دائما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تهتم بصورة كبيرة بفكرة حصول أي دولة في العالم سواء كانت صديقة أم لا على أسلحة دمار شامل ففي تلك الأيام البعيدة قطعت الولايات المتحدة تعاونها التكنولوجي مع أقرب حلفائها بهدف عرقلة جهود هذه الدول الحليفة لتطوير قنبلتها الذرية وقد أقنعت إدارتا الرئيسين الأمريكيين الأسبقين ليندون جونسون وريتشارد نيكسون دول العالم بمعاهدة دولية تمنع زيادة عدد الدول التي تمتلك أسلحة نووية ولكن الظروف تغيرت وأصبحت كوريا الشمالية تمتلك قنبلتين نوويتين على الأقل وفقا لتقديرات كبار المسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش وأنها امتلكتهما منذ سنوات ويسأل وزيرالخارجية الأمريكي كولن باول ما الذي ستفعله كوريا الشمالية بامتلاك قنبلتين أو ثلاث أخرى؟
والحقيقة إن واشنطن كانت حكيمة عندما فضلت الدبلوماسية على الحرب في التعامل مع كوريا الشمالية ولكن الغريب أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش هي التي قامت بوقف الاتصالات رفيعة المستوى مع بيونج يانج عقب وصولها للسلطة أوائل العام قبل الماضي ربما كان ذلك بسبب اشمئزاز الرئيس بوش كما قال في وقت سابق من الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج إيل وربما لأن كوريا الشمالية محاطة بجيران أقوياء من جميع الجهات وربما لأن كوريا الشمالية على عكس العراق تمتلك رادعا نوويا يعمل ويمكنه تهديد حتى القوة العظمى في العالم ويبدو أن الخيار المفضل لأمريكا في التعامل مع القنبلة النووية الكورية الشمالية هو الخنق البطيء لهذه الدولة ولكن ما يعيب هذا الخيار هو بطء النتائج التي يمكن تحقيقها من خلاله فكوريا الشمالية تعيش منذ سنوات رغم كل توقعات انهيارها في السابق.
الأمر الملح والمؤكد في مناورات كيم جونج إيل هو أنه يحاول تخفيف المخاطرالداخلية والخارجية التي تهدد وجوده وربما يريد كيم ببساطة إجراء مفاوضات حول حصول بلاده على مساعدات اقتصادية باستخدام الأوراق التي يمتلكها والتي كانت فعالة في الماضي ولكن وعلى نفس القدر من الاحتمالية فهو يريد الحصول على قدرات نووية تضمن له الحماية لأنه يعتقد أنه سيكون الهدف الثاني لأمريكا بعد العراق إذن هل يمكن وقف برامج كوريا الشمالية النووية؟
يفضل الكوريون سواء في الشمال أو في الجنوب الوصول إلى اتفاق عدم اعتداء كأساس لوقف برامج الشمال النووية ويفضل الكثيرون اللجوء إلى صيغة مثل تلك التي توصل إليها الكوريون مع الولايات المتحدة الأمريكية عام 1994 لوقف برامج الأسلحة النووية في كوريا الشمالية مقابل حصولها على شحنات من البترول الأمريكي مجانا ومساعدتها في إقامة مفاعل نووي لتوليد الكهرباء يعمل بالماء الخفيف ولا يمكن استخدامه في أغراض عسكرية ولكن هذا الخيار ثبت عدم فاعليته بمرورالوقت لذلك فهناك من يرى أن تحقيق تسوية شاملة في شبه الجزيرة الكورية يمكن أن يوفر السياق الدبلوماسي المناسب لكي تتخلى كوريا الشمالية عن طموحاتها النووية مرة واحدة.
ورغم أن حكومة كيم ترفض علانية فكرة وجود طرف ثالث كوسيط بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية فإن جهدا دوليا متعدد الأطراف كعقد مؤتمر أمني لمنطقة شمال شرق آسيا يمكن أن يحقق نتائج إيجابية في اتجاه إقناع كوريا الشمالية بوقف تطوير ترسانتها النووية ولكن يجب أن تكون أجندة مثل هذا المؤتمر موسعة.
وكخطوة أولى يجب أن تتضمن تسوية سلمية تتضمن إجراءات لضمان إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية كما اتفقت الكوريتان من قبل عام 1991 ولكن يجب أن يتضمن هذا المؤتمر مناقشة باقي الموضوعات العسكرية بالإضافة إلى التعاون السياسي والاقتصادي بين شطري شبه الجزيرة الكورية.
ويجب أن ندرك أنه لن يتحقق أي سلام دائم في هذه المنطقة بدون إحداث تغييرات اجتماعية في كوريا الشمالية وأفضل وسيلة لتحقيق مثل هذا التغيير هو فتح البلد أمام المؤثرات الخارجية على المدى القصير من خلال سياسة الوفاق.
ونعود إلى سؤال كولن باول وهو هل يختلف الأمر في حالة امتلاك بيونج يانج لست أو ثماني قنابل نووية بدلا من اثنتين فقط؟ إذا قبلنا بفكرة أن كوريا الشمالية دولة نووية من الناحية النظرية فإن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش تضع هذه الدولة في نفس الفئة التي تضع فيها الهند وباكستان اللتين أجرتا اختبارات نووية عام 1998 وهذه الاختبارات غيرت الأفق الجيوسياسي لمنطقة شرق آسيا وإذا ما أجرت كوريا الشمالية تفجيرا نوويا فسوف يتغير هذا الأفق مرة أخرى وستكون الرسالة للعديد من الدول الآسيوية هي ضرورة امتلاك أسلحة نووية.والحقيقة إن إدارة بوش أدركت متأخرة حتمية التعامل مع الأزمة النووية لكوريا الشمالية ويبدو أن هذه الإدارة تعتقد أنها تمتلك رفاهية التعامل مع أزمة واحدة في وقت واحد ثم الانتقال إلى الأزمة الأخرى.
(*) معهد بروكنجز للدراسات السياسية في واشنطن (*) عن «هيرالد تربيون» - خدمة الجزيرة الصحفية
|