناً... ثم يُوقظُها
صدى الأذانِ.. فيندى الموسمُ العِطرُ
جرّد حسامَك.. لا ضوءُ بلا شُهُبٍ
ولا نهارٌ إذا لم يلمعِ الشَرَرُ
في كل شبرٍ دُوَيلاُت مُبعثَرةُ
هيهات.. يجتمع التوحيدُ.. والصِغَرُ
جرِّد حُسامَك.. بالإيمانِ ترفعُه
وبالشهامةِ، لا بالغدرِ، ينتصرُ

كما ألقى القصيبي مجموعة من القصائد التي تعبر عن جماليات المكان بما فيه من ذكرى وشخوص ولقاءات وأحبة وتفاصيل وهذه النصوص قدم لها بمقدمات نثرية تكاشف مضامينها وتسرد لدلالاتها وهي: «أنت الرياض» و«العودة إلى الأماكن القديمة» و«مرثية الناي والريح» و«أم النخيل».


كأنك أنت الرياضُ
بأبعادها.. بانسكاب الصحاري
على قدميها
وما تنقش الريح في وجنتيها
وترحيبها بالغريب الجريح
على شاطئيها
وطعم الغبار على شفتيها
أحبك حبي عيون الرياض
يغالب فيها الحنين الحياء
أحبك حبي جبين الرياض
تظل تلفعه الكبرياء
أحبك حبّي دروب الرياض
عناء الرياض صغار الرياض
وحين تغيب الرياض
أحدق في ناظريك قليلاً
فأسرح في «الوشم» و«الناصرية»
وأطرح عند «خريص» الهموم
وحين تغيبين أنت
أطالع ليل الرياض الوديع
فيبرق وجهك بين النجوم

وقد تداخل بعض الحضور ومنهم د.نبيل لوقا الذي عبر بكلمات قليلة عن شاعرية القصيبي وطالب بأن ينشر شعره في البلاد العربية جميعاً وطالب البعض بإلقاء قصائد قديمة للقصيبي، لكن ضيق الوقت جعله يعتذر عن إلقائها.
بيد ان الشاعر صلاح هندي من الدمام ألقى قصيدة معارضة لقصيدة القصيبي «أنت النخيل» وانفضت الأمسية بوصول مضامين الأماكن ودلالاتها المعبرة إلى الجمهور الذي استمتع -صامتاً ومتأملاً ومصفقاً - بصور لها إيقاعها وشعرية لها طلاوتها المنبرية الجميلة.
ندوات ومحاضرات النشاط الثقافي في بث حي على موقع المهرجان الوطني للتراث والثقافة في شبكة الإنترنت. www.janadria.org.sa

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved