* الرياض - عبدالحفيظ الشمري:
في سياق الأنشطة المنبرية لمهرجان الجنادرية الثامن عشر جرت صباح أمس الاحد فعالية الندوة العلمية«العرب والمسلمون في الإعلام الغربي» حيث قام بادارة هذه الندوة سعادة الدكتور خالد إبراهيم العواد وشارك فيها كل من معالي الأستاذ جميل إبراهيم الحجيلان ومعالي الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي والدكتور جون اسبريتو فكانت البداية لمعالي الأستاذ جميل الحجيلان حيث قال:
«من القضايا الموجعة لمشاعر الإنسان العربي ما استقرت عليه صورته في الغرب من الإزدراء، والنفور منه، والتحامل عليه. ولا يدرك هذه الحقيقة ويعيش مظاهرها المؤذية كمن أقام في أوروبا وعمل فيها، واختلط بأهلها وتابع إعلامها كأبناء الجاليات العربية العاملة هناك.
وندوة اليوم«العرب والمسلمون في الإعلام الغربي» موضوع لم يتوقف يوماً الحديث فيه، حديثاً مشوباً بالمرارة والانفعال والدوران حوله دوراناً ينتهي بالغضب المكتوم ومشاعر العجز والاستسلام.
منذ أن قامت الجامعة العربية، وإنشاء وزارات الإعلام في الدول العربية وهذه القضية تشكل واحدة من هواجسها الرئيسية، تعمل الفكر فيها سعياً وراء تأمين صورة عربية عادلة ترتاح إليها في وسائل الإعلام الغربية.
وحتى يجيء البحث مترابط السبب بالنتيجة لابد لنا من عودة لأصول هذه المشكلة في جذورها التاريخية وفي تأثرها بالأحداث السياسية التي تعاقبت على علاقات الشرق بالغرب على امتداد القرن الماضي بوجه خاص.
ولعله من الأمور التي لا يختلف حولها إثنان أن الإنسان لا يولد كارهاً لإنسان آخر، متحاملاً عليه.. وأن رؤيتنا للناس، وحكمنا على الأحداث وموقفنا منها. تحددها مصادر المعرفة نتلقاها من خلال برامج التعليم، ومحيط العائلة ومحيط الأصدقاء والأقرباء، ووسال الإعلام التي بدأت تحاصرنا ليل نهار.. وما إلى ذلك من مصادر معارفية أخرى.
ولو أخذنا طفلاً عربياً في الخامسة من عمره ووضعناه، مثلاً، في بيئة بريطانية متكاملة.. منزلاً، ومدرسة، وحياً، وأصدقاء لكانت نظرته لوطنه الأصلي، وهو يبلغ العشرين من عمره، نظرة أي قرين بريطاني آخر له.
ولم نفطن، في شكوانا من العالم الغربي، لهذه الحقيقة الإنسانية بل أرجعنا همومنا إلى قناعتنا بكره غربي متأصل فيهم لكل ما هو مسلم وعربي.
وسأحاول أن أجعل من هذا الفهم الخاطئ ركيزة لحوارنا هذا اليوم متطلعاً لأن ينتهي بنا هذا الحوار لقناعات مشتركة توضع في خدمة أهداف هذه الندوة...
وقال الحجيلان: لقد أتاح ظهور الحركات الإسلامية المتطرفة لوسائل الإعلام الغربية مدخلاً واسع الأبواب لكي تزج بالإسلام من جديد في تناولها قضايا العالم العربي وتعزو إليه، ظلماً، أسباب تلك الانحرافات.
ولا تتحدث عن الإسلام إلا عن«الدين الذي يدعو لكراهية النصارى واليهود، الذي يقضي برجم الزانية حتى الموت، وقطع يد السارق، وإعدام القاتل في الأماكن العامة، وحصر الطلاق بيد الرجل، وتمييزه في المواريث، والرخصة له بزوجات أربع وإكراه الزوجة على ستر وجهها بالحجاب وما إلى ذلك من الأحكام التي يرى فيها الإنسان الغربي أشد الأمور إثارة للاستنكار وأكثرها تحدياً لحضارة القرن العشرين في بلاد تساوت فيها المرأة مع الرجل وزادت عليه في الحقوق ولدى شعوب أقامت حياتها على فهم لحرية الإنسان فهماً لا يكاد تقيده حدود».
وأمام هذا التناول المتواصل المتعمد للإساءة للإسلام ليس هناك من يتصدى أو يرد.
وتكاد تحملني أربعون عاماً من العمل الإعلامي والدبلوماسي على القول بأن العالم العربي كان في هذا الصراع على مقاعد المتفرجين عاجزاً عن المشاركة فيه وهو يشاهد الإعلام الغربي يعبث بصورتنا إساءة وتشويهاً.
على هذه الخلفية من صورة العرب والإسلام في الغرب جاءت أحداث سبتمبر لتفجر حملة الكراهية والتعميم على نحو ما هو معلوم.
ولأن المناخ كان مثقلاً بكل ما هو سلبي في الصورة العربية، ولأن النفوس كانت معبأة بمشاعر الريبة والنفور فقد جاءت ردود الفعل على أحداث 11 سبتمبر حملة فقدت كل ضوابط الإتزان وحكماً سيئاً على أمة بكاملها، واصبح العربي الطريد الذي تلاحقه الشبهات أينما حل وحيث ما كان لايفرق في ذلك بين آثم ومستقيم.!
وقد حملتني اهتماماتي بشؤون بلادي أن أتابع عن قرب منذ ذلك الحدث المشؤوم ما يصدر عن وسائل الاعلام الغربية ولاسيما الأمريكية منها عن المملكة العربية السعودية، ومن خلالها عن الإسلام، لأتبين مدى ما اندفعت إليه من حنق ونزق وجهل وعدوانية وتطاول حتى على الرسول الكريم الذي طهره الله وزكاه وفضله على العالمين..
وبعد.. إن كل ما أتيت عليه يا إخواني لايعدو كونه رؤية شخصية ولكنها ليست، بالضرورة، رؤية خبير.
ولعل السؤال الذي لابد من الانتهاء إليه الآن، وكان الدافع وراء تنظيم هذا الحوار هو:
ما هي وسيلتنا للتعامل مع هذه القضية الهامة تعاملاً يجعل الأمور أكثر توازناً فأكثر عدلاً..
وهذا ما أرجو أن يدور بشأنه الحوار.
وبعد نهاية ورقة الاستاذ الحجيلان تحدث معالي الدكتور أحمد بن طالب الابراهيمي حول هذه القضية حيث قال:
عندما طلبت مني الهيئة المنظمة لهذا المهرجان مشكورة القاء محاضرة حول العرب والمسلمين في الاعلام الغربي ترددت قليلاً في تلبية الدعوة لأن الموضوع بدأ لي للوهلة الأولى انه يعني صحافياً عاملاً أو استاذاً جامعياً متخصصاً وأنا لست لا هذا ولا ذاك وإنما الذي شجعني على القبول هو العنوان العام الذي تندرج فيه سائر المحاضرات المبرمجة لهذا المهرجان وهو «هذا هو الإسلام».
وأعترف بادئ ذي بدء بأنني وجدت صعوبة في البحث بفكر موضوعي ومحايد لأن الإسلام جزء من ذاتية الممتحدث تربى في أحضانه وتشبع بتعاليمه وقيمه، وأصبح تبعاً لذلك يشعر بنفسه معنياً مباشرة بأي مس يستهدف دينه في مقاصده وتاريخه سواء كان هذا المس بدافع الجهل وقلة المعرفة أو بدافع الحيلة السياسية أو الإرادة المبيتة للإساءة.
وتزداد الصعوبة حدة في محاولة التجرد من العواطف وتلمس الطريق إلى الدراسة العلمية الهادئة بوقوع الباحث الذي يستعين بالمراجع الغربية تحت وابل من الأباطيل والأحكام المسبقة يدفعها قصف رهيب مركز موجه إلى التشكيك في أصالة حضارة العرب والمسلمين ومقومات شخصيتهم وسيرة نبيهم الأمين حتى يسهل تهميشهم حضارياً واستلابهم ثقافياً وتيسير تأييد استغلالهم اقتصاديا وجعلهم يدورون في فلك التبعية السياسية.
ولو اقتصر الأمر على ذلك لهان الخطب انطلاقاً من معرفتنا المتأصلة التي ترسبت منذ قرون في وجدان الإنسان الغربي مسيحيا أو يهوديا ضد الإسلام وأتباعه ولكننا نجد في مجتمعاتنا بعض المسؤولين والمثقفين ممن تسيرهم عقد النقص تجاه الدول التي استعمرت بلادهم أو ممن يشعرون بالغربة في ديارهم يهللون لتلك الحملة المسعورة التي يمليها القوي على الضعيف، والتي تكون فيها معايير الحكم مزدوجة إذ يكون الإرهاب مقبول ومشروعاً أو مرفوضاً ومداناً وفق ما تمليه المصالح الآنية لإرادة القوي والحال أن الإرهاب في شكله السياسي ظاهرة عالمية قديمة عانى منها المسلمون عبر تاريخهم وتجسد في محاكم التفتيش في أوروبا وعرف العصر الحديث صنوفاً منها في فلسطين.
ويوغسلافيا والاتحاد السوفيتي سابقاً وبلغاريا..، والحال ايضا ان التطرف الديني الذي يولده الشعور بالظلم والجور، او المدفوع بالتعصب الاعمى، تعانيه الامة الاسلامية بقدر ما يتفاعل في الساحة المسيحية ولدى اليهود والهندوس، والامثلة هنا كثيرة في اوروبا وامريكا وشبه القارة الهندية واليابان، واقربها الينا ما تشهده ارض فلسطين حيث يوصف اصحاب الحق بالارهابيين، ويوصف الغزاة من شذاد الآفاق لانهم يمثلون ـ في نظر القوى العالمية المهيمنة ـ الخط الامامي للدفاع عن الحضارة الغربية وقيمها ومبادئها!!
ولو عدنا قليلاً الى الوراء لفهم سبب هذا المخزون من الحقد والكراهية الذي انفجر ضد العرب والمسلمين عبر اجهزة الاعلام، والقنوات الفضائية، والشبكات الالكترونية، والافلام السينمائية، ولم تسلم منه احياناً حتى الكتب المدرسية والمقررات الجامعية، لتبين لنا ان المستهدف ليس دولة بعينها، حشرت نفسها في زاوية المخالف لما يسمى بالشرعية الدولية، او تياراً سياسياً معينا انحرف به اليأس عن جادة الصواب، وانما المستهدف هو اسس تلك الحضارة التي أنشأها العرب وشعوب اخرى في العصور الوسطى تحت راية الاسلام، وما تقع عليه من ارض انعم الله عليها بخيرات جمة.
ثم جاء دور المحاضر الثالث سعادة الدكتور جون اسبزيتو حيث تحدث عن قضية الاسلام والغرب من خلال هذا المنظور الاعلامي حيث تناول خطورة الامر وقوته في هذا الجانب من العداء المستحكم بين الديانات.
ويرى المحاضر ان فهم الاسلام في جميع الطروحات الاعلامية الغربية يحتاج الى غربلة واهتمام حيث ساد وفي العقود الماضية عدد من الممارسات الخاطئة خصوصاً بعد احداث سبتمبر حيث اصبحت الصحافة الغربية اكثر انتقاداً ولا سيما الصحافة الامريكية وليس لديهم ادراك تام بما يحدث في البلاد العربية ولا سيما فلسطين.
ويعيد هذا السبب الى ان هناك قصوراً في دور الاعلام في ايصال حقيقة القضية العربية.. واكد ضرورة ان يكون دور الاعلام اكثر شمولية وفاعلية من خلال الاحداث المفصلة.
والاعلام الغربي تحركه العناوين الكبرى في الصحف، فهم يركزون على ما يحدث من الكوارث والمشكلات الكبرى.
وفي نهاية الندوة كان هناك عدد من المداخلات والاسئلة التي وجهت الى المشاركين في هذه ومن ابرزها الدكتورة نوره خالد السعد.
|